الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
ثم أما بعد،
لازلنا في حديث الإيمان، نتحدث عن حقيقة الإيمان، وكان ثم حديث عن الإيمان بأنبياء الله ورسله، كيف هو وكيف يكون، تحدثنا عن الإيمان بداوود عليه السلام، كيف يؤمن العبد المسلم بداوود النبي، كيف يؤمن بالنبي، وتحدثنا عن أول مشهد تراءى لنا فيه داوود عليه السلام، مشهد من أعماق تاريخية سحيقة لا اطلاع لأحد عليها، قال الله تبارك وتعالى عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ما كان لنا لندرك هذه الحقائق لولا تعليم الله تبارك وتعالى، ولولا وحيه لرسوله صلى الله عليه وسلم.
فهو يخبر صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا في جمعتنا الماضية عن أول ظهور لداوود عليه السلام وأين كان، وأن الله تبارك وتعالى مسح ظهر آدم عليه السلام فاستخرج منه ذريته، وقد ذكرنا قبل أن الله تبارك وتعالى أخبر عباده في كتابه أنه قد أخذ عليهم عهداً قديماً أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً قبل أن يذرأهم في هذه الأرض أو يبثهم في هذه الحياة الدنيا وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا فهو يخبر هاهنا أنه قد استخرجهم من ظهره وجعل لكل عبد منهم نوراً، وكتب بين عيني كل منهم أجله، وأن آدم عليه السلام قد ارتأى أنواراً طافية باهرة، فتساءل عنها، أي أنه الآن يرى الذرية، كل واحد فيهم لديه قدر من النور، قلنا أن هذا هو القدر المشترك بين الناس، القدر المشترك بين الناس هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ثم هناك قدر زائد من النور على قدر اكتساب العبد، بإيمانه وتقواه، فتقاسم المؤمنون أنوار الإيمان وكان للنبيين من هذه الأنوار الحظ العظيم، فتساءل آدم عليه السلام من هؤلاء الذين أنوارهم باهرة من بين هؤلاء الذرية جميعاً؟ قال: هؤلاء الأنبياء من ذريتك، فرأى رجلاً من أضوأهم نوراً، هناك رجل معين من بين هذا الذر المتكاثر، نحن نتكلم عن أن هؤلاء كل الناس الذين ذرأهم الله من ظهر آدم إلى أن تنتهي الحياة الدنيا، فكم يبلغ هذا العدد؟ كلهم اجتمعوا على هيئة واحدة في صعيد واحد، وفي وسط هذه الأعداد العظيمة انجذب نظره إلى واحد منهم فسأل: من هذا؟ فأجابه الله سبحانه وتعالى أن هذا هو رجل من آخر الأمم من ذريتك واسمه داوود، وأنه قد كتب له من الأجل أربعون، فأراد آدم عليه السلام أن يزيدها إلى المائة.
حسناً هذا هو أول الإيمان، أن تؤمن أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لكل عبد نوراً يهتدي به، استجاب لهذا النور أو طمسه، سار على الدرب الذي يرسمه هذا النور أو تنكب طريقه، وأن أهل الإيمان من عباد الله أتاهم الله أنوارهم على قدر إيمانهم وعلى قدر أعمالهم وعلى قد تقواهم، نوراً معنوياً في الدنيا يظهر حسياً على الصراط في الآخرة، وأن لكل امرئ من النور على هذا الصراط بقدر ما اكتسب من النور في هذه الدار الدنيا، وأن هذا هو مجال التسابق والتنافس بين عباد الله، وأن أعظم الناس نوراً هم النبيون قال تعالى أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا وصف الله من رزق نعمة الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى قد وهبه حياة بعد موت، الشخص الذي لا يؤمن هو عند الله تبارك وتعالى في عداد الأموات، يبدو حياً بجسده لكنه ميت بقلبه وروحه، رزق الله تبارك وتعالى عبداً الحياة ثم أعطاه نوراً، هذا النور يمشي به في الناس، فإذاً النور الذي يناله العبد المؤمن لا يكون نوراً لذاته فقط لأنه يعيش مع الناس، يتحرك وسط الناس، يتعامل مع الناس، فهذا النور وهو يمشي به سيستضييء به القريبون منه، حسناً لو زاد هذا النور؟ يستضيء به الأبعد فالأبعد، وأنوار النبيين؟ تستضيء بها الأمم والأجيال المتعاقبة، ولذلك كان نور داوود عله السلام حقيقاً أن يكون نوراً طافياً مبهراً يلتفت إليه أبوه وهو ينظر إلى هذه الخليقة، فلما أرتأى ذلك رأى أن هذه الأنوار يرجى لها أن تمتد، لأنه ما الفرق أن يكون عمره أربعين عاماً وهو يريد أن يجعله مائة؟ ما الفرق بين هذا وذاك؟ كم من الوقت سيستضيء الناس بهذا النور، كم من الوقت سينتفع أهل الأرض من هذا النور الذي وهبه الله لداوود عليه السلام؟ إطالة عمر داوود منة على داوود أم منة على الناس الذين سيتعايشون مع داوود؟ الهبة لداوود نفسه أم للناس الذين سيستضيئون من نور داوود؟
حسناً، ربنا سبحانه وتعالى قدر لداوود مائة أم أربعين؟ حكمة ربنا سبحانه وتعالى في أقداره، أن ربنا سبحانه وتعالى قدر أسباباً ومقادير، قال الله تبارك وتتعالى يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ في اللوح المحفوظ الذي كتبت فيه مقادير كل شيء يكتب فيه عمر داوود الذي سيكون في الحقيقة عمره ” هو مكتوب المية “، لكن من حكمة ربنا سبحانه وتعالى أن يقدر لكي شيء أسباباً، وأن يرزق عباداً أجراً وثواباً في أمور قدرها، النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم هذا التعليم، ماذا يقول؟ يقول: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يشَاءَ، اشفعوا تؤجروا، هناك شخص لديه حاجة وأنت من الممكن أن يكون لديك علاقة بأحد أو أنك تستطيع مساعدته أو تتوسط له، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: اشفعوا، وأثر الشفاعة؟ الأجر والثواب، لأن الإنسان يسعى لأن يجلب الخير لأحد، حسناً، منطلق الشفاعة؟ الحب والشفقة والرحمة ” ما هو اللى يخليك تشفع لحد؟ أو تتوسط لحد أو تسعى في خير لحد؟ لازم يكون فيه منطلق نفسي لدا “، حسناً وأثر هذا؟ الثواب، وإذا قضي الموضوع فعلياً أم لم يقضى؟ هذا حسب تقدير الله سبحانه وتعالى، لكن سعيك وحركتك؟ اشفعوا تؤجروا، حسناً والواقع؟ ” ايه اللى هيحصل؟ ” ما يقدره الله تبارك وتعالى بحكمته وبعلمه وبرحمته، ولا يقدر سبحانه وتعالى إلا الخير، علم ذلك من علم وجهل ذلك من جهل، فقضى الله تبارك وتعالى له هذا العمر، هذا أول شيء.
حسناً، هذا في عالم السماء، وأول تراءي لداوود في عالم الأرض وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ هذه أول صورة يرينا فيها ربنا سبحانه وتعالى داوود عليه السلام في عالم الأرض، فإذاً نحن الآن نستصحب أن هذا النور الذي قدر تبارك وتعالى للناس أن يستضيئوا به قد قدره من قديم، ثم يبرزه في الأجل الذي يقدر والذي يريد سبحانه وتعالى، ولذلك نحن نؤمن بشيء اسمه قدر وشيء اسمه قضاء، القدر هو ما قد قدره وكتبه سبحانه وتعالى، والقضاء؟ أن يوقعه في الأجل الذي قدره سبحانه وتعالى بحكمته.
فنحن رأينا داوود كذرة مضيئة ثم نراه الآن شاباً يافعاً، في هذه اللحظات يقول الله تبارك وتعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ هنا لا يظهر داوود، قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ نفهم من هذا الأمر أن داوود عليه السلام جزء من هذه الأمة، جزء من هذه الأمة، ما وصف هذه الأمة؟ يخبر تبارك وتعالى عن أمة بني إسرائيل بعد وفاة العظماء من أنبيائهم، توفي هارون ثم توفي موسى ثم مضت أزمنة كان لهم فيها نوعاً من السيادة، ثم بدلوا وغيروا فأصابهم ما أصابهم ثم طال عليهم الأمد فيما هم فيه من جلاء وذلة ومهانة، حسناً، في أي فترة نشأ داوود؟ نشأ هنا، نشأ في زمن الضعف والقلة والذلة والمهانة، هو لم يظهر بعد، لم نره بعد، ولكنه كان موجوداً هنا، حسناً، الذي ينشأ في هذه الظروف وهو حدث صغير السن، علام تنطوي نفسه؟ كم من الألم وكم من الحسرة وكم من الحزن يصيب هذه الأنفس؟ أن صارت إلى ذل بعد عز وإلى ضعف بعد قوة وإلى مهانة بعد سيادة، ثم سأمت هذه الأمة حالها، وهذا السأم وصل إلى منتهاه، كيف عرفنا أنه وصل إلى منتهاه؟ ربنا سبحانه وتعالى يقول أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ من هم الملأ؟ السادة والأشراف وأصحاب النفوذ وأصحاب الأموال، هؤلاء الناس هم أقل الناس إحساساً بأي شيء ” عقبال ما يوصلهم أي حاجة بياخد زمن طويل “، فهذه الأحاسيس استشرت في أمة من الناس إلى أن أطبقت كلها على أنها يجب أن تغير الوضعية التي عليها ” مش هينفع يكملو كده، مش هينفع يكملو كده ” حسناً، أين المخرج؟ ما الحل؟، ماذا فعلوا؟ الملأ السادة الذين يكون الناس لهم تبعاً، فهذا هو الموضوع أن هؤلاء القوم يسيرون ويسير الناس خلفهم، هذه الأحاسيس يحس بها عموم الناس إلى أن تصل للذروة، وعندما تصل للذروة حينئذ يمكن أن يحدث شيء، هؤلاء الناس سيتوجهون والآخرون سيسيرون خلفهم بالتبع، وأين سيذهبون؟ سيذهبون إلى النبي، لماذا يذهبون إلى النبي؟ إذا ذهبنا إلى النبي معناها أننا أيقنا أنه ليس لنا حل إلا أن نرجع لله، وأنه لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ أيقنا أنه لا يوجد حل آخر، كل الناس حتى الكبراء قرروا أن يلجأوا إلى الرسول، هو الذي يملك الحل، هو الذي يملك المخرج، حسناً، نحن اليوم ليس معنا الرسول ككيان ولكن معنا الرسالة ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قدر أن تختم الرسالة، لأنه ما معنى ختم الرسالة؟ أن روح الرسالة يمكن أن تبقى وإلا إن لم تكن تصلح أن تبقى كان لابد أن تتوالى الرسل ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى هذا شيء طبيعي، لكن حين قدر ربنا سبحانه وتعالى أن تختم الرسالة من قرون متطاولة دل ذلك على أن الرسالة الخاتمة قابلة إلى أن تستمر وتتوارثها الأجيال وإن غاب شخص نبيها فإن روحه ومنهاجه مبثوث في أمته لَقَدْ كَانَ لَكُمْ إلى من يوجه هذا الخطاب؟ إذا كان القرآن خطاب لكل الأجيال إذاً يصبح لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا هذا خطاب للجميع أيضاً.
حسناً، ماذا يريدون من النبي؟ أن يرشح ملكاً، لماذا ملك؟ لأنه يجب أن تجتمع لهم كلمة، يريدون أن يجتمعوا لكي يدفعوا ما حل بهم من الذل والهوان فلا يصلح أن يكونوا أشتاتاً متفرقين، لا يصلح أن يكونوا أوزاعاً ” مفيش كلمة بتجتمع ولا قيادة بتتبع ولا حد الناس بتثق فيه وبتلتف حوليه، مين اللى هيجيبه؟ الشخص الموثوق من قبل الله “، فهم قرروا في النهاية ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا لماذا؟ ما المطلوب؟ نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ إذاً لماذا يريدون الملك؟ حتى يقاتلوا لتعلو كلمة الله، حسناً، ما الشيء الذي من المفترض أن يفعله النبي؟ هذه الفرصة التي كان ينتظرها من زمن، هذا الأمر الذي كان دائماً ينادي به، ” الطبيعي هيعمل ايه؟ ” يستثمر اللحظة والحدث والأحاسيس والمشاعر الفياضة عند هؤلاء الناس، أخيراً هذه الأمة بأشرافها ورؤسائها قد اجتمعت على العودة إلى الله، ما الأمر الذي من المفترض أن يحدث؟ يسارع بترشيح ملك. ولكنه لم يفعل هذا، يا قوم هل أنتم متأكدون من الذي تقولونه؟ هل تعرفون تبعات ما تتكلمون فيه؟ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ولكن هل يصلح أن يخذلهم؟! هل يصلح أن يخذلهم؟! . هل يصلح أن يكسّر فيهم بعدما قلنا أخيرأً قد رجع القوم إلى ربهم؟، يجب أن نفهم هذا الأمر لأنه لا يصلح للنبي، للنبي !، أن يخذل عن خير أو يمنع الناس أن ترجع إلى الذي يجب أن ترجع له، أو تقيم ما أوجبه الله، هناك شيء خاطيء ” ما هو يا احنا فاهمين يا هو اللى فاهم “، لماذا يفعل هذا؟ لماذا يفعل هذا؟، هناك شيء اسمه أمانة وتبعة ومسؤولية، يجب أن يكون الشخص مدركاً لما يقدم عليه لأنه إن قصّر سيكون أرحم كثيراً من أن يقدم ثم يتراجع، يتقدم ثم يتخاذل لأنه سيكسًر في هذه الأمة وسيهدمها.
قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ما معنى في سبيل الله؟ معناها أن تعظيم ربنا هو أعلى شيء، أن كلمة الله تكون العليا، ولكنهم لما فسروا في سبيل الله لم يكن هناك شيء لله، لقد تعبنا، لقد تعبنا، خسرنا كل شيء، خسرنا كل شيء ” دي حرب الاستببياع ” ليس لها علاقة بـ ” في سبيل الله “، قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ ” هنقول حاجة بقى تبع ربنا؟ لا ” وقد أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا نحن خسرنا كل شيء، وبالتالى سيصبح منطقياً أنه فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا هذا شيء طبيعي، لأننا الآن خسرنا الديار، حسناً، وخسرنا الأبناء، إلام تؤدي الحرب؟ أن تخسر نفسك، هذه مصيبة على مصيبة، أي أننا سنزود الخسائر، فحينما يأتي ويضع فعلياً قدماً في هذا الأمر، هل هو سيضحي بنفسه أم يعيش ويبني داراً ويتزوج وينجب أبناءً؟ هذا المنطقي الطبيعي، يعوض الخسارة ببقاء نفسه، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا كلهم؟ لا تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ هل الذين بقوا هم الأغلبية؟ لا، الذين بقوا هم الأقلية وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، هم تناءوا عن ما طلبوا، حسناً، وداوود؟ داوود مع القلة، داوود شاب صغير، راع للغنم، ينضم إلى تلك الفئة القليلة.
حسناً وبعد ذلك؟ ربنا سبحانه وتعالى استجاب لهم، هذا هو الملك وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ – إِنَّ اللهَ ! – قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا الآن ما الذي طلبوه من النبي؟ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ماذا طلبوا منه؟ طلبوا منه أن يختار هو، هو الذي يختار، النبي نفسه هو الذي يختار لأنه أهل للإختيار، هو لا يقول لهم هذا، هو لا يقول لهم أنني اخترت لكم هذا، لأن ربنا قد أعطاهم شيئاً هو أعلى مما يطلبون بكثير، هم طلبوا اختيار النبي المؤيد، لا، ربنا سبحانه وتعالى نفسه من يختار وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قالو كيف يكون ذلك؟! ” متجيش يعني، طب هو ربنا ملقاش غير طالوت؟، احنا مش عجبنا، احنا مش عجبنا اللى ربنا بيختاره، طب ليه يا جماعة مش عجبنا؟ ” قالوا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ لماذا؟ قالوا لأن عندنا الشرف في أبناء يهوذا ” احنا بنرجع بقى لزمان، سيدنا يعقوب عنده أولاد ” قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا من كبيرهم هذا؟ يهوذا، فيقولون لك أن الشرف والسيادة في نسل يهوذا، حنساً، وهذا الرجل من نسل من؟ قالوا: من أولاد بنيامين !، وهل بنيامين متندي المنزلة؟ أليس أخاً ليوسف؟، وهم كلهم أخوة، ما الذي جعل الشرف هنا وليس هناك؟ بنيامين هذا هو شقيق يوسف ويهوذا هو الكبير، أخوه من أبوه، ما القانون الذي يقول أن الشرف هنا والمكانة هنا والرفعة هنا وليس هناك؟ فالأصل واحد وكلهم أبناء نبي، ما الفرق؟ ولكنها سارت هكذا وتوارثت بهذه الطريقة فأصبحت هكذا، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ حسناً، يمكننا أن نتغاضى عن هذا إذا كان له من الدنيا ما يجبر نقصه من الشرف ” بلاش دي، فلوس بقا ” وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ، إذاً فهم الآن يقولون: ستختار لنا ملكاً إن لم يكن من أشرفنا سنتجاوز ذلك إن كانت لديه ثروات ومال كثير، المال يجبر نقص النسب، المال يجبر نقص النسب ” الراجل ما يعيبو إلا جيبو ” هذه هي القوانين، حسناً، لماذا يريدون ملكاً؟ ليتفاخروا به؟! هذا الملك الذي يريدونه، ماذا سيصنعون به؟ ماذا يفعل الشرف والمال؟ ” هما عايزين جو وقبها ومنظرة ” لأن هذه الاختيارات ليس لها علاقة بما يتكلمون فيه، ماذا يريدون؟!!، قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ صفات الفرد الشخصية، ما أتاه الله سبحانه وتعالى من الإيمان والخلق، هذا شيء في شخصه، الاصطفاء والاختيار مبني على التقوى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ أنتم تريدون قائداً له صفات، صفات من العلم والدراية والفهم والقدرة الاستراتيجية، يجب أن يكون هكذا، وله هيبة كي يهابه الأعداء، ألم تريدون رجلاً؟ ما مواصفاته؟ مواصفاته حسب المطلوب، وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.
ثم بعد ذلك جعل الله سبحانه وتعالى لهم آية رحمةً بالناس وتثبيتاً لقلوبهم، شيء يرتاحوا له نفسياً إن كان عندهم، آثار موسى وهارون التي أخذت منهم، فحينما تأتي لهم يزدادوا ثقة ويقيناً.
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ وبعد ذلك؟ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أي تولوا إلا القليل، ثم الذين قبلوا وخرجوا، وبالطبع لم تخرج الأمة كلها فقد خرج الذي يصلح ظاهراً أن يقاتل، فالناس الذين يصلحون للقتال ظاهرياً كثير منهم لا يستطيعون أن يصبروا، فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ هذا داوود، داوود في الأول، داوود في إِلَّا قَلِيلًا، وداوود مرة أخرى في إِلَّا قَلِيلًا ولكن هل نراه؟ نحن لا نراه، هو في غمار الناس، غلام صغير، خمسة أو ستة عشر عاماً، راعي غنم صغير السن، أين تراه؟ هو يسير مع الناس أنت لا تراه، أنت لا تراه، لكن ربنا سبحانه وتعالى الذي اصطفاه واختاره يراه ويرى مسيره ويعلم ما في قلبه ويسدد خطواته، لكننا لا نراه.
فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ حينما رأوهم ” هما خارجين يواجهوهم عادي مفيش مفاجائات، بس لما شفوهم “، رؤيتهم وما هم فيه من القوة وما هم فيه من العدة ” بتقلق ” وترهب، فالذي اغترف الغرفة اهتز قليلاً، والذي لم يغترف الغرفة؟ دوره أن يثبت الباقين، قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ متى ظهر داوود؟ ظهور طالوت كان بالاصطفاء الإلهي أما ظهور داوود فكان ظهوراً ميدانياً، هو لم يرشحه أحد، هو لم يرشحه أحد، لما خرج جالوت وهو شخص يهاب طلب أن يبارزه أحد لم يخرج أحد عدا هذا الغلام الصغير، أكثرهم يقيناً، أعظمهم توكلاً، أشدهم ثقة بالله، حسناً، ما الذي خرج به؟ خرج حاسراً، أي لا يلبس درعاً – دي مهمة خلينا فكرنها لأننا هنحتاجها ” – خرج حاسراً لا درع له ومعه مقلاع به قليل من الحجارة، وجالوت؟ في عدته وفي سلاحه ” هو بدء يتنرفز، طالع عيل صغير وكمان مستقل بيا، طالع معاه شوية حجارة، كلب يعني هيزقله بالطوب؟ “، فرماه داوود عليه السلام بحجر جاء في رقبته فسقط، اضطرب ثم سقط فأخذ منه سيفه فقتله، فلما رأى الناس ذلك هربوا وانتهى الأمر، كل هذه الجلبة وكل هذا الخيلاء وفي النهاية لا شيء، هي في الحقيقة لا شيء، هي في الحقيقة لا شيء ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ” بس، مفيش حاجة، مفيش حاجة “، فربنا يقول فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ – وَآتَاهُ اللهُ – الْمُلْكَ هذا أول شيء وَالْحِكْمَةَ هذا ثاني شيء وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ” كم حاجة؟ ” ثلاثة أشياء، الملك والحكمة والعلم، من أين هذا؟ من ربنا سبحانه وتعالى إلى من أعطاه؟ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، فداوود كان الشخص الذي يستحق أن يمده الله سبحانه وتعالى من الأزل بهذا النور، الشخص الذي يستحق أن يمن الله سبحانه وتعالى عليه بهذه المنة، وأن عطاءات ربنا سبحانه وتعالى ونعمه لا حد لها، هذا الغلام الصغير قدر الله سبحانه وتعالى أن يصطفيه وأن يعيطه ملكاً وحكمة وعلماً، قال الله تبارك وتعالى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أن ربنا سبحانه وتعالى حينما يعطي حاشا لله أن يسلب عطائه ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ أعطى الله داوود فلم يغير ولم يبدل، بل كان شاكراً لنعمة الله عليه وكل شكر يستوجب مزيداً وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.
فنحن الآن نؤمن بهذا النور، نؤمن بعظمة وقيمة هذا النور، نؤمن بحكمة ربنا سبحانه وتعالى في توزيع الأنوارعلى العباد، نؤمن بأن الإنسان ينال من النور بقدر ما يطلب أسبابه وبقدر ما يستحق من هذا النور، وندرك أن نعم ربنا سبحانه وتعالى على عباده لا حد لها، وندرك أن نعمة ربنا سبحانه وتعالى لا تسلب أبداً من العبد إلا إذا غير العبد حاله مع ربه إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، غير ضالين ولا مضلين.
اللهم إنا نسألك حبك، اللهم إنا نسألك حبك. وحب من يحبك وحب كل عملٍ يبلغنا إلى حبك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.