إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد ،،،
نبأنا بتأويله إنا نراك من المحسنين.
نعيش برهة من الوقت فى ظل أروقة القصور الملكية فى مصر، ودخل معه السجن فتيان، قال أحدهما أنى أرانى أعصر خمراً وقال الأخر أنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزاً تأكل الطير منه نبأنا بتأويله إنا نراك من المحسنين.
يذكر ربُنا تبارك وتعالى عن يوسف علية السلام أنه قد أستقر مقامة فى هذة الديار المصرية قد أستقر به فى السجن وخلفية ورده فى هذا المحل أنه صلى الله علية وسلم لما خيرا بين النعيم والمتاع فى ظل قصر العزيز مع معصية الله عز وجل مخالفة أمره وبين الأعتصام بأمر الله تبارك وتعالى وأن يترتب عليه دخول السجن والبلاء قال صلى اله عليه وسلم مخاطباً ربه تبارك وتعالى معرضاً عن هؤلاء النسوه وما يذكرن وما يراودن وكأنه لا يلتفت ‘ليهن ولا يراهن وتوجة بخطابة لربه تبارك وتعالى فقال السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصبوا إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن أنه هو السميع العليم.
توجة إلي ربه تبارك وتعالى مخاطباً ربه أنه يؤثر مرضات الله تبارك وتعالى،إن ترتب علي ذلك ما ترتب من مظاهر الحياة الدنيا ثم يسأل ربه تبارك وتعالي أن التثبيت والثبات وإن لم يأيده يتثبيته ويرحمه فيعصمة فمن الممكن أن يذل ويخطئ كما يذل ويخطئ أحد من البشروإلا تصرف عني كيدهن أصبوا إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن أنه هو السميع العليم ثم بدى له من بعد ما رأوا الأيات ليسجننه حتى حين السجن جزءاً من البنيه الأساسيه من هذا المجتمع إذا تصفحنا كتاب ألله وجدناه مراراً مقترناً بهذا البلد قال لإن أتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين قال أولو جاءتك بشئ مبين.
ولكن فرق ما بين سجن يوسف عليه السلام فرق ما بين سجنن إثاراً لمرضات الله عزوجل على شهوات الدنيا وما بين سجن لإثار الدنيا وشهواتها على رضوان الله تبارك وتعالى، ودخل معه السجن فتياً سيأتينا فى الأيات خبر الفتيان وإن كأنهما سجنا لأن أحدهما حاول وضع السم للملك لأنهم ساقي للشراب وخبازاً للطعام قال أحدهما أنى أرانى أعصر خمراً وقال الأخر أنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزاً تأكل الطير منه نبأنا بتأويلة إنا نراك من المحسنين هذة الجملة هي مرادناً ومقصدنا إنا نراك من المحسنين هم لم يسألوا هذا السؤال ولم يتحدثوا بهذة الكلمات عقيب دخولهم السجن ولكن بعد مضي وقت طويل تأملوا فية حال هذا العبد وتفحصوا مسلكه وافعاله واقواله فرأوه من أهل الأحسان فطمأنت قلوبهم إليه فأفصحوا له عما رأوه طالبين منه أن يَعبر أو يٍعبر لهم هذة الرئيه إذاً كانت صفت يوسف علية السلام هى الأحسان وكان الذى جعل قلوب هذان الرجلين تميل إليه علية السلام هى صفت الأحسان فالناس يتأثرون بالمرء بفعله لا بأقواله هو يراقبون فعال المرء وينظرون فى سلوكة وأحواله فإذا رأوه من صفاته الأحسان والبر والخلق الحسن مالت قلوبهم إليه وأطمئنت قلوبهم إليه وجعلوه فى مكانتاً ومحل ودرجة عظيمة فى نفوسهم وقلوبهم.
ولذلك كان فى كلام أهل العلم قولهم: فعل رجل فى ألف رجل خير من قول ألف رجل فى رجل، يعنى سلوك شخص واحد يؤثر فى ألف من الناس أفضل من اقوال ألف شخص تؤثر فى شخص واحد فالفعال والسلوك والأخلاق هى التي تفعل فعلها وهى التي تؤتى أكلها وهى التي تؤثر حقاً فى العباد وهم رأوا أيضاً ما يدل على علمه وفهمه وحكمته لأنهم يريدون أن يعبر لهم عن رؤيه لا أن يصنع لهم طعاماً نبأنا بتأويله أن نراك من المحسنين وهذة الرؤى أمر أعتاده أو يعتاده أهل السجن لأنهم يترقبون دائما الاحداث وينتظرون دائما أن يجد جديد فى أحوالهم ولذلك تكثر الؤاه عند أصحاب هذا الأبتلاء ولذلك كان عبدالله أبن معاويه أبن جعفر وهو فى السجن يقول: خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الاموات فيها ولا نحياة إذا دخل السجان يوماً لحالة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا ثم يقول ونفرح بالرؤية فكل حديثنا إذا نحن أصبحنا حديثنا عن الرؤيه فإذا حسنت كانت بطيئا مجيئها وإن ليست خيرأ أتت سعياً ولم تنتظر.
الشاهد انه يقول أن هذا حال أهل السجن كثرة الرؤية وكثرة تعلق القلوب بهذة الرؤية، يوسف علية السلام حينما جاءته هذة الفرصة لم يتأخر وأثتثمر هذة الفرصة فى تذكير الناس وتعريفهم بالله تبارك وتعالى فهم فى محلة يسودها الكفر والأشراك فلما سأله هذان الرجلان عن الرؤية قال لا يأتيكم طعاماً ترزقانه إلا نبأتكم بتأويله قبل أن يأتيكما ذلك مما علمني ربي فحديث هذان الرجلان منصب كله حول تعبير هذة الروأه لأنهم يحسون أنها سوف تعبر عن مستقبل كل منهم
فيوسف عليه السلام علم أنهما مشغولان تمام الانشغال بهذه الرؤيا فطمأنهما أولاً بأنه سوف يجيبوهما سريعاً عن تأويل هذه الرؤيا لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا قبل ما ييجي التعيين هكون جوبت على السؤال، قبل ما ييجي ميعاد الأكل ويوصل التعيين هكون جوبت على السؤال.
فحينئذٍ اطمأنوا أنه سوف يجيب على السؤال فلما طمأنهما قال: ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي هذا الذي سوف أخبركم عنه لم يأتي من عند نفسي وإنما كان هذا من توفيق ومن فضل ومن كرم الله عز وجل عليّ فأول ما أخبروهم أو خاطبهم به حين أراد أن يربط قلوبهم بالله تبارك وتعالى أن مصدر النعمة ومصدر الخير هو الله تبارك وتعالى وحده وأنه ما بكم من نعمة فمن الله ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي.
ثم ذكر لهم أنه من الموحدين الذين يعبدون الله تبارك وتعالى والذين نابذوا هذا المجتمع الذي يعيشون فيه نبذوا معتقده ودينه وأقبلوا على الله تبارك وتعالى وعلى عبادته وحده لا شريك له، إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ.
فإذاً يوسف عليه السلام حتى في سجنه وفي ضيقه وفي محنته لا ينسى غاية وجوده وعلة منة الله عز وجل عليه بهذه الحياة أن يعبد الله تبارك وتعالى وأن يرشد الناس إلى طريق خيرهم وسعادتهم إلى رضوان الله تبارك وتعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ يذكر بنعم الله تبارك وتعالى وبفضل الله عز وجل عليه وعلى آبائه من أنبياء الله تبارك وتعالى فيوسف عليه السلام أكرم الناس كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سئل قيل يا رسول الله: من أكرم الناس قال: ” أتقاهم ” قالوا لسنا عن هذا نسألك، قال: ” فيوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي بن خليل الله ” مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ هذه من أعظم نعم الله أن هدى الناس إلى ربهم إلى طريق الله تبارك وتعالى إلى صراط الله المستقيم الذي فيه الخير وفيه السعادة في الأولى وفي الآخرة ولكن أكثر الناس غافلين عن هذه المنة عن هذه النعمة العظيمة عن هذه الهداية الجليلة ولذلك فهم لا يشكرون، ثم قال: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ كما قال الله تبارك وتعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
فالله سبحانه وتعالى مثل هنا وذكر العبد الموحد لله تبارك وتعالى الذي يتوجه دائماً إلى الوجهة الواحدة ويتعلم من الله وحده تبارك وتعالى يتلقى هدايته من الله يسترشد من الله تبارك وتعالى يتوجه بعبادته إلى الله بطلبه إلى الله برجاءه إلى الله بخوفه وفزعه يستغيث بالله تبارك وتعالى لا بغيره فهذا مستقِر القلب مجتمع النفس، وفي مقابله رجل يتوجه وجهات عديدة ويتفرق قلبه ويتوزع بين جهات متصارعة متعادية ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ أي أنه عبد لمجموعة من السادة، كل منهم يطلب مطلباً يخالف مطلب الآخر، فهو لا يدري أيرضي هذا أم يرضي هذا يتعجل أمر هذا أم يتعجل أمر هذا فجميعهم يسخط عليه طيلة الوقت لأنه لا يستطيع أن يلبي طلبات ورغائب كل السادة في ذات اللحظة وفي ذات الوقت وَرَجُلًا سَلَمًا سليماً مجتمع القلب وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
ثم عبر لهم الرؤيا يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا يكون مآل هذه التحقيقات أن الساقي مبرأ فيعود إلى عمله وأما الخباز فهو متهم فحينئذ يقتل ويصلب فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ، وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ اذكر له حالي وشأني وأنني قد أتيت إلى هذا المكان ظلماً وعدواناً، هو لا يطلب إلا شيئاً واحداً أن يفتح ملف التحقيق في هذه القضية التي اتهم فيها زوراً وعدواناً، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ فهاهنا يوسف عليه السلام كان أول أمره وحاله أنه آثر هذا البلاء وهذه المحنة الدنيوية على أن يفعل فعلاً يسخط ربه تبارك وتعالى وكان هذا بظاهر الحال مقتاً وسخطاً لأنه قد ترتب على طاعته لله ترتب على إصراره على ألا يعصي الله تبارك وتعالى بلاء واختبار وامتحان، هو بنظر كثير من الناس أنه ضعيف العقل وانه قد استجلب على نفسه الشر والبلاء والفتنة وكان في غنى عن ذلك بأن يطيع أمر هؤلاء النسوة وهو لا يحملونه على أمر عظيم، هذا هو نظر كثير من الناس الذين يقل عقلهم ووعيهم وفهمهم أما الذين مَنَّ الله عليهم بمنته يعلمون أن الخير كل الخير في طاعة الله تبارك وتعالى وأن هذا الابتلاء لابد وأن يعقب لصاحبه المؤمن الخير في الدنيا ثم الخير والجزاء العظيم والثواب الجزيل في الآخرة، وهذا مصداق ما حدث تماماً ليوسف عليه السلام، هذا هو أول أمر أنه دخل هذا المكان وابتلي هذا الابتلاء لأنه أصر على ألا يسخط ربه تبارك وتعالى ثم كان حاله ووصفه في هذا المحل كما هو حاله ووصفه في كل مكان وفي كل محلة يحل فيها هو البر والإحسان إلى عباد الله عز وجل أبراراً كانوا أو فجاراً مؤمنين كانوا أو كفاراً، هؤلاء جميعاً كانوا قوماً كافرين، وأن الناس كما قلنا إنما يرصدون فعال المرء وأحواله فإذا رأوه محسناً صالحاً مالت قلوبهم إليه وحينئذ يصغون إليه ويستمعون إلى كلماته، هو لو كان خاطبهم بهذا الخطاب أولاً ما كانوا يلتفتون إلى كلامه، لكنهم لما رأوا إحسانه أصغوا إليه فحينئذ حدثهم عن الله وعن عظمة الله تبارك وتعالى ودعاهم إلى عبادة الله تبارك وتعالى وحده ولا يضيره استجابوا أم لم يستجيبوا، فإنه لم يثبت معنا في هذه الآيات أنه قد حدث أي تحول أو أنهم قد وقعت منهم استجابة أو إيمان بما أخبرهم به بل بقوا على حالهم لكنه قد أدى ما أمره الله تبارك وتعالى به، فمهمة الرسول البلاغ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ.
ثم لبث يوسف عليه السلام في السجن زماناً طويلاً سماه الله عز وجل ” أُمَّةٍ ” ليدل على طول مكثه في السجن بعد أن خرج هذا الساقي منه، فذكر سبحانه وتعالى أن الملك قد رأى رؤيا وأنه طلب من حاشيته ومن رجال وحكماء قصره أن يعبروها ويفسروها له وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ أي يعبرون من هذه الرموز إلى تفسير حقيقة الأحداث التي سوف تحدث وتجري، فماذا قالوا، قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ هم جمعوا سوءة على سوءة أما الأولى فإنهم قالوا أن هذه ليست رؤيا وإنما هذه أضغاث أحلام والضغث هو الحزمة من الحشيش أو من الأشياء التي لا قيمة لها تجمع هكذا، أي أن هذه هواجس ووساوس وهلاوس انتابتك ليست هذه رؤيا من الرؤى التي يعبرها أهل العلم ” اشرب كوبية لبن غطي رجليك كويس مش هاتلاقي الحاجات اللي بتحصلك دي ” .
ثم قالوا وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ لا إحنا مش فيقلنلك ومش فيقيين للحواديت بتعتك دي، يبقى أول حاجة إنهم عبروا ده تعبير خاطئ أن ده أصلاً مش رؤيا ولا حاجة والحاجة التانية لا انت ماتصدعناش احنا ناس بتوع علم، رؤيا نعبرها، لكن الأحلام دي إحنا هانعملك إيه؟! وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ، وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ والأمة كما قلنا هي الزمان الطويل الذي تفنى فيه أمة وتأتي فيه أمة يذهب فيه جيل ويأتي فيه جيل ” أول ما خرج من باب السجن نسي كل حاجة كل اللي وراه ده نسيه ” ، فتذكر لما جاء أمر الرؤيا أن هناك رجلاً محسناً صالحاً قد خلفه وراءه لسنوات في هذا الجب لا يدرى عنه أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا قال حينذلك جازماً قاطعاً ثقة منه بيوسف عليه السلام أنه قطعاً سوف يعبر للملك هذه الرؤيا لأنه قد جربه قبل ذلك وقد صدقه فيما أخبره تماماً لم يخالف في شيء منه، أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ هيرسلوه فين؟ يعني سبوني أخش السجن أسأله، طب هو عرف منين إن هو لسه في السجن؟ إن الأوضاع كلها مستقرة، هو هيروح فين؟ هو قاعد في السجن هو بعد السنين دي كلها متأكد هيلاقيه قاعد في مكانه قاعد جنب نفس الحيطة ولذلك راح فعلاً لقاه في نفس المكان يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فإنه وصفه في الأول بالإحسان، ووصفه بعد ما خبره وجربه أكثر بأنه صديق، وهذه المنزلة هي أعظم منزلة يوصف بها عبد بعد منزلة النبوة، الذي يحقق الكمال في الصدق في أقواله وأفعاله وأحواله، يطابق سره علانيته لا يخبر بخبر إلا جاء مطابقاً لواقعه تماماً فهو قد أدرك من خلال هذا أن يوسف عليه السلام يستحق هذا الوصف العظيم أنه صديق يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ.
لم يقل إلى الملك لأن هذا أمر يهم جميع الناس لأنه مرتبط بالملك والحكم والسلطان لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ والعجب كل العجب من يوسف عليه السلام أنه لم يوبخ ولا يأنب ولم يعنف ولم يلتفت إلى هذا الإعراض تماماً، هو لم يقل له أتذكرتني الآن بعد كل هذه السنين الطويلة، ألم أوصيك قبل أن تخرج من هذا المكان أن تذكر حاجتي وقضيتي عند هذا الرجل، هو لم يلتفت إلى هذا تماماً ولم يأنبه ولو بكلمة، بل بدأ مباشرة في تعبير هذه الرؤيا ولم يعبر فقط، بل بين لهم بعد التفسير كيف يعالجون هذا الحدث قال: قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فهذا مرتبط بالتعبير لأن أول سبع سنين البقرات السمان دول البقرة تستخدم في الحرث فالبقرات السمان أن هذه السنين السبع يكون فيها زراعة وحرث كثير ثم السنين التي بعدها السبع العجاف أنه سيكون هناك قحط وهناك جدب وليس هناك مطر فليس هناك زراعة وليس هناك نتاج لهذه الأرض فقال: قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ثم لم يكتفِ فقط بأنه يخبره ما الذي يحدث ولكن هيعملوا أيه؟ ويتعملوا ازاي مع هذا الحديث ومع هذه الملمة التي تأتي، فإذاً الشخص المفتي الذي يسأل ويستفتى لا يكتفي فقط بأنه يقول الحكم أو بيبن للشخص ايه الصح بل لابد أن يبين له ما الذي يعينه على التزام الصح ما الذي يبعده عن الخطأ وعن الخطل وعن الباطل، ولذلك الرجل الذي قتل مائة نفس لما سأل العالم هل له من توبة؟ قال: من يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا لم يقل له فقط أن التوبة بابها مفتوح وأن الله سبحانه وتعالى سوف يتوب على كل من أخلص وتاب إليه بل بين له كيف يحقق التوبة، أنه لن تكتمل له توبة إلا إذا غادر محلة السوء وانتقل إلى أرض طيبة صالحة فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ لم يقل لهم حتى يجمعوه ويطحنوه لا لا هيسبوه في السنبل لأن ده هيمنع عنه الآفات والسوس اللي ممكن يعتريه لو خزنوه تخزين تاني مش بس هيعملوه أيه، هيخزنوه ازاي بالظبط ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثم ذكر أمراً غير موجوداً في الرؤيا ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ أنه أدرك بعقله وفطنته، أنه إذا انتهت السبع العجاف لابد أن يعقبها عام خير، سوف ينتهي هذا فيعود هذا إلى ما كان عليه أول الأمر، فبشرهم أن الله تبارك وتعالى سوف يمن عليهم بعد ذلك بعام فيه غيث ومطر كثير فيغاث الناس ويعودون إلى ما كانوا عليه من الخير، بل يزيد الخير حتى إنهم يأخذون الفائض من هذه البذور فيعصرونها زيتاً ويعصرونها خمراً وهذا يدل على أن الآتي سوف يكون أكثر بكثير من حاجات الناس، فيوسف عليه السلام هنا كما قلنا لم يأنب ولم يثرب وبين لهم المخرج من أزمتهم وكيف يديرون ماسوف يصيبهم وما سوف يعرض لهم، حينئذ لما سمع الملك هذه الكلمات رأى هذا حصيفاً عالماً حكيماً يستحق أن يلاقيه وأن يجالسه وأن يناقشه إذا رآه صالحاً ضمه إلى حاشيته وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ثم يأتي ما هو أعجب وأعجب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي ” يعني لو جاءه الداعي وقال أجب الملك يقول أنا شخصياً لو كنت في محل يوسف عليه السلام لكنت أسرعت إلى الملك وشافهته أنا هاقوله قضيتي بالظبط. أما يوسف عليه السلام فقد أبى أن يخرج من السجن وعليه شبهة أو مظنة سوء فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ، قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهذا يوسف عليه السلام أبى أن ينهي محنته أو يكشف كربته قبل أن تظهر طهارته وقبل أن تظهر براءته وأنه إنما وضع في المكان ظلماً وعدواناً، وفتح الملك ملف التحقيق في هذه القضية الذي لم يفتح من قبل، هم زجوه في السجن بسلطانهم وبسلطان العزيز، ففتح الملك ملف القضية بعد هذه السنين المتطاولة، فالحق لابد أن يظهره الله عز وجل يوم من الدهر طال الزمان أو قصر، شهد المحق ظهور براءته أو كان قد ولى ومات قبل أن تظهر هذه البراءة لكن لابد لعدل الله عز وجل وحكمته أن يظهر براءة البرئ يوماً من الدهر ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ يذكر دائماً يلهج لسانه دائماً بذكر الله وعظمة الله تبارك وتعالى إن ربك يجهل ما يجري في ممكلته ويظلم الناس في مملكته وهو لا يشعر أما رب العالمين تبارك وتعالى فــ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ لم تملك النسوة إلا أن يفصحن بطهارة يوسف عليه السلام وأنه لا يعلم عليه سوء قل أو كثر، وحينئذٍ تكلمت امرأة العزيز فذكرت طهارة يوسف عليه السلام وبراءته، ولنا هنا وقفة، من كلام هذه المرأة الذي سمعناه يظهر كيف أنها تأثرت بيوسف عليه السلام وبإيمانه وكيف كان هذا النموذج الذي قدمه وهذا الصبر الذي صبره وهذا الالتزام بأمر الله الذي التزمه كيف كان مؤثراً ومحولاً لتفكيرها حتى أثر في كلماتها قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقّ ” ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ
كل هذه الكلمات التي وقعت واستقرت في قلب هذه المرأة التي كان من وصفها ومن حالها ما ذكر الله عز وجل في وصف حالها وحال زوجها وحال قصرها الذي هو بعيد كل البعد عن الله وعن معرفة الله وعن طاعة الله عز وجل وعن معرفة الحق وعن معرفة الكيد وعن معرفة أمر النفس لصاحبها بالسوء إنما اكتسبت هذه الكلمات وتعلمت هذا من يوسف عليه السلام، فلم تكن هذه المحنة ولم تكن هذه السنوات لتضيع سدىً بغير أثر وبغير ثمرة وإن لم ترى أنت هذه الثمرة، يوسف عليه السلام كان في سجنه لم يسمع هذه الكلمات ولم يدرِ بعدما مضى عليه هذه السنوات كيف كانت هذه التحولات في قلب هذه المرأة تأثيراً بهذا الفعل ولهذا المسلك ولهذا الصدق ولهذا الإخلاص الذي اتسم به يوسف عليه السلام فوقْعُ هذه الأخلاق ووقع هذا الالتزام لابد أن يقع موقعه في قلوب الناس رأى الإنسان ذلك أو لم يره وحينما رأى الملك ذلك قال: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي في أول مرة قال فقط ائْتُونِي بِهِ هو الآن علم من هذه الرؤيا ومن هذا التعبير ومن هذا التفسير ومن هذا العلم ومن هذا المخرج الاقتصادي الذي طرحه يوسف عليه السلام أنه ذو علم وذو خبرة وذو فهم وذو ذكاء ولكن بقيت هالة سوداء ما الذي وضع هذا الرجل بهذه الصفة في السجن بقيت نقطة محل الريبة فأبى يوسف عليه السلام أن يخرج حتى يزيل هذه الريبة، يقيناً منه أن الله تبارك وتعالى سوف يظهر برائته وطهارته حينئذٍ قال الملك لم يقل ائْتُونِي بِهِ بل قال: أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي هو هنا قد جمع بين الأمانة بين الصدق بين التقوى وبين العلم وبين الحكمة وبين الخبرة هذا هو الحقيق أن يكون قريباً من هذا البلاط هذا هو الحقيق أن توكل إليه أمور الناس فلما كلمه ازداد عنده مكانة ومنزلة فقال: إِنَّكَ الْيَوْمَ بعدما لاقيتك وكلمتك إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ذو مكانة وأنت مؤتمن لدينا، ذو مكانة ومنزلة للعلم والحكمة والخبرة وذو أمانة لأنك قد أثبت بتاريخك هذا بأنك ذو أمانة عظيمة لأنك تحفظ الغيب الذي تتقي به ربك تبارك وتعالى حتى في غيبة الناس وحتي حين يجتمع الناس على دعوتك إلى التخلي عن أمر الله تبارك وتعالى وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ مَكِينٌ أَمِينٌ قال قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ حينما جعل له هذه المكانة والمنزلة اغتنمها يوسف عليه السلام لأن يقوم بنفسه بتطبيق هذه الخطة الاقتصادية التي سبق أن نصح وأن أوصى بها فهو الأقدر على تنفيذ هذا، ربما كان تصور صحيح أو عندك رؤية لكن ربما توكل أنت هذه الرؤية لمن لا يستطيع أن يطبقها أو ينفذها أو يقيمهاحق الإقامة، فأراد يوسف عليه السلام أن يتولى بنفسه هذا الأمر ليكون هذا سبباً في إخراج هذه الأمة ومن حولها من أهل الديار المحيطة بها من هذه الضائقة ومن هذه المحنة، وهم كما ذكرنا قبل كانوا على حالهم قوماً كافرين، يوسف عليه السلام أراد أن يخرج هؤلاء من هذه المحنة ومن هذه الكربة التي سوف ترد عليهم، وبالمناسبة هذه المجاعات لها في مصر تاريخ طويل حتى أنه قد صنف فيها مصنفات، من ذلك تاريخ المجاعات في مصر للمقدسي، كل فترة تأتي مجاعة على هذه الصفة وتقترن غالباً بكثرة المخالفات وفساد يعتري الأنظمة ويعتري الناس فهيأ الله لهؤلاء القوم رحمة بهم على كفرهم يوسف عليه السلام لكي يكون سبب لإخراجهم من هذه المحنة ومن هذه الضائقة وليس إخراجهم فقط، بل إخراج أبيه وإخوته وقومه في أرض فلسطين من هذه المحنة ومن هذه الكربة وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ لو كان يوسف عند أبيه أماناً مطمئناً لم يصبه ما أصابه من كيد إخوته ثم من كيد امرأة العزيز ما كان ليخرج من السجن في هذه اللحظات لكي يدفع عن الناس ولكي يكشف عن الناس هذا البلاء الذي سوف يحيق بهم إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ كلمة عَلَى هذه تدل على الفوقية والاستعلاء يعني هو يسيطر على هذا المكان يديره بما يترآى له، له سلطان لكي يطبق ما يريد، ربما كان الإنسان له إرادة خير، ربما كان عنده أفكار في تطبيق أشياء صالحة، لكنه لو لم يكن متمكناً لم تكن هذه العلوية موجودة فهو لا يستطيع أن يبرم أمراً أو أن يجلب خيراً، ربما عصام شرف عنده شئ من الخير لكنه ليس عنده هذه العلوية، فهو لا يستطيع ولا غيره أن يفعل شيئاً طالما بقي الأمر على هذه الصورة عَلَى هو متمكن من هذا الأمر مَكِينٌ أَمِينٌ لابد أن يكون مكين أي متمكن من العلم ومتمكن من المنصب يمضي فيه ما يراه صالحاً صواباً وأن يكون هو نفسه أميناً مأتماً إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ.
خلاصة ما نريد أن نقول، أن هذا وصف للإنسان الصالح الذي يبدو إحسانه على قسمات وجهه وعلى سلوكه وعلى أفعاله إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ هذا الإنسان الصالح يحسن إلى الناس لا يريد منهم جزاءاً ولا شكوراً هو يفعل هذا ابتغاء مرضات الله تبارك وتعالى وفقط، كان الناس مستحقين لهذا أو غير مستحقين مؤمنين كانوا أو كفاراً، أبراراً كانوا أو فجاراً، ثم يستثمر كل فرصة تتاح له لكي يربط الناس بالله يرد الناس إلى الله يذكر الناس بعظمة الله تبارك وتعالى ثم هو بعد ذلك إذا لم يقابل الناس إحسانه بإحسان إذا نسيه هذا الساقي ولم يرد جميله بجميل فإنه لا ينكر عليه ولا يأنبه ولا يلتفت إلى هذا بل هو مستمر في بره وإحسانه وحيره الذي يقدمه إلى الناس دائماً وهو أحرص ما يكون على سمعته وعلى نقاء ذيله وعلى طهارة سيرته وسريرته وألا يوسم بأي وسم من أوسام الشر والسوء ثم هو يستثمر كل فرصة لكي يعين الناس على أمرهم لكي يخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الضائقة إلى السعة ومن الشدائد إلى الحبور والسرور، هذا الوصف في هذه الآيات هو وصف العبد الصالح، الذي ينبغي أن يتخلق به كل إنسان والذي ينبغي علينا أن نعده في حسابنا وفي تفكيرنا، إذا أردنا نحن حقاً أن نغير أحوالنا، هذا الملك كان على وصفه وكان على شركه مريداً للخير للناس، ولذلك اصطفى في بطانته يوسف عليه والسلام، ولما رآه صالحاً مصلحاً جعله متمكناً متنفذاً لأنه يريد فعلاً أن يصلح أحوال الناس يريد فعلاً أن يخرج الناس من هذه الضائقة التي سوف يقعون فيها، ربما يكون بعد سبع سنين يكون هذا الملك مات، هو مابيفكرش في النهاردة بس هو بيفكر في أمر الناس كمان سبع سنين قدام.
يعني يوسف عليه السلام سوف يبدأ من الآن الإعداد لخطة لكشف كربة بعد سبع سنين، هي كربة مش دلوقتي هو لو مبتداش دلوقتي خلال السبع سنين دول فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ بعد سبع سنين مش هيحصل حاجة وحينئذِ يندم الناس حيث لا ينفع الندم ميقدروش يستدركوا اللي فاتهم خلاص، هذا هو محل الإصلاح، في لحظات السعة يمكن الإنسان للحظات الشدة، هذا حتى في علاقة الإنسان بالله، النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة ” قدم شيئاً ليوم الكربة والشدة حتى يذكرك الله عز وجل فهذا الملك كان مريداً للإصلاح كان مريداً لفعل الخير للناس وهذا ما ينبغي أن يكون عليه كل ملك وحاكم، هذا ليس بدعاً من الأحوال لكن هذا هو الأمر الطبيعي الذي من المفترض أن تكون عليه الأمور فلما كان كذلك ولى هذا الأمر لمن يستحق، فكان هذا المستحق حقيقاً بفضل الله عز وجل وكرمه أن يخرج الناس من هذه الضوائق وهذه الشدائد إلى السعة والنعمة والرحمة ..
اللهم هيء لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيء لنا من أمرنا رشداً
اللهم ولي علينا خيارنا ولا تولي علينا شراراً
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه. اللهم هيء لنا من أمرنا رشداً
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا
اللهم فقهنا في ديننا، اللهم فقهنا في ديننا
اللهم فقهنا في كتاب ربنا، اللهم فقهنا في كتاب ربنا
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.