الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله خاتم الأنبياء وصفوة المرسلين؛ صلى الله عليه وعلى وصحبه الطيبين الطاهرين ثم أما بعد:
في حجرة عائشة رضي الله عنها، كانت حجرات أمهات المؤمنين تمثل محلا للنور في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكفي أن الله تبارك وتعالى قد قال: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا، وقال الله تبارك وتعالى مخاطبا صحب نبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ…. لمحبتهم له صلى الله عليه وسلم وأنسهم به، يجلسون يتحدثون وينعمون بمصاحبته ومجالسته ولا يملون من ذلك ولا يرغبون أن ينقلبوا الى بيوتهم حتى أنزل الله تبارك وتعالى كلماته. إنهم وإن كانوا على قانون المحبة إلا إنهم يثقلون عليه، فبيته هو محل راحته وهو لكريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم يستحي أن يقول لهم أنه يحتاج لتعبه وكده أن يرتاح قليلا، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآيات التي توجه هؤلاء المؤمنين، وقد سبق معنا قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً… لماذا؟، لأنهم كانوا حريصين أشد الحرص على القرب منه ومناجاته، فيأتيه الشخص يريد أن يناجيه، أي يجلس معه وحده في موضوع ما وربما يكون هناك فعلا موضوع ذو شأن يستدعي هذه المناجاة وربما لا، فأمر الله سبحانه وتعالى الصحابة أن يتصدقوا قبل أن يجالسوا النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما أنزل الله هذا الحكم أصبح أغلب الناس ليس لديهم موضوع حقيقية، فعندما كانت المناجاة بلا ثمن ومتاحة في أي وقت كان كل الناس يسغلون هذا ويثقلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن عندما أصبحت بثمن أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ...
في حجرة عائشة رضي الله عنها تجلس امرأة سوداء تحكي وتسامر عائشة رضي الله عنها. هذه المرأة كان لها حفش في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي حجرة صغيرة جدا تأوي إليها لأن ليس لها بيت أو منزل آخر تأوي إليه، فهي أتت مهاجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لها مكان تأوي إليه، فكانت تأوي الى هذا الحفش الصغير في المسجد، فكانت تأتي الى عائشة رضي الله عنها وتحادثها فإذا انتهت من حديثها وسمرها قالت جملة ترددها كلما انتهت قبل أن تغادرها ” ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا…ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني ” ، تقول هذه الكلمات وتغادر، ثم تأتي مرة أخرى وتتحدث وتحكي فتنهي حديثها أيضا بنفس الكلمات ” ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا…ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني ” ، فعندما تكرر هذا سألتها السيدة عائشة عن هذا، فحكت لها القصة والسبب.
قالت أنها كانت أمة عند ناس من العرب ثم أعتقوها فكانت معهم تخدمهم فذات يوم خرجت مع فتاة صغيرة من هؤلاء القوم وكانت هذه الفتاة تضع وشاحا من جلد أحمر مرصع ببعض الحلي على كتفها وهي عروس جديد وقد كانوا ذاهبين لتزيينها، فتركت الوشاح فأخذته حداية تظنه قطعة من اللحم بسبب لونه الأحمر، فعندما فقدوا الوشاح اتهموها بسرقته فجعلوا يفتشونها وهم مصرون أنها السارقة وهي تنكر هذا، فجعلوا يفتشونها حتى أنهم يفتشوا في كل مكان وهي في كرب شديد، تقول: ” فرفعت رأسي الى السماء وقلت يا رباه أغثني ” فلما قالت هذا عادت الحداية حتى حاذت برؤوسه أي كانت فوق رؤوسهم تماما وألقت اليهم الوشاح، فأدركوا أنهم ظلموها وأنها مسكينة وحاولوا الاعتذار اليها، ثم من الله سبحانه وتعالى عليها بالايمان وسمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم فهاجرت من مكانها الى المدينة وبقيت تأوي الى هذا الحفش الصغير وكلكا جلست مع عائشة رضي الله عنها تحكي ثم تقول في نهاية الحديث ” ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا…ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني ” .
منذ متى تعرف هذه المرأة هؤلاء الناس التي كانت تعيش معهم؟ من قديم فهي معهم منذ أن كانت أمة ثم أعتقوها، ولكن عندما فقدوا الوشاح ماذا فعلوا؟ اتهموها وهم مصرون على أنها السارقة. هل كان لها سابقة خيانة أو شك أو ريبة طوال هذه السنوات؟ لا، لكن في النهاية هي أصبحت محل التهمة. افترضنا أنها من سرقت، كيف سنتعامل معها؟ سنتعامل معها فجأة بمنتهى العنف والفظاظة والشدة، فجأة، تخيل أنك تعرف شخصاً منذ زمن ولم تجرب عليه خيانة قط، وفجأة وقع في نفسي أنه قد خانني فأدنته، وتعاملت معه بهذه الفظاظة والشدة، فهم أصروا أنها هي التي سرقت الوشاح ويجب أن تخرجه الآن، حسناً، في هذا الموقف ماذا تفعل؟ لمن تلجأ؟ فليس لها هنا أهل أو سند أو أشخاص يدافعون عنها ويحمونها، حسناً، هذه المرأة في هذا الوقت كانت على الإسلام أم في حكم الجاهلية؟ لم تكن قد أسلمت بعد، امرأة ليست على الإيمان في قوم ليسوا مؤمنين، حسناً، وحين تكون في وضع حرج ماذا تفعل؟ رفعت رأسها إلى السماء وقالت يا رباه أغثني.
فإذاً كل الناس ومنهم المشرك يوقنون أنه لا ملجأ إلا الله سبحانه وتعالى، ولذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى في سورة النمل وهو يكلم الكفار، ماذا يقول لهم؟ يقول أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ عن ماذا يحدثهم هنا؟ يحدثهم عن تاريخ بينهم وبين ربنا، وهم مشركين وليسوا مؤمنين، فطرة في الإنسان أنه على يقين أنه لا يكشف الضر إلا الله، يقول ربنا سبحانه وتعالى وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ أناس ستغرق بهم المركب، وهم خائفون من أن تغرق، فماذا يحدث؟ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فماذا يقول ربنا؟ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ ضل أي تاه، كل الأشياء التي علقنا قلبنا بها ذهبت، طارت، ولن يبقى غير ربنا، النبي صلى الله عليه وسلم سأل شخصاً يدعوه للإيمان قال: يا حصين كم تعبد؟ قال له: سبعة، كم تعبد من الآلهة؟ قال له: سبعة، ستة في الأرض – الأصنام – وواحد في السماء، حسناً، قال: من الذي تجعل لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: من الذي تجعل لرغبتك ورهبتك؟، حين يكون قلبك متعلق بشيء أو أنك قلق من شيء أو خائف منه إلى من تلجأ؟ لا يلجأ لمن في الأسفل وإنما يلجأ لمن في الأعلى، قال: من الذي تجعل لرغبتك ورهبتك؟، قال: الذي في السماء، فربنا سبحانه وتعالى يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم براً كان أو فاجراً، مؤمناً كان أو كافراً.
فهذه المرأة حين استجاب ربنا لها ونجاها لأنها كانت تعلم أنه ليس لها إلا ربنا، وربنا سبحانه وتعالى لا يرد أحد قلبه تعلق به أو أحد ليس له إلا ربنا سبحانه وتعالى يلجأ إليه، ثم من ربنا عليها بالإيمان فهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معها شيء من متاع الدنيا ولا أحد تنزل عليه، فهي تأوي إلى هذا الحفش في المسجد وتأتي إلى هذه البيوت التي تنير المدينة لكي تأنس بأمهات المؤمنين، هي ليس لها أحد هنا، ليس لها أقارب أو معارف أو أصدقاء أو عائلة، أين المكان الذي تأنس فيه؟ هذا المكان، ودائماً حينما تنتهي من حكايتها تلزم نفسها بتذكر نعمة ربنا عليها، قبل قيامها تلزم نفسها بتذكر نعمة ربنا عليها، يجب أن يكون الإنسان دائماً متذكراً لنعمة ربنا عليه، متذكراً للنعم التي قد غمره ربنا بها، ومازالت تتوالى، تذكر النعم مهم لكي يكون الإنسان دائماً متعلق قلبه بربنا سبحانه وتعالى، ” قال صلى الله عليه وسلم: سيد الاستغفار ” ، أعظم كلمات تستجلب بها نعمة ربنا، ” أن يقول العبد: اللهم أنت ربني لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي ” ، يعترف ويقر ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى معترفاً بفضله سبحانه وتعالى، ومعترفاً بتقصيره في حق الله، معترفاً بجحوده لنعم الله عليه، ” فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ” ، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، يجب أن يذكر الإنسان دائماً فضل ربنا عليه، حينما تجلس تقول دائماً: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني، إذا لم يكن لك إلا ربنا وتلجأ لربنا يجب أن يجيبك ربنا سبحانه وتعالى، فإذا أجابك لا تنس فضل ربنا عليك، وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، ثم ماتت المرأة، كانت امرأة تقم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تكنس الجامع وتنظفه، ثم افتقدها النبي صلى الله عليه وسلم، لا يراها، فسأل: أين فلانة؟ قالوا له: قد ماتت، قال: ألا أذنتموني؟ لِم لم تقولوا لي أنها ماتت؟ قالوا: لأنها قد ماتت بالليل وكنتَ نائماً ولم نرض أن نزعجك، وكأنهم صغروا شأنها، لا نوقظ النبي صلى الله عليه وسلم في الليل من أجل هذه، قد ماتت وسندفنها وانتهى الأمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دلوني على قبرها، فذهب معهم إلى المقابر، وأشاروا له على القبر، فوقف يصلي وبعدما صلى قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ أي شخص يتوفى من المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم يكون حريصاً أشد الحرص أن يصلي عليه الجنازة، فحين توفت المرأة في الليل تحرجوا أن يوقظوه ويروا أنهم سيثقلون عليه، وفي نفس الوقت ليس لها شأن ولا مكان ولا قيمة كبيرة في المجتمع تستدعي أن نوقظه، ولكن كيف عرف أنها غير موجودة؟ هو لا يفوته أحد، أياً كان وضعه، أياً كان مستواه، أياً كانت قيمته في المجتمع، لا يفوته أحد،، أين فلانة؟ أنا لا أراها، أين هي؟ ماتت،، عادي أنها ماتت، فلماذا لم يقل لي أحد؟ فقالوا له: إنها كانت ليلة ظلماء، ولم نكن نستطيع المشي، ولا نرى شيئاً فلم يكن ليصلح، فكل أحد، كل أحد مؤمن له عند ربنا سبحانه وتعالى قيمة كبيرة بإيمانه، فالناس تتفاضل عند ربنا سبحانه وتعالى بمقدار التقوى، يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ درس عظيم تكلمنا عليه قبل ذلك، عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا فهذا الدرس هو يعرفه جيدًا، هذا الدرس يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم جيداً.
النقطة الأخيرة: هو مهتم جداً بالصلاة، لماذا؟ لأن إدراكه لهذه الحياة أكثر من أي شخص آخر، لماذا هو حريص أن يصلي على أي أحد؟ لأنه يعرف إلى ماذا ستقبل عليه الناس من الكرب، ” إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم ” هو يرى الحياة الأخرى، فمدرك إلى أي مدى أهمية هذه الصلاة، مدرك إلى أي مدى قيمة هذه الشفاعة، هذا شخص أنهى تاريخه الطويل في الحياة والآن هو سيعرض بأعماله على ربنا سبحانه وتعالى، فإلى أين سيذهب؟ فأعماله هذه إلى أين ستوصله؟ فهو أحوج ما يكون أن يشفع له أحد.
صلاة الجنازة هذه عبارة عن ماذا؟ عبارة عن امتداد لصلة الإيمان، يوجد أناس ربنا سبحانه وتعالى ربط بينهم بعقد للمحبة في الله، واجتماع على طاعة الله، هذا الحب لا ينفصم، أي علاقة دنيوية تنتهي بمغادرة الحياة، أما العلاقة المرتبطة بالإيمان، المرتبطة بالله لا تنتهي نهائياً، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل من حق المسلم على المسلم أنه يشهد هذه الجنازة.
نحن للأسف نشهد الجنازة لأجل الحي وليس لأجل الميت، أناس تجامل أناس… لا، لا، أنت تذهب إلى الجنازة لأن المتوفى المسلم ربنا أوجب حقه عليّ، الميت وليس الحي، الصلاة وليس العزاء، زمان حينما كنت تذهب للجنازة كان يوجد أناس كثيرة، أما الآن فلا، الناس كلها مشغولة، وأنا سأذهب إلى القائد ليلاً أو المنارة، لا
أنا لابد أن أشهد الجنازة لأن هذا حق للمسلم على المسلم، وأنا منتظر أن ربنا سبحانه وتعالى سيكافئني بالمثل وسيأتي من يصلي عليّ.
الذي يصلي هذا واقف يسأل ربنا سبحانه وتعالى أن يعفو لهذا الشخص عما سلف وأن ربنا سبحانه وتعالى يمنّ عليه بالمغفرة والرحمة، هو أحوج ما يكون لهذا الآن، فنحن نتحرك ونعفّر أقدامنا لأن هناك حق لهذا الإنسان لأننا مدركين، نحن مدركين علام يُقدم هذا الشخص.
فلو كنا غير مدركين؟ فسيكون الأمر غير مهم،، لو كان الأمر مجاملات دنيوية، ونحن غير مدركين ما معنى الحياة الآخرة، ما معنى أن الإنسان مقبل على الله، ما الذي سيلاقيه الإنسان من حين ما يخرج من هذه الحياة إلى أن يقف بين يدي الله، إن كنا غير مدركين لهذا الكلام فسيكون الموضوع ليس له قيمة.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان مدرك يقيناً ما هذا،، هذا المتوفى إلى أين يذهب،، ” أيقظوني ” لا تقل لي كنت نائماً، حقهم عليّ أن أستيقظ لهم، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ لدرجة أن عبد الله بن أُبيّ بن سلول، هذه الصلاة لدرجة… ليست المرأة التي تقم المسجد فقط،،، لدرجة عبد الله بن أُبيّ بن سلول، النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصلي عليه، حتى هذا يريد أن يصلي عليه،، كم مدى هذه الرحمة،،، وسيدنا عمر يمسكه… على من ستصلي؟ على من ستصلي؟ على من انخزل في أحد وأخذ ثلث الجيش، وفتّ في عضد المؤمنين، الذي في بني قينقاع؛ عندما كشفت عورة المرأة وقُتل الرجل المؤمن وقف يمسك النبي من ملابسه ويقول له اترك هؤلاء الناس، اترك هؤلاء اليهود الذين ارتكبوا هذه الجرائم لأنهم أصدقائي،، حينما أراد بنو النضير أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم اثبتوا على ما أنتم عليه وأنا سأحضر جيش وأحارب معكم، الذي تكلم في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم واتهم زوجته بالزنا، الذي قال عندما نرجع المدينة سيخرج الأعز منها الأذل،، هو العزيز ورسول الله الذليل زعم، وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بعد هذا التاريخ الطويل هو يريد أن يصلي عليه لأنه مدرك إلى أين هذا يذهب، وعلام يُقدم، فوقف على القبر لكي يصلي على هذه المرأة التي – بمعاييرنا – لا وزن لها ولا قدر ولا قيمة، لأنه مدرك قيمة الإيمان وقيمة الهجرة وحقيقة ما سيقدم عليه الإنسان بعد الموت.
إذاً خلاصة ما قلناه اليوم أمران: الأمر الأول: ” ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ” ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يكشف كل كربة، هو الذي يدفع كل بلية، ولا يوجد من يلجأ لله ويضيعه الله،، حتى لو كان كافر، فما بالك بالمؤمن، حتى لو كان كافر، فما بالك بالمؤمن.
الأمر الثاني: نحن لابد دائماً أن نكون متذكرين أو نحاول أن نتذكر؛ أن هذه الحياة ما غايتها؟ وإلى أين مآلها؟ ونحن سنقف أمام ربنا سبحانه وتعالى بماذا؟ ما الذي أعدّه الإنسان للقاء الله، لأن هذا هو الأمر الوحيد الذي لا يمكن استدراكه، أي أمر في الدنيا فاتت الإنسان يمكن أن يعوضها، وإن لم يعوضها فهي غير ضرورية جداً وليست خطيرة جداً، لكن الشيء الوحيد الذي لن يستدرك أن الإنسان يرجع إلى الدنيا مرة أخرى لكي يصلح ما عمله، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
اللهم استر عوراتنا، اللهم آمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه وسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.