إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًافَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا
يخاطب الله تبارك وتعالى في هذه الكلمات، يخاطب المؤمنين من وراء نبيهم صلى الله عليه وسلم، في أمر من أمور حياتهم الخاصة. يوصيهم ويعظهم ويرشدهم سبحانه وتعالى فيقول (إذا طلقتم النساء) ونحن حين نقرأ هذه الآيات ينبغي أن ننظر الى كلمات ربنا تبارك وتعالى كالكلمة الواحدة فالله تبارك وتعالى أوصى المؤمنين في علاقاتهم مع أزواجهم بعديد من الوصايا قد تفرقت في عديد من الآيات، فقال تعالى ….وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًاو قال تعالى ….وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ثم قال وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ثم يقول …إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ….
ونحن سنقف مع وقفات من هذه الآيات، لا نريد أن نعرج عليها بشرح أو بيان وإنما نقتطع منها كلمات، (واتقوا الله ربكم) (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (و من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه قد جعل الله لكل شيء قدرا)
فهو سبحانه وتعالى إنما يخاطب المؤمنين فيقول لهم (واتقوا الله)، المفروض أن (واتقوا الله) كافية ولكنه يقول (واتقوا الله ربكم) (واتقوا الله ربكم) يأمر تعالى المؤمنين بأن يعظموا ربهم ويعظموا حدوده ويعظموا وصاياه، وأن يخشوا ويتقوا يوما يقفون فيه بين يدي الله، اتقوا الله ربكم خالقكم وبارئكم ورازقكم ومدبر أمركم ووليكم ونصيركم والمحسن إليكم والمنعم عليكم، ثم يقول (ذلكم) هذه الكلمات وهذه الوصايا لمن؟ (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)، المفروض الآن أن كل المؤمنين مؤمنين بربهم سبحانه وتعالى ومؤمنين بلقاء الله وإلا لا يكونوا مؤمنين، الله تبارك وتعالى يخاطب المؤمنين ويقول أنه لن يعظم هذه الكلمات ولن يعظم هذه الوصايا من الله ولن يعطيها حقها أو يضعها موضعها إلا من كان يؤمن بالله تعالى حق الإيمان ويؤمن بلقاء الله تعالى حق اليقين، إذا إن لم يكونوا كذلك فلن يقوموا بوصايا ربهم لهم ولن يعبئوا بكلمات الله إليهم ولذلك إذا رأيت مسلما لا يعظم كلمات الله، لا يعظم حدود الله، لا يضع موعظة الله مواضعها فاعلم أنه إنما يؤتى من قبل إيمانه بالله وبلقائه (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) ولذلك لم يخاطب الله تبارك وتعالى المؤمنين بالتوجيهات التي يصلح بها حياتهم إلا بعد أن خاطبهم بما يصلح به قلوبهم، قادهم الى أن يكونوا مؤمنين ثم خاطبهم بعد أن صاروا مؤمنين بما ينبغي على المؤمنين أن يواجهوا به كلمات الله إليهم. (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) هو يحدثهم سبحانه وتعالى في إطار من المشاكل، في إطار من الهم والضيق الذي تنشؤه المشاكل الأسرية وما يحيط بها، لأن الطلاق لا يكون إلا في ظل ظروف تتعذر معها إستمرارية الحياة بغض النظر عن العلة، فموضوع الطلاق لا يأتي إلا بسبب يؤدي الى ذلك، فهذا التعسر وهذا الضيق وهذه الهموم التي تعتري العبد، وهي تعتري كل عبد ولذلك ذكرنا من قبل من قديم أكثر من مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما إعتزل نسائه لما اجتمعن عليه في أمر النفقة بقي في علّية في المسجد ” سندرة في الجامع ” جلس فيها تسعة وعشرون يوماً لا يكلم فيها أحد، والصحابة في حال من الضيق والهم والغم لا يعلمها إلا الله، نبيم صلى الله عليه وسلم قد أعتراهم هم وهم لا يقدرون على أن يخرجوه من هذا الهم، حتى أنه كان ربما لا يأذن لأحد عليه في هذه العلّية، يقول عمر أنه دخل المسجد فوجد الصحابة يبكون، النبي يجلس في العلّية وهم جالسون في المسجد وأعينهم تففيض من الدمع، فسألهم ما الأمر فقالوا: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه، المدنية كلها تعيش مأساة لحاجة تتعلق في النهاية ببيت النبوة، قضية شخصية محضة أثرت عليه صلى الله عليه وسلم وهومن هو في عظمته، وفي قدرته وفي حلمه وفي صبره وفي صفحه لكن مشاكل البيت في النهاية صعبة، ولذلك يقول عمر أنه قبل أن يأتي المسجد طرق باب صاحبه من الأنصار، وقد قلنا سابقاً أنهم يقسمون عملهم فيما بينهم، فيذهب واحد منهم إلى العمل ورعاية الأرض ويذهب الآخر إلى المسجد يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يفوته من أمر العلم شيء فإذا انتهى هذا من عمله وعاد إلى بيته أتاه صاحبه في آخر اليوم فطرق عليه بابه، حتى يقول له ما الذي تعلمناه اليوم وما الذي استفدناه اليوم، ما الشيء الجديد الذي بصرنا به رسول الله في يومنا هذا، فهو يقول أنني في يوم طرق صاحبي عليّ الباب متأخراً فانتابني القلق واسرعت وفتحت الباب وقلت له: ما الأمر.. أجاءت غسان؟، يقول أنهم كانوا ينتظرون أن يغزوا الغساسنة المدينة، فحين جاء الرجل متأخراً وكان مفزوعاً ظن عمر أنهم قد تعرضوا لغزوهم، قال له: لا بل أعظم منه!، ما الأمر الأسوا من ذلك؟ قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه، فهم بالنسبة لهم هذه الواقعة أسوء وأشر وأنكى من أن يجتاح الغساسنة المدينة، بما يترتب عليه من قتل وسبي وإراقة دماء، هذا الحدث في تصنيفهم أكبر وأخطر من مجيء الغساسنة، هذا الكلام في إطار بيت النبوة.
فإذاً هذه النوعية من المشاكل هي أصعب وأثقل على الشخص من أي مشاكل أو أزمات أخرى.
فربنا سبحانه وتعالى يأمر بأوامر ويوجه توجيهات، ثم يقول لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، الآن الإنسان إذا اكن يعيش أي مشكلة أو أي هم، سواء كان مشكلة مالية أو مشكلة إجتماعية أو أسرية أو وظيفية أو صحية، أي مشكلة تعتري الإنسان غالباً تستيطر على تفكيره ولعى مشاعره وغالباً الإنسان يشعر أن هذا الشيء سيكون جاثماً على صدره لا يبدو أن له حولاً، ولذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ أول شيء يعتريه الشعور باليأس، أي أن الذي نزل به من بلاء لن يزول، ولذلك تفكيرك في المستقبل يكون أخطر من التفكير في المشكلة أو سبب حدوثها، ليست مشكلتك أنك الآن تعاني من شيء لا، المشكلة أن هذا الأمر سيمتد ويستمر في المستقبل غداً وبعد غد إلى أن تموت وتنزل القبر وأنا لا أعلم كيف أعالج هذا الأمر، كيف أدير هذه المأسه؟.
فربنا يقول أن الإنسان يذقه ربنا سبحانه وتعالى الرحمات، حسناً، إذا أراد سبحانه وتعالى أن يذكره به أو يخرجه من دائرة الغفلة عن النعم ” حاجة في حياته تتغير ” فتشعر أنها كانت نعمة كبيرة وأنت لم تشعر بها، فأنت تحتاج أن تراجع حال شكرنا لربنا سبحانه وتعالى، وما رد فعل الإنسان؟ نَّهُ لَيَئُوسٌ هذا الوضع لن يتغير أبدأ كَفُورٌ لا يشكر نعم الله عليه.
حسناً، وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بعد زوال النقمة بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي أي أنها كانت أيام سيئة وانتهت ولن تأتي أبدأ، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ يصبه البطر بدل الشكر والتعالي على الناس، إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ صبروا في الحالة الأولى وعملوا الصالحات حين أعاد إليهم ربنا النعم، فالإنسان في ظل هذا الوضع وهو مهموم ومكتئب يقول له ربنا سبحانه وتعالى، يقول له أنت لا تعلم ماذا يقدر الله لك في غد، لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ولذلك أبو الدرداء رضي الله عنه في قوله تبارك وتعالى يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ تلجأ الناس إلى الله في كل وقت وحين، وكل واحد منهم يطلب من ربن سبحانه وتعالى ما يريد من جلب خير أو من دفع ضر، يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لم يثتثني أحداً، أهل السماء وأهل الأرض، وربنا سبحانه وتعالى ذكر لنا من دعاء أهل السماء لَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ولكن بماذا يدعوا أهل السماء رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا فأهل السماء يسألون الله سبحانه وتعالى ولكن أهل السماء يسألون الله لأهل الأرض رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، فأهل السماء يسألون لأهل الأرض، أما أهل الأرض إنما يسألون لأنفسهم، يسألون خيراً أو يسألون شراً فقد يدعوا الإنسان لنفسه أو على نفسه، يدعو بما ينفعه ويدعو أحياناً بما يضره إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا.
فربنا سبحانه وتعالى يقول لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا إذاً هو يعطي سبحانه وتعالى التذكير بحسن الظن بالله وتوقع وترقب الخير من الله، وزوال الضيق أو الهم أو الشدة أياً كانت، فأبو الدرداء رضي الله عنه: قال تعالى كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ يقول: يغفر ذنباً ويكشف كرباً ويجيب دعاءً ويرفع أقواماً ويضع أخرين، يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ يحدث سبحانه وتعالى في خلقه من نعمه ما يشاء، ولذلك هو سبحانه وتعالى يخاطب الإنسان الذي يعيش ضائقة من الضوائق يكلمه أول ما يكلمه عن المستقبل وتوقع الخير من الله ورجاء الفضل من الله، قال تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا فهو سبحانه وتعالى أنه لن يكون عسر إلا ويقارنه من الله تيسير ورحمة وإلا لم يستسيغه إنسان ولا يقدر أن يتحمله، فَإِنَّ مَعَ ولم يقل بعد، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا والعلماء حينما فسروا هذه الكلمات الإلهية قالوا أن اليسر متجدد، العسر المعرف محدد أما اليسر فذكر منكراً، وهذا المنكر متجدد، أي أن اليسر في أول أيه غير اليسر في الآية الثانية، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يسراً، ثم إن معه يسراً آخر وهكذا، يصبح هناك متوالية من التيسيرات مع هذا العسر الذي قد قدر حتى يكشفه الله تبارك وتعالى على الإنسان.
فيقول ربنا لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، ثم يقول تعالى ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ ولذلك من المنطقي أن يقول بعد ذلك وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ربنا سبحانه تعالى يخاطب هنا المؤمنين فيوجههم أنهم إذا ما أتقوا ربهم آتاهم الله تبارك وتعالى جزاء التقوى معجلاً قبل الآجل وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ يقول للإنسان الذي يتق الله بحرصه على أن يأتمر بأمر الله ويلتزم به، فهنا أعطى ربنا سبحانه وتعالى مجموعة من العظات والتوجيهات والأوامر، ماذا تفعل في إدارة هذه المشكلة؟ فإذا التزمت بأمر الله لابد أن يجعل الله لك من هذا الهم فرجاً ومخرجاً، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا هذا أولاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ فهنا شيئين، لدينا حالة من الضيق تصيب الإنسان، سواءً كانت حسية أم نفسية، وعموماً أي مشكلة مادية تصيبك لابد أن ينعكس أثرها على حالتك النفسية، لكن أحياناً قد تكون مشاكل نفسية وفقط، مجرد أفكار أو هواجس أو وسواس أو شعور بالانقباض الذي قد لا يكون له تفسيراً مادياً، ففي النهاية الأثر في الحقيقة هو أثر نفسي بمسبب مادي معروف أو غير معروف.
فربنا سبحانه وتعالى يصف حالة الضيق التي تصيب الإنسان هنا في السورة بسبب مشاكل قائمة حاصلة، فيقول ربنا سبحانه وتعالى أن الذي يتق الله فهو موعود من قبل الله بأن يجعل له من هذا الضيق مخرجاً.
حسناً أحياناً لا ترى المخرج، أنا حين أكون مستغرقاً في المشكلة لا أرى المخرج، لكن ربنا سبحانه وتعالى يعد أن يعطي الإنسان مخرجاً إذا كان يتق الله، هل هذا وفقط؟ لا، وأن يعطيه رزقاً وشرط في الرزق أن يكون من حيث لا تحتسب، فالعادي أن الإنسان عندما يوجد مشكلة مادية بالذات، هو يبحث في إطار الأشياء التي يحتسبها، فأنا مثلًا منتظر شيء معين، سيأتي مال من المكان الفلاني في الوقت الفلاني، أو فلان أنا ممكن أكلمه فيساعدني، فأنا أعمل في دائرة معينة، هذه الدائرة هي الدائرة التي أحسبها ومنتبه لها، وغالبًا هذه الدائرة لا تسعف كثيرًا، فأنت تكون شاعرًا بالضيق، لأن دائرة الأسباب التي تفكر فيها هي في النهاية دائرة ضيقة، فأنت تشعر أنها إما أن تسعفك بالكاد أو لا تسعفك تمامًا، وأنت لا تعرف، فلان عندما تكلمه هل سيعطي لك المال أم لا، هو في وضع سعة مالية أم لا، فهو مدخر بعض المال، ولكن من الممكن أن يكون محتاجًا لهم أو يرصدهم لشيء أنت لا تعرف.
فالمال الذي سيأتي لي، هل سيغطي ما احتاجه أم من الممكن أن يكون لا؟ فدائمًا الإنسان حينما يفكر في دائرة الأسباب التي يحتسبها وهي غالبًا دائرة ضيقة يشعر بالضيق ويشعر بالتوتر، فربنا سبحانه وتعالى يقول أنه سوف يعطيه من حيث لا يتوقع ولا يرجو، إذن أي شيء سأفكر فيه هي خارج الآية أكيد، أي شيء سيأتي في عقلي، فهذا معنى ” لا تحتسب ” ما معناها؟ أي شيء لا يخطر لي على بال، فأنا كلما أتيت بالورقة وأزيد في الأشياء فأنا أغلق، كلما زدت في دائرة الاحتساب أنا أغلق وأضيق في دائرة العطاء السماوي، فهو في الحقيقة ربنا يقول سيأتيه الرزق من حيث لا يحتسب.
حسن، حينما يأتيك رزقٌ لم تكن ترجوه، ما يكون أثره عليك؟ فدائمًا عندما يأتي المرتب أو البونس الذي أنت منتظره، سواء خصموا منه أم لا، فأنت يكون هو بالنسبة لك عادي، عادي، أي شخص يأتيه مال يفرح طبعًا، ولكنه عادي، متى فعلًا فعلًا تشعر بفرج ربنا ورحمته؟ حينما يطرق بابك من لم تكن ترتجي أن يطرق بابك، حينما يأتيك من فضل الله ما لم تكن تحتسب أو تتوقع أو ترجو أن يأتيك، فربنا سبحانه وتعالى يقول أن هذا له مفتاح، التقوى التقوى مفتاح المخرج من كل ضيق، ومفتاح الرزق الواسع من الله، ثم قال: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ربنا ذكر أمرين؛ التقوى وأثرها والتوكل وأثره، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ربنا سيخرج الإنسان من الضائقة التي لا يعرف من أين مخرجها، المتاهة التي لا يقدر على الخروج منها، وسيؤتيه من الرزق ما لا يرتجي، وما لا يتوقع، إذن كشف الكروبات وعطاءات الله تبارك وتعالى تتناسب طرديًّا مع قدر تقوى العبد لله.
ومن سيعتمد على الله؟ الذي يعتمد على الله يكفيه الله، من اعتمد على الله كفاه الله همومه، كذا قال الله وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا، ولذلك ماذا قال ربنا، هو من يخاطب؟ يخاطب المؤمنين الذين يصدقون بكلمات الله، فربنا يقول لهم أن التقوى تجلب ما تجلب، وأن من اعتمد على الله كفاه الله، من اعتمد على الله كفاه الله، هو هنا يتكلم في جو هذا الجو من الممكن أن يكون جو مشاكل، مثلًا سيحدث مشاكل، وأخوة زوجته أناس مشاكسين، فهو خائف أن تحدث مشاكل كبيرة، أو لو حدث مشاكل لأن حماتها….
فالإنسان سيشعر أنه من الممكن أن يدخل في أجواء مشاكل، وجو به قدر من الكيد وقدر من الإيذاء، فأنا سأفكر بعقلي أنا لابد أن أصنع مصدات لهذا، سأفكر بعقلي فأين أذهب، أنني لابد أن أفعل شيئا أواجه به المشاكل والهم، فربنا يقول: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ربنا سيكفيه أي شيء، لا داعي لأن تصدع دماغك أو تسيّرها في هذا الطريق، الموضوع أبسط من هذا وأسهل، إذا كنت تتقي الله، وتحيل أمورك على الله وكنت قبل ذلك تؤمن بالله، فربنا سبحانه وتعالى يقول لك أنه حسبك، سيكفيك شر كل ذي شر إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ كل ما قدره الله قضاه، كل ما قدره الله قضاه قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا كل شيء له تقدير دقيق عند الله سبحانه وتعالى وكل شيء له أجل، لا يوجد مشكلة لا حل لها، ولا يوجد شيء لا ينتهي، ولا يوجد أزمة لا تزول، لكن قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا كل شيء له أجل ربنا حدده، لا يتقدم عن الأجل لحظة ولا تتأخر عنه لحظة، ولكن خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ خلق الإنسان عجولا، يستعجل، فربنا يقول له إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ولكن هذا الأمر يبلغه حين يقدر الله، لا حين يقدر العبد، ما شاء الله كان، ليس ما شاء العبد، يكون في التوقيت الذي يقدره الله، يقول الربيع بن خثيم: (من توكل على الله كفاه، ومن آمن بالله هداه، ومن أقرضه جازاه) (من توكل على الله كفاه، ومن آمن بالله هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب دعواه) خمس كلمات.
من توكل على الله كفاه، من آمن بالله هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق بالله نجاه، ومن دعا الله أجاب دعواه، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وعضال الداء، وخيبة الرجاء
اللهم إنا نعوذ بك أن نقول زورًا أو نغشى فجورًا.
اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعاءٍ لا يسمع.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحول عافيتك ومن فجأة نقمتك، ومن جميع سخطك يا رب العالمين
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يبلغنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم