إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد،.
نخرج اليوم عن سنن الخطابة المعتادة ما يشبه أن يكون نوع خواطر وحديث مع النفس ومفاوضة ومطارحة لكنها بصوت مسموع يسمعه المحيطون لمن يفاوض نفسه ويحاورها..
كنا في المرة الماضية مع حديث الرسالة، حديث المنة الإلهية والنعمة العظمى التي امتن الله عز وجل علينا بها وهي بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان أصحابه رضوان الله عز وجل عليهم ينظرون إلى هذه النعمة وينظرون إلى هذه القيمة العظمى وهذا النور الإلهي الذي يخرج العباد من الظلمات إلى النور، وكيف كانوا يدركون تمام الإدراك أن أمم الأرض قاطبةً من حين بعثته صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها على اختلاف الأزمنة والأمكنة هي أحوج ما تكون إلى هذا النور وإلى هذه النعمة لكي تخرج من الشقاء ومن التعاسة ومن التخبط ومن الضلال الذي لا محيص عنه ولا مخرج ولا فكاك منه لكل من تنكب طريق الله عز وجل ونوره وهدايته، هي السعادة في الدنيا والآخرة
مثله ربعي بن عامر إذ يقول: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ثم إذا نظرت إلى حالنا تجد هذا الحال أبعد ما يكون عن إدراك هذه النعمة وعن إدراك حقيقة هذه الرسالة التي إنما أخرج الله عز وجل هذه الأمة لأجلها كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه بل هنا ربما غفلنا في غمار حياتنا ومشاكلنا ومشاغلنا وآفاتنا ومعاناتنا عن حقيقة شخصيتنا وحقيقة دورنا وحقيقة رسالتنا وعن قيمة هذه النعمة الإلهية التي تكون تحت خطر السلب أن لم تشكر وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ أن عَذَابِي لَشَدِيدٌ هذه النعمة التي هي نعمة الإسلام ونعمة الهداية كأي نعمة هي تحت خطر السلب أن لم يقابل قدرها وحقيقتها وعظيم نعمتها ويشكرها كما قال عز وجل أعملوا ليس بالسان فقط وإنما قال: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور فلما نظرت وجدت أمة من الأمم هي أشبه ما تكون بأمتنا في وضعها الحالي وفي حالها الراهن أمةٌ أكثر الله عز وجل في كتابه من ذكرها ومن بيان حالها ومن تفصيل أمورها هي أمة بني إسرائيل، أن الله عز وجل لم يذكر قصةً ولم ينوه على حال أمة كما نوه على حال هذه الأمة إننا في هذه الأمة في لحظتنا الراهنة أشبه منا بأمة الإسلام الأولى أمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمة بني إسرائيل كانت تمثل أمة الإسلام وأهل الإيمان لكنها كانت تنفذ أمة الإسلام وأهل الإيمان في لحظات التيه أو في لحظات التخلي عن الأمانة وحمل الرسالة، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الحال فقال محذراً ومنذراً: ” لتتبعن سنن – أي طريق – من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع ” تمام المشابهة والمطابقة والمماثلة في الحال وفي رواية ” حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍ دخلتموه، قلنا يا رسول الله، اليهود والنصارى، قال: فمن إذن؟ ” .
فهو صلى الله عليه وسلم يحذر ويخبر أيضاً صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة أو أن كثيراً من هذه الأمة سيسلك نفس السبيل يسير في ذات الطريق يتبع نفس المنهاج الذي سارت عليه هذه الأمم السابقة في طريقها وفي تعاملها مع دينها ومع رسالتها التي أرسلها الله عز وجل بها، قال الله تبارك وتعالى وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إسرائيل الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ أن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ
فالله عز وجل يخبر أنه قد آتى هذه الأمة الكتاب وآتاها الحكم وآتاها النبوة فجمع لها نعمة الدين والدنيا، ثم اختلفوا وتفرقوا وبغى بعضهم على بعض..
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأرض الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
فالله عز وجل اخبرنا في كتابه عن هذه الأمة التي ائتمانها على دينه وكتابه ورسالته وامتن عليها مننا عظيمة ثم كيف كان حالها مع هذه النعم وهذه المنن؟؟ ولذلك لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس إلى معركة بدر وكانوا قد تحففوا مسرعين ليلحقوا بالعير فوجدوها قد مضت ووجدوا جيشا كبيرا في مواجهتهم فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فكان من جملة ما قاله المقداد بن عمرو والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسي اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فالمقداد هاهنا رضي الله عنه يقارن بين هاتين الحالين بين حال أمة تنبذ عهد الله وميثاقه وبين حال أمة أخرى تلتزم عهد الله عز وجل وميثاقه.
في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ في صحيح البخاري يقول صلى الله عليه وسلم يَوْمًا عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فرأيت َالنَّبيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وفي رواية ومعه الرهيط – جماعة – رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمم الأنبياء وقد تابعوا أنبيائهم، فرأيت نبي يأتي ومعه رهط أو رهيط جماعة قليلة هو يسير ويسير وراءه اتباعه جمع قليل من الناس وَرأيت النَّبِيُّ ومع الرجل والرجلان هذا نبي من أنبياء الله تعالى ارسل إلى أمة من الأمم جمعها كثير وعددها كبير فلم يتابعه على ما هو عليه من الحق ومن النور إلا الرجل وإلا الرجلان
ورأيت النبي وليس معه أحد وهذا أعظم ما يكون من الاختبار والامتحان والابتلاء ومن الغربة التي اعترت هذا النبي الكريم يدعو قومه إلى دين الله عز وجل وإلى نوره زماناً طويلا ثم لا يستجيب له من قومه ولو رجل واحد، كيف كانت غربة هذا النبي وسط هؤلاء القوم اللئام الذين لا يستجيبون لداع ولا يهتدون إلى سبيل، يقول صلى الله عليه وسلم إذ عرض لي سواد عظيم رأى أمة كبيرة من الناس تأتي من أفق بعيد قال: فظننت أنها أمتي فقيل لي هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه ولكن انظر إلى الأفق الآخر فرأيت سوادا عظيما ثم قيل لي انظر هاهنا فرأيت سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، أخبر صلى الله عليه وسلم هاهنا أن أمة موسى عليه السلام التى يتحدث عنها كانت جمعا كبيرا من الناس لا يزيد عنه ولا يبلغ إلا أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول العرباض بن سارية رضي الله عنه وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا فقال صلى الله عليه وسلم عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي هديي وطريقي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجز وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة لكننا نرى في الصحيح في حديث أبي بن كعب أن موسى عليه السلام قام خاطبا في بني إسرائيل فواعظهم حتى ذرفت عيونهم ووجلت قلوبهم فولى فقال له رجل يا نبي الله هل في الأرض أحد أعلم منك فقال موسى عليه السلام: لا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله..
شاهدنا من حديثنا هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وعظ وحذر وبالغ في الموعظة تأثرت قلوب الصحابة وذرفت عيونهم فلما أن تأثرت قلوبهم وذرفت عيونهم ماذا كان سؤالهم؟ كان سؤالهم كأنها موعظة مودع فأوصنا هم يريدون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم وأن ينصحهم وأن يعظهم لكي يثبتوا على طريقهم لكي يزداد تمسكهم بدينهم بعد أن يغادرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقلب إلى جوار ربه هم قالوا بأنها موعظة مودع هو سوف يغادر الحياة إذن هم يريدون أن يلقي بينهم موعظة ونصيحة ونبراسا يمنعهم من أن ينحرفوا عن جاده الطريق والصواب ولذلك دعاهم إلى التمسك بما هو عليه وما عليه أصحابه رضوان الله عليهم والخلفاء الراشدون أما هؤلاء القوم من بني إسرائيل كيف كان استقبالهم لهذه الموعظة التي تماثل موعظة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأثر وفي وقعها في القلوب بدل أن يلتفوا إلى ما التفت إلية الصحابة سلكوا مسلكا اخر سأله السائل هل في الأرض أحد أعلم منك؟
إذن هل سينشغلوا عن حاله هو مع المسألة عن انتفاعه هو بها إلى أن يطري ويثني على المتكلم ببراعته وفصاحته وبلاغته ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا فإذن هذا المعلم أساس ثابت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين هذه الأمة الإسرائيلية في استقبال العظة وفي استقبال هداية الله عز وجل هؤلاء يلتفتون إلى أنفسهم إلى حالهم إلى أنهم مسئولون أمام الله عز وجل عن هذا العلم الذي بثهم فيهم النبي وهؤلاء يغفلون عن هذا وعن حالهم وعن أثر هذا الإيمان وهذه الموعظة عليهم إلى أن يطروا وأن يثنوا على المتكلم وعن فصاحته وبلاغته لذلك جاء في هذا الحديث أن موسى عليه السلام لما رأى تأثرهم ولى – سابهم ومشي – لماذا يولى عنهم ويتركهم؟ هو يريد أن يصل بموعظته إلى حال التأثر فإذا وصلوا إلى حال التأثر تركهم وانسحب لكي يبقى كل مع نفسه يراجع نفسه وينظر في أثر هذه الكلمات عليه لكنهم هم لم يتركونه يولى فساله السائل قبل أن يوليك هل في الأرض أحد أعلم منك؟ ولذلك كما قلنا قال صلى الله عليه وسلم قال أن بني إسرائيل لما هلكوا – أي بترك التزامهم بما أمرهم الله به – قصوا، لكن لابد لهم من دين لا بد لهم مما يتمسكون به فلما هلكوا بترك الالتزام قصوا أي حولوا دينهم إلى قصص يتمتعون بها ويقنعون بها أنفسهم أنهم على دينهم وعلى تمسكهم وعلى ارتباطهم بالمنهاج الذي أنزله الله عز وجل.
لكنه ارتباط ليس به حقيقة، ارتباط مفرغ من مضمونه، ولذلك كان اثر هذا الفعل فى الصحابة هو ما رايناه منهم من اثر فى انفسهم وفى تغيير واقع الحياة من حولهم
أما أمة بنى إسرائيل لما استقبلت هذا النور بهذا الاستقبال كان أثر هذا ما رأيناه منهم من انحراف ومن مخالفتهم ومن تنكبهم عن طريق الله عز وجل.
فأذن استقبالنا نحن لهذا النور الالهى، استقبالنا لأثار النبوة.. شكل هذا الاستقبال وطيعة هذا الاستقبال هى التى ستحدد موقعنا وحالنا ومصيرنا، ولذلك جاء فى حديث اخر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا اتوا جدلا “
ليس من الامم امة كانت على طريق الهداية ثم انحرفت عنه الا كانت لابد أن تسلك سبيل الجدل والمراء
لانها سوف تواجه تقصيرا وقصورا فى حق الله سبحانه وتعالى، فلابد أن تبرر لنفسها فعالها، لابد أن تدلل على صواب هذا الانحراف الذى تنحرفه لانها لاتستطيع ولاتملك الشجاعة أن تواجه نفسها بأنها قد خالفت أو بأنها قد قصرت أو بأنها قد تنكبت طريقها، فكيف تعالج هذا؟
تعالجه بأن تثير فى وجه الحقائق وفى وجه الدلائل الشبه وأمور الجدل والمراء، ” ماضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أوتوا جدلاً “
اقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
ونحن فى حديثنا عن هذه الأمة سنذكر ما يتعلق بأمة بنى إسرائيل وعلاقتها بالدولة المصرية، فنذكر أولاً أو نحتاج أولاً أن نتبين كيف وماهى الظروف التى اتت ببنى إسرائيل إلى أرض مصر؟؟
ثم كيف كان حالهم فى أرض مصر؟ ثم كيف كان خروجهم من هذه الأرض إلى محلة اخرى؟ فى ذكر مجى بنى إسرائيل إلى أرض مصر لابد أن نعرج على ذكر يوسف ويعقوب عليه السلام، ونحن فوق هذه الخشبات قد ذكرنا قبل شيئا عن يوسف عليه السلام وكيف كان طريقه فى دعوته وفى إصلاحه، وذكرنا معالم هذا المنهج وهذا المسلك وهذا الطريق قبل ذلك.. وما بنا حاجة إلى تكرار الكلام فيه.
الامر الثاني الذى نريد أن نركز عليه ليس الان بطبيعة الحال لان الوقت لا يتسع لذلك هو: وصف الدولة والإدارة والإدارة المصرية في زمان يوسف عليه السلام، ومقارنة هذا بوصف الدولة المصرية والادارة المصرية في زمان موسى عليه السلام، هذه دولة ونظام حكم لمصر، وهذه دولة ونظام حكم ايضا كان في مصر، هذا في زمان احد الانبياء، وهذا في زمان نبي اخر بعد فترة زمنية طالت أو قصرت، نتلمس من كتاب الله لهذا النظام منهجاً ولهذا النظام منهجاً آخر يخالف هذا المنهاج الأول.
أما عن ذكر مجيء بنى إسرائيل إلى مصر فنحن نعلم جميعا أن بداية هذا حينما كانت بمجى يوسف وهو غلام صغير إلى مصر ودخوله قصر العزيز.
وبما انها خواطر، فلنا هاهنا وقفات.
الاولى: فى قول يعقوب عليه السلام وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ أن رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
ففي بداية هذه القصة رؤيا فيه ذكر لرفعة وعلو مقام ليوسف عليه السلام وقد راينا هذا عيانا كما اوردنا هذه القصة من قبل لكن الطريق إلى هذه الرفعة وإلى هذه المكانة العالية كانت المحن وكانت الصعاب وكانت المشاق في طريق طويل سلكه يوسف عليه السلام
واذن فعادة أن تكون المحن هي سبيل وطريق المنح، أن الله عز وجل ربما أراد لعبد أو أراد بالأمة خيراً، لكنه لا ينيله ولا يوصله لهذا الخير إلا عبر طريق من الابتلاءات ومن المحن، له سبحانه وتعالى الحكمة البالغة، ولذلك لا يتهم الله عز وجل فى قدره ولا فى رحمته.
فنحن إذا ما رأينا ما جرى ليوسف عليه السلام نتعجب أشد العجب، كيف يقول يعوقب هذه الكلمات ثم ترى الواقع والحال يخالف تماما هذا الذى بشر به، بحيث لا يتلمس فى هذا الواقع الذى هو عبارة عن كثير من المحن اى وجه من اوجه الخير أو من اوجه التفريج أو من اوجه المنن التى سوف تاتى
ولكى يصل إلى هذا كان لابد أن يمر بطريق من هذه الابتلاءات واول هذه الابتلاءات هو موقف الاخوة من اخيهم، وهؤلاء الاخوة إنما كانوا أبناء نبى من الانبياء.
فإذن أن كون المرء نبياً فمن دونه من الصالحين لا يكفى وحده لكى يسلم الذرية أو البنين من أن يقعوا فى خطا أو سوء أو أن ينحرفوا عن طريق الله عز وجل، لكن الواجب على المرء أن يقوم بما اوجبه الله عز وجل من رعاية للامانة ومن القيام بما الزمه الله عز وجل من رعاية لمصالحهم وتربيتهم على وفق ما يرضى الله عز وجل.
أما ما كان ذلك من وراء ذلك فأمره إلى الله عز وجل الذى بيده مقاليد كل شئ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ
وهذا اشد ما يكون من البلاء ومن الفتنة
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ أن ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
فهؤلاء الذين أقدموا على هذا الجرم الخطير إنما كانوا ذرية نبي من الأنبياء وأول جرمهم أنهم نسبوا إلى أبيهم ونبيهم الذي عصمه الله عز وجل من الجور ومن الحيف ومن الظلم نسبوه إلى الجور والحيف والظلم بل قالوا إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ليس في ضلال فقط في ضلال مبين أمر بين ظاهر لا يحتاج إلى تبصر وإلى تأمل يطلع عليه كل شخص نظر إلى حاله، انظر كيف يعامل هذا الغلام الصغير وكيف يعاملنا نحن وَنَحْنُ عُصْبَةٌ هم كهول.. لهم ذرية ولهم بنون يريدون من أبيهم أن يعاملهم كما يعامل هذا الغلام الصغير، هم في صغرهم نالوا من أبيهم ما ينالوا هذا الغلام الصغير ولكنهم قد نسوا ذلك هم يحملون أمره على الظلم وهاهنا وقفة مع طبيعة الإنسان فهؤلاء كبار لكنهم يؤثر فيهم جداً هذا التعامل من الأب مع الغلام الصغير.. هذه طبيعة الإنسان، يعني ممكن شخص كبير وعقلية وذهنية وتفكير لكن أحياناً النفسية تكون نفسية طفل يعني حاجة صغيرة تخليه يزعل جداً ويتأمص.. وشكولاتايه تفرحه، هو ده الإنسان.. يعني احنا أحياناً بنتعامل مع الإنسان بنظره العقلي ولإمكانياته وإلى ذكائه ليس هذا هو الإنسان… الإنسان هو شيء صغير في قلبه وفي نفسيته هؤلاء أقاموا الدنيا ولم يقعدوها الموضوع بسيط.. بيطبطب على الواد الصغير.. طيب ما الحل ماذا نصنع في هذه المشكلة هاهنا يظهر العقل.. هم الذي أثارهم هذه النفسية الطفولية ولكنهم حينما يديرون الأمر يديرونه بعقلية القمار اقْتُلُواْ يُوسُفَ أو اطْرَحُوهُ أرضا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ احنا حنخلص منه بوعد كده نتوب وبعد كده خلاص بقى الراجل مش حيلاقي غيرنا في وشه ماهو يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ يعني خلاص هو كده كده حيزعل شويه لكن الأمر الواقع هو اللي حيسود في الأخر السحن ديه هيه اللي قدامه حيتعامل معاها وخلاص عياله برده حيعمل إيه الراجل..
فإذن إيه حل المشكلة اقْتُلُواْ يُوسُفَ أو اطْرَحُوهُ أرضا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ هذه هو أول شأن يوسف عليه السلام هذه المحنة وأنهم سوف يأخذونه من أحضان أبيه هي بداية ما له من تمكين ومن رفعة لأنه إذا لم يؤخذ هذا المأخذ ثم يأخذه هؤلاء السيارة من البئر ثم يبيعونه إلى هذا العزيز ثم يدخل إلى هذا القصر ثم يظلم في هذا القصر ثم يدخل إلى السجن فيلقى الساقي في السجن ثم يمكث في السجن هذه السنوات المتطاولة ثم تأتي رؤيا الملك بعد سبع سنوات ثم يتذكره الساقي ثم يعود إليه في السجن فيجده في مكانه ومحله ثم يخرجه إلى الملك ثم يحقق في قضيته ثم يكون التمكين ليوسف عليه السلام كل هذه الحلقات التي يأخذ بعضها بحجز بعض أن تتم أو أن تكمل إلا إذا أخذ هذا الغلام الصغير من أحضان أبيه فيلقى في هذا البئر والله سبحانه وتعالى رحمة به وبهم أرشدهم إلى أن لا يقتلوه ولا يطرحوه أرضاً لأنهم أرادوا أولاً أن يقتلوا يوسف أو أن يطرحوه أي في الصحراء فيموت بعيداً نحن لن نبوء إثمه فنحن لم نقتله ولكننا وضعناه في مكانٍ آل حاله فيه إلى الموت قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ أن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قال واحد منهم لا داعي لقتله ولا داعي لطرحه أرضاً ولكن ألقوه في البئر نتخلص منه وفي نفس الوقت يبقى حياً لأن هذا في طريق القوافل سوف يأخذونه من البئر حينما يريدون أن يستقوا الماء منه فيبيعونه أو يتصرفون فيه ولكننا لا بنوء بإثم قتله ولا نحتاج إلى ذلك وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ أن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ونحن قد تكلمنا قبل عن طبيعة النفوس الطيبة وطبيعة النفوس الخبيثة وأن النفوس الطيبة وإن أغوتها الشيطان فإنها لا تلبث إلا أن تسكن وأن تهدأ فتنتقل في شرها من أعلى إلى أدنى أما النفوس الخبيثة فإنها تنطلق في شرها وفي غضبها من الأدنى إلى الأعلى فهم قالوا اقْتُلُواْ يُوسُفَ طب وبعدين..؟ لأ.. أحسن شوية أو اطْرَحُوهُ أرضا وبعدين وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ.. أن كُنتُمْ فَاعِلِينَ يعني لو هيه قفلت معاكم خلاص إذن هو يريد أن يقول لهم لا داعي لهذا الفعل أصلاً فلنصبر فهو أفضل فهذه طبيعة النفوس التي فيها الخير وغن حملها الشيطان على شر أو سوء فإنها لا تلبث مع الوقت إلا أن تسكن وتهدأ كما ذطر الله تبارك وتعالى في قصة هدهد سليمان عليه السلام قال لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أو لَأَذْبَحَنَّهُ ده أسهل.. يخلصه بسرعه بدل ما يقعد يعذبه ويبهدله وكده طب وبعدين أو لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ هو بينزل.. ربما كانت له حجة فإذا آتاني بهذه الحجة عفوت عنه هذا هو مقتضى العدل من الأعلى إلى الأدنى أما أهل الشر وأهل النفوس الخبيثة فإنهم ينتقلون من الأدنى إلى الأعلى فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ قوم إبراهيم عليه السلام إذ دعاهم إلى الله وإلى عبادة الله وإلى توحيد الله وهو الخير العظيم فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أن قَالُوا اقْتُلُوهُ أو حَرِّقُوهُ اقتلوه.. خلاص كده.. لأ الموته ديه مش مريحانا احنا لازم نبهدله ونولع فيه لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ماهو حيموتوهم خلاص لأ نعذبهم الأول وبعدين نموتهم فإذن النفوس الطيبة حتى ولو ألمت بشرٍ أو سوء فإن أثر طيب نفسها فيها باقٍ وأما النفوس الخبيثة فهي على عكس ذلك تماماً فإذن نقف الآن عند يوسف عليه السلام وهو يدخل في أرض مصر ونبحث في جمعتنا القادمة بإذن الله في طبيعة الدولة المصرية اليوسفية وطبيعة الدولة المصرية – لا أستطيع أن أقول الموساوية – ولكن الفرعونية طبيعة هذه وطبيعة هذه صفة هذا وصفة هذا سوف يرتب هذا بما ذكره ابن خلدون في مقدمته – ونختم به – أنه ذكر أن الملك والسلطان ثلاثة أنواع ذكر أولاً أن الناس لا تستقيم لهم حياة في ظل الفوضى وعدم وجود نظام فإن الإنسان إجتماعيٌ مدنيٌ بطبعة لابد له من نظام وسياسة ومن هيئة ومؤسسة حاكمه هذا الملك وهذا النظام له ثلاثة أشكال لا رابع لهما قال الأول هو الملك الطبيعي الذي يكون على مقتضى الغرض والشهوة شخص يحكم أناس يحكم بمقتضى هواه ونزواته وشهواته ورغائب نفسه لا يستند إلى نظام ولا يرجع إلى قانون هذا الأول وأما الثالث فهو الملك السياسي وهو الذي يقوم على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار.. يعني النظام الثاني يكون على إدارة العقلاء وأصحاب السياسة لشئون الناس بحثاً على مصالحهم ودفع المضار عنهم ولكن فيما يتعلق فقط بالمصالح الدنيوية بقطع النظر عن الدار الآخرة أو عن مآل الناس في لقاء الله عز وجل والثالث هو الملك الشرعي الذي هو الخلافة الذي هو سياسة الناس على مقتضى مصالحهم الأخروية ومصالحهم الدنيوية التي ترجع إليها يبقى إذن أنظمة الحكم ثلاثة حكم مبني على الجبروت وحكم مبني على السياسة العقلية المصلحية الدنيوية وحكم شرعي يقوم على الاستهداء بهدي الله عز وجل الذي يحقق للعباد مصالح المعاش والمعاد مصالح الدنيا والآخرة لأن الله عز وجل وحده هو الذي يعلم الفساد والصلاح هو الذي يعلم وحده سبحانه وتعالى حقيقة المصالح وحقيقة المفاسد ما الذي يسعد الإنسان وما الذي يشقيه في معاشه وفي معاده في دنياه وفي آخرته وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات, وحب المساكين, وأن تغفر لنا ترحمنا وتتوب علينا, وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عملٍ يقربنا إلى حبك
اللهم كن لنا ولا تكن علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا واهلك اللهم أعداءنا
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.