الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد ألا إله إلا الله، لا رب غيره ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أتقى عبد وأنقاه وأزكاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه واهتدى بهداه.
ثم أما بعد ،،،
كنا في حديث عن النبوة، وعن قيمة النبوة في حياة الإنسان ورأينا عبر مواقف متتابعة، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل المشاق والصعاب والضغوط، وكم تكلف من تضحيات في سبيل أن يغرس الإيمان في نفوس المؤمنين من أصحابه ومن بعدهم من أمته، ونقف اليوم وقفة قبل أن نستتم ما نحن بصدده، نريد أن نعيد التنويه والتركيز على هذه القضية العظيمة، قضية القرآن وقضية الرسالة، وقيمة القرآن وقيمة الرسالة في حياة الإنسان بوجه عام، ولماذا نأخذ نحن هذا الموقف السلبي من هذا القرآن ومن هذه الرسالة.
إن الله سبحانه وتعالى في كتابه إنما يخاطب الإنسان، وأي شيء هو الإنسان؟ ماهو الإنسان وما هي حقيقته؟ وما الفرق بينه وبين أي شيء آخر خلقه الله سبحانه وتعالى؟ نحن ربما نسمع أن الإنسان كائن مفكر أو يسميه الفلاسفة حيوان ناطق، وحيوان ناطق ليس معناها أنه يتكلم، وإنما ناطق بمعنى عاقل، فهو ينطق مبينًا عن حقيقة عقله وحقيقة إدراكه، لكن الله سبحانه وتعالى في سورة النمل قال: حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا فالله سبحانه وتعالى يخبر هاهنا عن نملة، هكذا بالتنكير، طالعت هذا الجيش الذي يتحرك من بعيد، فأدركت أنه جيش سليمان عليه السلام، وأنهم إذا مروا من هذا الطريق والنمل خارج معسكراته فإنهم سوف يحطمونهم ويهلكونهم، وأعظم من كل ذلك أنها عقبت فقالت وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ما معنى وهم لا يشعرون؟ معناها أنها مدركة أن سليمان عليه السلام لا يقصد ولا يريد أن يؤذي ولو نملة، هذا الجيش له طبيعة وتركيبة ومعتقد وصفات وخصائص تشتمل على الرحمة، فهم لا يتعمدون أن يؤذوا ولو نملة لذلك عقبت فقالت وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فكيف أدركت ذلك؟ طب نمشي شوية كده هنجد كائنًا يقول أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ إذًا ليست هذه هي علة تكريم الإنسان، وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ فإذًا هناك شيء آخر، قال تعالى: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً أي شيء خلقها الله تقع في إطار التسبيح والعبادة والذكر والشكر لله سبحانه وتعالى، ليست بلسان الحال فقط، وإنما بلسان المقال أيضًا، قال الله تعالى: وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم هو موجود، ولكننا غير مدركين، قال تعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام: فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ الجدار تعبان، عايز يقع فينهار فيرتاح، يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً طب والإنسان؟ من سيجيب عن هذا السؤال؟ هل يملك الإنسان أن يحدد ماهية نفسه أو يحدد طبيعته أو صفاته؟ من أين يعرف؟ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ أشياء كثيرة مرتبط بعضها ببعض، تركيب معين، لماذا؟ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً يبقى أول شيء نحن مفتقرين إلى القرآن لكي يفهمنا أصلًا ماهية الإنسان، لأن الإنسان لا يستطيع أن يتعامل مع نفسه ولا مع الناس من حوله إذا كان لا يدري ما معنى الإنسان، أنا لا أدري ما هذه المادة، ولا مما تتركب، ولا ما هي صفاتها؟ فكيف إذَا أتعامل معها؟! حتى تعامل الإنسان مع نفسه كيف يفهم نفسه في لحظات التقلب في لحظات القوة والضعف، في لحظات الارتفاع والانخفاض، ماذا سيفعل؟ كيف يتعامل؟ طب ما النموذج المثالي للإنسان؟ نحن جعلنا لكل منتج ” أيزو ” ، طيب الإنسان ما هي الصورة المثال له؟ وما هي معايير الجودة التي سنقيِّمه على أساسها؟ متى نقول أنه جيد؟ ومتى نقول أنه سيئ؟ إلى أي شيء سنرجع لنعرف الإجابات عن هذه الأسئلة؟ طب هل هذه الأسئلة وإجاباتها مهمة؟ لو يعنينا نعرف ما نحن؟ وبالتالي ما هو الدرب الذي سنسلكه؟ نحن حينما نتكلم عن الإنسانية، إنما نقصد بها المشاعر التي ينطوي عليها قلب الإنسان، يعني نقول إن فلان هذا إنسان وأن فلان هذا ليس بإنسان، أو هؤلاء الناس عندهم إنسانية أو ليس عندهم إنسانية، نحن ماذا نقصد من هذه الكلمة؟ مشاعر تعتمل في قلب هذا الكائن، ودرب محدد يريد أن يسلكه، في طريق سيسير فيه لكي يصل إلى شيء، فالإنسان إنما هو قلب ينبض ودرب يسلك، وليس هناك شيء آخر، طيب ما هذا التركيب؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح مسلم يتكلم عن لحظة تاريخية قديمة جدًا، طيب اللحظة التاريخية القديمة هذه نستطيع أن ندركها، قال الله تعالى: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً فهو يخبر صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى لما صور آدم في الجنة تركه ما شاء الله تبارك وتعالى أن يتركه، يبقى هذا الطين شُكِّل خلقًا ثم تُرك هكذا قبل أن تنفخ فيه الروح وبقي هكذا زمانًا، يقول صلى الله عليه وسلم: فجعل إبليس، وهذه أول مقابلة أول علاقة ما بين الإنسان وبين الشيطان، فجعل إبليس يطيف به، ينظر ما هو، ثم يقول صلى الله عليه وسلم، وهذه التي نريد أن نقتنصها من هذا الخبر العظيم، يقول: فلما رآه أجوف علم أنه خلق خلقًا لا يتمالك، هذا هو أول لقاء وهذه نتيجة التحليل الأول من الشيطان للإنسان قبل أن تنفخ فيه الروح، فلما رآه أجوف، ما معنى أجوف؟ أي أنه فارغ من الداخل، علم أنه خلق خلقًا لا يتمالك، أي لا يتماسك، ضعيف، من السهل أن ينهار، من الممكن في لحظة واحدة ينهار هذا الكائن المتعاظم، طيب هو على ماذا سيعمل؟ سيعمل على التجويف، هو يريد أن يخترق الظاهر إلى صدر الإنسان، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ هو يريد أن يخترق هذا الإطار الخارجي إلى هذا التجويف الذي ملؤه هواء، كائن مفرغ، هذه هي البداية، هذا هو التصنيف الأول، وهذا هو الأسلوب الذي يدير به الشيطان العلاقة مع الإنسان، أنه كائن أجوف، هذا الأجوف عبارة عن إيه؟
أول شيء الإنسان كائن مركب، مركب من أبعاض وأجزاء، يفتقر بعضها إلى بعض، ويفتقر هو نفسه إلى كل جزء من هذه الأجزاء، وهو كائن أجوف يفتقر إلى ما يدخل فيه، وإلى أن يستفرغ ما يضره إن بقي فيه، يعني هذا الكائن يحتاج إلى هواء ويحتاج إلى طعام وإلى شراب هذه أشياء ستدخل داخل هذا التجويف، قوام حياته لا يقوم إلا بها، ثم يستفرغ ويفرغ مخلفاتها، وإن بقيت بداخله فسد وهلك، يبقى نحن نتكلم عن تركيبة ضعيفة يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ اللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْلماذا؟ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً بيتصلح؟ آه إِلَّا الْمُصَلِّينَ فإذًا الصلاة هي اللي هتظبط التركيبة، لكن أصل التركيبة هي كده؟ طب إيه معنى الهلع؟ على فكرة دي كلمة مش بسيطة، ومبنية على صيغة مبالغة، معنى قوي جدًا وثابت في نفسية كل إنسان، ما معنى الهلع؟ الكلمة دي عندنا إحنا مش هنعرف نترجمها، يعني كلنا عارفين كلمة الهلع دي، بس إحنا مش هانعرف نعبر عنها تعبير لفظي، لكن كلنا مدركين إيه الحالة دي لما تصيب الإنسان، طيب التنزيل الواقعي للهلع ده بيتشاف في حاجتين: في تعامل الإنسان في السراء والضراء، إذا مس الإنسان ضر أسرع إليه الجزع، الخوف الشديد والاضطراب، وإذا أنعم الله عز وجل عليه وبنعمة جمع ومنع، ولذلك قبلها قال تعالى: وَجَمَعَ فَأَوْعَى طب ليه جمع فأوعى؟ عشان الإنسان قلقان، دائمًا قلق، فلما يرزقه الله سبحانه وتعالى خيرًا، يكون قَلِق أن يزول منه هذا الخير أو أنه يفتقده أو ينتقص منه، ولذلك قال تعالى: قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ جاحد لفضل الله عليه، وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ هذا مجرد استعراض سطحي لشيء مما ذكر في القرآن عن ماهية وحقيقة الإنسان، ومع ذلك قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ طب وبعدين؟ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ طب يعني إيه أحسن تقويم؟ الفطرة، التركيبة المتوجهة إلى الله، ربنا سبحانه وتعالى خلق الإنسان وفي بنيته كثير من خصال الضعف، فالإنسان المبني على هذا القدر الكبير من الضعف هو خلق على هذه الصفة لكي يكون دائمًا متذكرًا أنه يحتاج إلى اللجوء إلى القوي سبحانه وتعالى، فالإنسان أجوف في مقابل أن الله سبحانه وتعالى هو الصمد عكس الأجوف، لا تجويف فيه، ولذلك كان الصمد؛ هو المقصود، شرحناها قبل كده.
فإذًا الإنسان بهذه الصفة لكي يكون دائمًا مستشعرًا أنه محتاج أن يلجأ وأن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى وأنه في رجوعه إلى الله وإيمانه بالله وصلته بالله، التي عبر الله عنها بالصلاة إِلَّا الْمُصَلِّينَ هذا هو الشيء الذي سيضبط نفسية الإنسان، أو سيعالج آفات الإنسان، وهذا سيتم عبر هداية القرآن، الذي قال عنه الله أنه شفاءَ ورحمة، وعبر الرسالة النبوية، كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الإنسان؟ القرآن أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ القرآن إنما يخاطب الإنسان، لا يخاطب أحدًا آخر، هذا كتاب الله أنزله للإنسان لكي يناسب هذه الطبيعة الإنسانية، القرآن يخاطب الإنسان، ولذلك كل إنسان سيكون له من القرآن على قدر ما له من الإنسان، نحن سنأخذ من القرآن على قدر ما نتصف نحن به من صفات الإنسان، فإذا فسدت فطرنا، تغيرت تركيبتنا، لم نعد نتصف بالإنسانية، ماذا نفعل؟ هو أيضًا القرآن، فالإنسان له من الإنسان على قدر ما له من القرآن، هي هي، فإذًا القرآن أولًا يصنع الإنسان ثم القرآن يخاطب الإنسان المصنوع عبر القرآن، هي في الحالتين عائدة إلى القرآن، ولذلك قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ فين؟ عَلَى قَلْبِكَ لا يخاطب شيئأ آخر فيه، يخاطب القلب، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ولماذا نزل على قلبه صلى الله عليه وسلم؟ لأنه الإنسان الكامل، فالقرآن نزل على هذا الإنسان، هذا هو الإنسان، النبي صلى الله عليه وسلم يمثل حقيقة الإنسان الكامل، فهذا الإنسان الكامل، سيأخذ بيد الإنسان الناقص ليجعله إنسانًا كاملًا أو قريبًا من الكمال على قدر ما تكون الاستطاعة والقوة والمُنَّة الإنسانية، هذه هي الرسالة، لذلك نحن قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الله سبحانه وتعالى لكي يكون نموذجًا ونبراسًا، شخص يعيش وسط الناس، شخص يأخذ بيد الناس، أدرك من القرآن حقيقة الإنسان، أدرك أن الإنسان ضعيف وأن الإنسان هلوع وأن الإنسان متعجل، وأن الإنسان مجادل، إلى غير ذلك من الصفات، هو أدرك ذلك صلى الله عليه وسلم، وكذلك أدركه الشيطان، فهو يريد أن يرتقي بالإنسان، طب والشيطان؟ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ
فإذًا البناء إنما يكون عبر القرآن، القرآن هو الذي يصنع الإنسان، فلو الشخص في مرتبة حيوانية دون مرتبة الإنسان، لا يمكن أن أخاطبه بالقرآن، لابد في البداية أعيده إنسانًا، ثم بعد أن أعيده إنسانًا، أوصله إلى مرحلة الإنسان السوي، إنسان عادي، ثم أقول له بعد ذلك أن هناك دين يرتقي بالإنسان، الأول أعطني إنسان، فإذا لم يوجد إنسان، فإذًا القرآن يصنع من هذه الكائن غير المفهوم إنسانًا، ثم يضع هذا الإنسان في إطار السواء النفسي، ثم يقول له تحرك على مقتضى ما تعلمت من كتاب الله، وهناك شخصًا موجود لكي يأخذ بأيدينا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك منته علينا لا يمكن أن نقادر قدرها، لا نستطيع أن ندرك عظمة هذه النعمة التي امتن الله سبحانه وتعالى علينا بها، ولذلك نحن لماذا نتكلم عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ لأن هذا هو نموذج الحياة، نحن للأسف لا نعرفه بالقدر الكافي، لابد أن نقترب منه أكثر، لأننا مفتقدين إلى أن نقترب منه لا نستطيع أن نفهم الدين، إلا من خلال هذا التطبيق، النموذج العملي الواقعي.
النبي صلى الله عليه وسلم تمثل حياته تفسير القرآن وحقيقة الإيمان، لا نستطيع أن نأتي بها نظريًا، لابد من النموذج التطبيقي، كيف أخذ هو صلى الله عليه وسلم بأيدي أناس كانوا في الأسفل وصبر عليهم عبر زمان طويل لكي يصعد بهم إلى مكان عالي جدًا، نحن للأسف نتناول الأمور بشكل سطحي، نتكلم مثلًا عن الصحابة وعن عظمة هذا الجيل، كلام جميل، وبعدين؟ هل الموضوع سطحي بهذه الدرجة، إن هؤلاء الأناس كانوا طيبين، والنبي صلى الله عليه وسلم كان معهم فربنا كرمهم، ليس هذا هو الموضوع، الواقع يقول أن هذه التجربة صعبة وليست بسيطة، يعني الأشياء التي ذكرناها، في قصة زيد وزينب، وفي قصة الإفك، الأمر ليس بهذه السهولة، هذه تربية طويلة وهناك معاناة، نحن بني آدمين فينا نقاط قوة ونقاط ضعف، نقاط إيجابية ونقاط سلبية، إحنا قلنا إيه الفرق بين دول وما بين غيرهم؟ ما الفرق بين الإنسان المؤمن وغيره؟ أن الإنسان المؤمن هو الشخص الذي أخذ قرارًا أن يسلم وجهه إلى الله لكي يرتقي الله سبحانه وتعالى به فقط، سيضع نفسه في هذه الدائرة، يسلم نفسه إلى الله لكي يرقى الله به عبر القرآن وعبر هداية النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الموضوع، ولذلك كثير من الناس وضع صور مثالية غير موجودة في الواقع، ولذلك هذه الصور صور معجزة لا تستطيع أن تحاكيها، النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بالنسبة للناس التي تعظمهم أو لازالت تعظمهم، شخصيات راقية جدًا موجودة في ” باترينات إزاز ” نحن فقط ننظر إليهم، لكن ليست حياة إنسانية نحاكيها، ولا نماذج من الممكن أن نطبقها بعد القرون المتتابعة التي مرت على الدنيا والزمان والناس، نحن كيف نفكر؟ ولذلك للإسف أن المعروض من الدين،يدل على عدم استقراء الدين استقراءً عميقًا حقيقة، للأسف، يعني معظم النماذج التي تتكلم أو تطرح، تطرح صورًا سطحية وصور هشة وليست حقيقة مثل التي نأخذها من السيرة، هناك فرق كبير، هذا مبني على أن المتلقي والملقي كلاهما إلا من رحم الله لم يتعامل مع الدين بالتعظيم والتقدير الذي يستحقه، أنه يحتاج إلى مجهود كبير جدًا لكي يفهم الإنسان ويستوعب حقيقة الدين أو حقيقة النموذج، في نفس الوقت الدين قد انحصر من المجتمع من فترة كبيرة، يعني زمان كان عندنا الشعراوي والغزالي الله يرحمهم هؤلاء كانوا ناس بتوع عامة، بيتكلموا مع الناس، قريبين من الناس، حتى لو في التليفزيون لكنهم يتكلمون مع الإنسان العادي في المجتمع يضخون دين في الإطار العام المجتمعي، الناس كلهم سواء المثقف أو النصف مثقف أو الذي نسميه عامي، هناك دين يضخ، وشخصيات لها وزن وقدر معين ذهبت، ثم لم يخلفهم مثلهم، لماذا؟ لأن الدين تحول بعد مرحلة إلى ” كانتونات ” ، يعني شلل وجماعات صغيرة، كل جماعة مغلقة على نفسها، ولها مرجعيتها ولها شيوخها، طب خارج ” البرطمانات ” الناس اللي بره في الشارع، لا أحد يتكلم معهم، لا يوجد خطاب يوجه للناس أصلًا، طب وبعدين جائت الفضائيات، هذه الفضائيات هل نجحت أن تعوض نموذج الغزالي والشعراوي وهؤلاء الناس؟ لأ؟ طب لماذا؟ مع أنه كان هناك فرصة كبيرة لهذا، هي كانت في النهاية برامج ربات البيوت، لا يوجد فرق بين الحلقة الوعظية وبين الحلل اللي الناس بتتفرج عليها، لماذا؟ لماذا لم يصل الخطاب بالقدر الكافي أو بالقدر الذي من المفترض أن يصل لهم؟ لابد أن يكون هناك إجابة، لابد أن نعرف أين نحن الآن، وأين مشكلاتنا وبالتالي ماذا نصنع؟ لا يمكن أن يعيش المجتمع بدون الله لا يمكن أن يعيش بدون دين، لكن لكي يعود المجتمع إلى الدين، لابد أن يكون الدين الذي يعيشه المجتمع هو الدين حقيقة الذي أنزله الله، وليس نماذج بديلة أو نماذج مجتزأة، أو نماذج مريضة، في النهاية القرآن هو الذي يصنع الإنسان، النبي صلى الله عليه وسلم هو الشخص الذي يمثل الإنسان فعًلا وهو الذي يعرف ما يعني إنسان، وهو الذي يعلم كيف يبنى الإنسان، كيف يصنع إنسان؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين.
آخر كلمة: تذكر الشيطان، نحن تكلمنا قبل ذلك كثيرًا، عن قصة الإنسان مع الشيطان، سنحتاج أن نعيدها، لكن أنا الآن أريد أن أركز على نقطة، أننا في أول مشهد تكلمنا عليه الشيطان أخذ قرارًا أنه يتعامل بالعداوة مع الإنسان، وضع نفسه في إطار المنافسة وفي إطار العداء مع هذا الكائن، خاصة لما أمر الله الملائكة وهو شاهد معهم بأن يسجدوا لآدم، هو اعتبر أن هذا نوع من الرفع والتقدير لهذا الإنسان فوق منزلته، هو يرى ذلك، وأنه أرقى من هذا الكائن منزلة، واتخذ قرار العداوة ما بقي في هذه الحياة يومًا، نحن الآن عندنا رسول صلى الله عليه وسلم يعلم معنى الإنسان، ويحاول أن يصنع الإنسان، وهناك شيطان يعلم أيضًا معنى الإنسان ويحاول أن يهدم الإنسان قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ طب كل الناس؟ لأ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ في ناس في حصن الله سبحانه وتعالى في حصن الإيمان هذا هو الشيء الوحيد الذي ينجي من الشيطان، طب ماذا يصنع الشيطان؟ الشيطان يقسم الناس إلا قسمين، قسم يستطيع أن يسيطر عليه، وقسم لا يستطيع، وله استراتيجية هنا، وله استراتيجة هنا، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ هذان قسمان، أهل تقوى، وهل أهل التقوى هؤلاء يسلموا من الشيطان بالكلية؟ لا، لا يوجد أحد يسلم من الشيطان بالكلية إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ ما معنى طائف؟ الطائف هذا يعني أحد يطوف حول مكان ويتلمس الثغرة، وينتظر لحظة الضعف ولحظة الشهوة ولحظة الغضب ولحظة الغفلة التي تعتري الإنسان، لكي يدخل إليه ويخترقه، طيب إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ بعدما يطوف لابد أن يجد نقطة الدخول إلى الإنسان، فإذا وجدها يمس الإنسان، فلما يصاب الإنسان يتذكر أنه قد خرج خارج الحصن الإلهي فأصيب، فيريد أن يرجع، تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ طب لماذا هو مبصر؟ لأن عنده آلية للفهم والإدراك، يفهم حقيقة الصراع، متخيل، فاهم إيه الموضوع فعارف هيعمل إيه؟ طيب الفريق الآخر، هؤلاء أصحاب الشيطان ” أنتيم الشيطان ” ولذلك قال الله تعالى: شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ قلنا يعش يعني إيه؟ يعني يعمل نفسه مش شايف، فما هو جزاء ذلك نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ صاحبه وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ لكن بعد فوات الأوان وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ.
طيب الشيطان مع الفريق الأول بيعمل إيه؟ يهدم ويكمم، ومع الفريق الثاني يدعم ثم يندم، هذه هي خلاصة الموضوع، الشيطان يقسم الناس إلى قسمين القسم الذي يحاول أن يقترب من الله ماذا يصنع معه؟ يهدم، أي يحاول أن يكسر فيك، يضعف الإنسان، يشدد عليه بالوساوس لأنه لابد أن يكسره، لا يزال يضغط عليه حتى يحسسه بالضعف أو بالإحباط أو باليأس عبر الضغط المستمر، يبقى هو يهدم بنيان الإنسان ويدمر طاقته النفسية، هذا جانب، والجانب الآخر، يكمم، أي يخيف الإنسان من أن يسلك مسلك الحق أو يصدع بكلمة الحق، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ هذا هو القسم الأول، يبقى ماذا سيفعل؟ يريد أن يهدم بنيان الإيمان الداخلي ويريد أن يكمم أفواه المؤمنين من داخلهم لا من خارجهم، طيب والفريق الآخر، بيدعم، لذلك سيدنا عمر بهذا نستطيع أن نفهم لماذا يقول: اللهم إني أعوذ بك منن جلد الفاجر وعجز الثقة، بيقول أن الإنسان الثقة المحترم فيه عجز وضعف، والإنسان الفاجر عنده جلد، لأن الشيطان هنا يعطي التدعيم وهنا يعطي التهديم، بيدفعه، يعني هناك أشياء بالمنطق لا يستطيع أن يفعلها، لكن تره لديه الدافعية القوية بهذا الاتجاه، وبعد ما يدعم؛ يندم، كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ قريش في بدر وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً لا يزال يدفع الإنسان إلى الشر ثم فجأة ينسحب، فينهار أيضًا، هذه هي الصورة، أنا كائن أجوف أنطوي على كثير من عناصر الضعف، الله سبحانه وتعالى هو الذي سيبين لي حقيقتي وماهيتي، وهو الذي يرشدني إلى ما أفعل لأجبر النقص وأعالج الضعف، وجهني إلى الإيمان والارتباط بالله سبحانه وتعالى واللجوء إليه وتلقي التدعيم الإلهي، هو الذي يبني الإنسان ويملأ التجويف الداخلي، الذي هو الهوى أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً هذا الهواء مسرح الشيطان، كلما يبث الإنسان الإيمان في قلبه كلما يخرج ويضعف هذه الأهواء، لكن لابد أن يدرك الإنسان أن في مقابلة هذا هناك الشيطان، وهذا الشيطان له خطة وله أسلوب، ولذلك يضغط الشيطان أكثر على الإنسان الأصلح وليس الأفسد، ابن عباس حينما قيل له أن اليهود تزعم أنها لا توسوس في الصلاة، إحنا بنصلي معنرفش إحنا بنقول إيه، بتدخل وبتطلع مائة حاجة تيجي في دماغك، الواحد يبقى ناسي حاجة بقاله مائة سنة وأول ما يدخل في الصلاة يفتكرها، وأول ما أطلع من الصلاة أنسى تاني، فإذا هناك أسلوب وهناك طريقة ييتبعها الشيطان، فلما ابن عباس قالوا له أن اليهود لا توسوس في الصلاة، يعني يقولون إننا أحسن منكم، نحن نصلي ونركز في الصلاة وأنتم تصلون وتسهون في الصلاة، فإذً أكيد إحنا أحسن منكم، فماذا قال ابن عباس؟ قال: ما يصنع الشيطان بالبيت الخرب، هو هيوسوس له ليه؟ هو كده تمام، هو يوسوس لمين؟ للي عايز يكسره عن اللي هو فيه، يعني هو اليهودي ده لو استمر يصلي كده ليوم القيامة، ده جميل، ولذلك ضغطه على الإنسان كلما حاول أن يكون أصلح يكون أقوى وأشد، فما الحل؟ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ولذلك الذين ينصبون أنفسهم لخير أو لدعوة، يكونوا أكثر عرضة للشيطان، فلذلك هؤلاء أكثر حاجة للاعتصام بالله سبحانه وتعالى لأن ضغط الشيطان عليهم أكثر بكثير، لأن هؤلاء وضعوا أنفسهم في منصب قيادة وتوجيه، فلو أنا أسقطه، ” يبقى أريح دماغي من بلاوي كتير ميقعدش يأرفني ” ولذلك إذا لم يكن هؤلاء الناس مدركين لحقيقة الوضع الذي نصبوا أنفسهم له، ولا يعتصموا بالله على القدر الذي يتناسب مع وضعهم، لأن التدين الشخصي شيء وشخص يريد أن يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم هذا شيء آخر، فهو إذا لم يكن معتصمًا بالقدر المناسب لابد أن ينهار، فإذا انهار يكون انهياره فتنة لكثير من الناس من حوله، وهذه هي المشكلة، أن الإنسان أحيانًا بعد فترة معينة يشعر أنه وصل إلى مرحلة الكمال، أو مرتبة الأمن من الشيطان وبالتالي يغفل عن هذه القضية، ينشغل بما حوله، وينسى نفسه، فينهار، وهذا يكون أسوء ما يكون من الانهيار لأن ضرره ليس شخصيًا بل متعديًا إلى غيره، ولذلك الإمام أحمد حينما أتته المنية، كان يغمى عليه ثم يفيق، فلما يفيق، يشير بيده، ويقول: لا لا ليس بعد، ويغمى عليه مرة أخرى ثم يفيق ويكرر نفس الكلام، فابنه سأله بعدما أفاق: أنك تشير بيدك وتقول ليس بعد؟ فقال: إن الشيطان أتاني وقال يا أحمد فتَّني فتَّني، هربت مني لم أستطع أن أصيبك أو أضلك، طول عمرك أحاول أطاردك لم أستطع أن أصنع معك شيء، فأقول: لا لا ليس بعد، يعني إيه ليس بعد؟ يعني إلى أن تخرج الروح من الحلقوم، ليه؟ ما هو لو قالي دلوقتي فتَّني، وبعدين أنا قلت أه فعلًا، فأنا بذلك أُصاب بالعجب أو الغرور أو أنسى هذا من فضل الله أو أظن أني أقوى من وساوس الشيطان فأنهار في لحظة، فالشيطان يسير مع الإنسان إلى النهاية، ولذلك ورد في بعض الكتب أن الشيطان ربما يأتي للإنسان في صورة أبيه أو أمه في حالة الوفاة، فيدعونه إلى اليهودية أو إلى النصرانية، يتمثل في صورة أبيه، ويكلمه عن بره له وحبه له فينصحه، ويقول له أني بعدما مت اكتشفت أن النصرانية أحسن فادخل في النصرانية أو أمه تأتي إليه وتقول له أني رأيت اليهودية أفضل فادخل في اليهودية، هو مركز مع الإنسان إلى آخر لحظة، ولذلك إذا لم يعتصم الإنسان بالله في كل لحظة هو في محل خطر عظيم، طيب ما هو الحل؟ بسيط جدًا يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان ويلجأ إلى الله، يدخل في حصن الله وفقط، فالإنسان تصميمه هكذا، خلق لكي يفتقر إلى الله، هذا هو كل الموضوع، هذه هي تركيبة الإنسان، لماذا هذه التركيبة؟ عشان غصبًا عنه يروح لربنا، إحنا بنغلس على نفسنا، يَا أَيُّهَا النَّاسُ كل الناس مؤمن وكافر وبر وفاجر أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ محتاجين إلى الله في كل لحظة وفي كل ثانية وَاللَّه وحده هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ على فكرة إحنا ليس لنا قدر عند الله إلا بالإيمان إلا باللجوء إلى الله هذا من رحمة الله بنا إن هذه هي تركيبتنا لكي لا نكون مثل الشيطان، يشعر أن قائم بنفسه، لا، ليس قائمًا بنفسه، الله سبحانه وتعالى هو القيوم وهو القائم بنا، فنلجأ إلى الله في كل لحظة، ولذلك قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ يعني إيه يعبدون؟ يعني يلجأون إلى الله في كل وقت، يرتبطون بالله في كل وقت، يلتمسون مرضاة الله في كل وقت، من رحمة الله أن جعل تركيبتنا بفطرتنا تحتاج إلى الله، وتشعر بوجوده.
فإذًا نحن لماذا لا نلجأ إلى الله؟ لا يوجد أحد في الضراء لا يلجأ إلى الله، لكن في السراء؟ قال صلى الله عليه وسلم: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، هكذا هي، نحن نحتاج أن نرتبط بالله لأن هذه تركيبتنا، هذه حقيقة بنيتنا التي خلقنا عليها، لابد أن نرتكن إلى هذا الركن الركين، الإنسان دائمًا يكون مرتبطًا بالله سبحانه وتعالى، لن يستطيع أن يعيش بدون هذا، ومهما حاول أن يعاند لابد أن تأتيه لحظة لابد فيها أن ينهار،أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نسألك حبك، اللهم إنا نسألك حبك، اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضليين.
اللهم اشف مرضانا اللهم ارحم موتانا، وأهلك اللهم أعداءنا، ولا تخيب اللهم فيك رجاءنا، اللهم اختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك.
اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه.
اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه.
اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راكدين، ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين.
أقولي قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.