إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ثم أما بعد :
لازلنا مع ذكر يوسف عليه السلام، وما كان لنا في مقامنا هذا أن نقص قصصا أو نحكي حديثا وإنما هي العبرة والعظة والمنهج والسبيل قال الله تبارك وتعالى وهو يختم هذه القصة في كتابه العزيز قال تبارك وتعالى لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ….
الله سبحانه وتعالى ذكر أنه إنما قص هذا القصص وإنما أخبرنا تبارك وتعالى بهذه الأمور لحكمة بالغة وكلا نقص عليك من أنباء ارسل ما نبثت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة .. تبارك وتعالى قال في سورة الأنعام وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آباءهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين أولئك الذين هدى الله
هؤلاء المذكورون ومن آباءهم وذرياتهم وإخوانهم أولئك الذين امتن الله عز وجل عليهم بهذه المنة العظيمة وهذه النعمة الجليلة أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده .. قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرا للعالمين، الله تبارك وتعالى بعدما سرد أسماء هؤلاء النبيين ذكر أن هؤلاء هم أهل الهداية وأن الله تبارك وتعالى إنما قص علينا هذا القصص لكي نهتدي بسيرهم ونتعظ بحديثهم
كنا في الاسبوع الماضي مع يوسف عليه السلام وإنما مرادنا ليس سرد قصته، وإنما أن يظهر لنا يوسف عليه السلام .. على أنه القدوة لمن اراد أن يقيم دينه ولمن أراد أن يأخد الناس إلى طريق الله تبارك وتعالى .. كيف هو؟ .. وكيف يكون؟
فذكرنا أولا أن يوسف عليه السلام هو مثال لإلتزام المبدأ، والثبات على حق يعتقده، وأنه على استعداد لأن يضحي في سبيل هذا الحق الذي يعتقده والذي يدين به لله تبارك وتعالى.
هذا هو أول منارات، وأول معالم طريق يوسف عليه السلام .. أنه كان قبل أن يكون مثالا لقومه وقبل أن يكون داعية بلسانه كان مثالا لإلتزامه بهذا المبدا الذي يدين به لله تبارك وتعالى. فيوسف عليه السلام رفض أن يحيد عن الطريق الذي يرتضيه الله تبارك وتعالى رفض أن يستجيب للإغراء، وأن ينثني للتخويف وللتهديد. ثم هو عليه من الله الصلاة والسلام. إذا به يلتجيء إلى الله تبارك وتعالى. معلما إيانا أن الإنسان – أي إنسان – لا استقامة له على مبدأ، ولا قدرة له، على مقاومة المغريات إلا بعون الله عز وجل وتثبيته، فالتفت في هذه اللحظات الحرجة التي تتزلزل فيها القلوب تحت ضغط الغواية والإغراء وتزيين الشيطان وأن يكون كل من حولك من الناس إلفا واحدا كلهم يدعونك إلى معصية الله تبارك وتعالى ويزينونها لك، حين إذن يلتفت عنه بقلبه وقالبه ويتوجه إلى الله تبارك وتعالى قائلا: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصبو (أي أمل) إليهن وأكن من الجاهلين .. فهو هنا يستغيث بالله تبارك وتعالى يستجير به سبحانه وتعالى أن يحفظه وأن يقيه هذا الكيد وهذا المكر، فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم هذا هو أول طريق يوسف عليه السلام.
ظهر للناس بصورة الرجل الذي يضحي في سبيل دينه، في سبيل الحق الذي يعتقده، في سبيل تحقيق مرضات الله تبارك وتعالى، وأنه يهون عليه كل شيء في سبيل مرضات ربه تبارك وتعالى ثم كانت المحنة فترتب على هذا الإلتزام بالمبدأ ترتب على هذا الإصراف عن طاعة هؤلاء النسوة أن استخدمن سلطانهن، استخدمت إمرأة العزيز سلطان زوجها الذي كان يعلم حين زج بيوسف عليه السلام إلى السجن أنه مبرأ منزهه مطهر من هذه الفرية التي افترينها عليه ومع ذلك زج به في السجن طاعة لأمر إمرأته. فأول ما عرف الناس يوسف عرفوه صاحب محنة في سبيل حق يعتقده. وفي سبيل دين يدين به لله تبارك وتعالى.
ثم عرفوه ثانيا لما قاربوه ولامسوه في السجن على أنه نموذج البر والإحسان والرحمة والخير لعباد الله تبارك وتعالى أيا كان حالهم وأيا كان وصفهم حتى لو كانوا من أهل السجن الذي هو محلة ومظنة الريب والتهمة للعباد نبإنا بتأويله إنا نراك من المحسنين سمعوا عنه أولا ثم قاربوه و لابسوه تانياً فوجوده حقيقا لهذا الذي سمعوه عنه و راوه خيراا مما سمعوا عنه.
وكما قلنا في المرة السابقة أنهم إتجهوا إليه بعدما راوا بره و إحسانه فهم رأوه أولا سكنوا إليه فلما سكنوا إليه إتجهوا إليه لكي ينبأهم بعلمه وت أويله ما أشهد عليه وحينئذ تأتي النقطة الثالثة والمعلم الثالث وهو نسبة يوسف عليه السلام لكل خير و كل فضل كل بر لله تبارك وتعالى وحرصه علي أن يربط الناس بالله تبارك و تعالى على أن يعرف الناس بربهم علي أن يذكر الناس بفضل الله عز وجل عليهم قل هذه سبيلي أدعوا إلي الله على بصيرة هذه الأيه أيضا أتت قبل ختام هذه السورة ببضع أيات فالله سبحانه و تعالى في ختام السوره يبين لنا ويوضح لنا مقاصد هذه السورة العظيمه والرسائل التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تبلغنا من خلال هذه القصة قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة انا ومن إتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين الله عز وجل يأمر نبيه صلى الله عليه و سلم أن يبلغ هذه الرسالة إلي الناس قل هذا هو طريقي الذي ادعو إلى الله تبارك و تعالى لا ادعوا إلى شئ اخر ادعوا إلى تبارك وتعالى وحده أذكر الناس بالله وبفضل الله عز وجل وبره وإحسانه أربط قلوب العباد بربهم تبارك و تعالى، أدعوا الناس أن يقتربوا من ربهم قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة بعلم وفهم وحكمة أنا و من اتبعني فكل من كان متبعاً لرسول صلي الله عليه و سلم حقاً عليه أن يكون على هذا الوصف أدعوا إلى الله على بصيرة انا و من إتبعني ثم ذكر مضمون هذه الدعوة و سبحان الله تنزيه الله عز وجل و تعظيمه وما أنا من المشركين البعد عن الشرك وكل انواعه و صوره ومعاداة المشركين بلأعمال لله تبارك و تعالي يا صاحبي السجن أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها انتم و أبائكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون
ثم كانت الرابعة لا يوبخ و لا يأنب و لا يثرب فلما خرج هذا الساقي وورا باب السجن و جعله وراءه ظهريا نسي يوسف عليه السلام و نسى بره و إحسانه وأن يذكر أمره للملك كما وعد يوسف عليه السلام ومكث على هذا مدة طويله ثم أخبر الله تبارك و تعالى أن الملك رأى رؤية فكان هذا مذكرا للرجل بيوسف عليه السلام وهنا نقف وقفة مع السورة وأن الله عز وجل جعل هذه الرؤيا معلماً أساسيا في حياة يوسف عليه السلام فكان أولها أن قص الرؤيا على أبيه و هو صغير قبل أن تحدث له كل هذه المحن وكل هذه الشدائد إني رأيت أحدا عشرة كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين كان هذا بداية أمره وأستشف أبوه من هذه الرؤيا أن هذا خير و رفعة ليوسف عليه السلام وأخبره بألا يقص رؤياه علي إخوته وعلل ذلك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين فأنهم سوف يحسدونه إذا علموا بهذا الأمر ويكون هذا الحسد حاملاً على إيذائه ربما، ثم ظهرت معنا الرؤيا مرة أخرى حينما رأى الساقي والطباخ الذين كان متهمين في وضع السم للملك رأي كل منهما رؤية فعبرها يوسف عليه السلام لهم فكان هذا التعبير وما وقع في قلب الساقي من علم يوسف عليه السلام هو المقدمة لكل ما حدث له من خير بعد ذلك حينما جاءت الرؤيا للملك وهي ما رأها علي مدي ثلاثة أيام فكان يوسف عليه السلام غض بطرفه عن تأنيب هذا الرجل الذي نسيه ولكن شرع في تعبير هذه الرؤيا التي جاء بها هذا الرجل ولم يطلب على هذا أجراً ولا جزاءاً ولا شكوراً هو يقدم الإحسان ولا ينتظر من الناس أن يحسنوا إليه أو ان يشكروه و لم يقل للساقي حينما أتاه بل إجعلني أنا أشافه الملك بهذا التعبير، كان عليه أن يطلب أن يخرج من سجنه ويقابل الملك ويعرض الملك عليه الرؤيا فيشافه يوسف عليه السلام بتعبيرها بل تكلم يوسف عليه السلم مباشرة فقال تزرعون سبع سينين دأيا فما حصدتم فزروه في سنبله إلا قليل مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبعا شدادا يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون
وهنا يوسف عليه السلم لم يكتفي بما طلب منه و تعبير هذه الرؤيا ولكن بين لهم المخرج لكي يخرجوا من هذه الأزمة التى سوف تحل بهم فهو لا يكتفي فقط ببيان ما سألوه عنه بل يضيف إلى ذلك نصيحة و توجيها، كيف يخرجون الناس من هذة المحنة التى سوف يقعون بها، و هذا من عظيم إحسانه صلى الله عليه و سلم.
ثم تأتى بعد ذلك قضية أعظم وهى أن يوسف عليه السلام يرفض أن يخرج من سجنه حتى تظهر براءته وحتى تنتفى هذه الشبه التى أثيرت عنه وقد ذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تعجب من حلمه وصبره عليه السلام وأنه لو كان فى مكانه لأجاب الداعى أى كان قد خرج لملاقاة الملك وسأله وطلب منه أن يفتح ملف التحقيق فى قضيته التي رمى فيها بالزور والظلم و البهتان و قال الملك ائتونى به فلما جائه الرسول قال ارجع الى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن ايديهن ان ربى بكيدهن عليم
فاذا إن برائته وإن طهارته وإن سمعته هى أثمن و اعز عنده من حريته، هو يؤثر بقاءه فى هذا المكان و هى شدة ومحنة عظيمة يؤثر بقائه فى هذا المكان على أن يخرج منه وحول سمعته شبهة، فلما تجلت حقيقة أمره ولقى الملك وجعل له الملك المكانة والمنزلة لم يطلب أى مطلب شخصى بل كان كل مطلبه وجل همه وغايته أن يجعله الله عزوجل سببا لإخراج الناس من هذة الضائقة كان بإمكان يوسف عليه السلام ان يطلب كأقل شىء أن يطلب تعويضاً عن هذه المدة التى لبث فيها فى السجن ظلماً و زوراً و عدواناً، أقل شىء قضية تعويض أو أن قصراً يأوي إليه و قد جعله الملك مكيناً اميناً له عنده مكانة و منزلة أن يطلب راتباً يجرى عليه، أن يطلب أن يستقدم أبوه وأخوه إلى جواره ! هو لم يفعل من ذلك شيئا و لم يطلب من هذه المطالب أدنى مطلب وإنما قال اجعلنى على خزائن الارض انى حفيظ عليم ويكأن يوسف عليه السلام من حين أن عبر هذه الرؤيا بقى مشغولاً مهموماً بحال الناس وما سوف يقع عليهم من ضوائق فى هذه الأيام المقبلة ورأى من نفسه صلى الله عليه و سلم أنه بفضل الله عز وجل وعلمه الذى آتاه إياه هو حقيق وجدير بأن يخرج الناس من هذه الضائقة بوصفين أساسيين الحفظ و العلم، الحفظ هى الأمانة والعلم هى القدرة على الإدارة وقدم الحفظ على العلم لأنه فى هذا المحل أولى وأفضل، هو سوف يستلم هذه الخزائن و الأموال سوف تكون كلها بيده وتحت تصرفه وتحت حكمه فلابد أن يكون حفيظاً أولاً قبل أن يكون عليماً ثانياً لأن عاقبة ضعف العلم هو شىء من التضييع والتفريط أما إذا ضاعت الأمانة .. أما إذا ضاع الحفظ فقد ضاعت الخزانة بكل ما فيها قال اجعلنى على خزائن الارض انى حفيظ عليم فبين لنا صلى الله عليه وسلم أن لهذا المنصب مقومات لابد من توافرها مقوم الأمانة أولاً و مقوم العلم والخبرة ثانيا إن خير من استأجرت القوى الأمين، قال اجعلنى على خزائن الارض انى حفيظ عليم وكذلك مكنا ليوسف فى الارض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء و لا نضيع اجر المحسنين و لأجر الآخرة خير للذين امنوا و كانوا يتقون
الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
فى هذه الآية ذكر الله تبارك وتعالى تمكيناً فإذا رجعنا إلى الوراء قليلاً وجدنا الله تبارك وتعالى يقص علينا فيقول و قال الذى اشتراه من مصر لأمرأته اكرمى مثواه عسى ان ينعنا او نتخذه و لدا و كذلك مكنا ليوسف فى الأرض و لنعلمه من تأويل الأحاديث و الله عالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون
فى الآية الآخرة التى ذكرناها نحن نعى ونعقل هذا المعنى أن الله عز وجل قد مكن ليوسف عليه السلام بعدما قال له الملك إنك اليوم لدينا مكين أمين هذا مفهوم هذا تمكين مفهوم أما ان يأخذ يوسف عليه السلام عبداً مملوكاً بعد أن كان حراً فى جوار أبيه فيسمى الله عز وجل ذلك تمكيناً فهذا أمر عجيب، هذا الآخر مفهوم نحن نرى بأعييننا أن يوسف عليه السلام قد مكن الله عز وجل له أما ها هنا فهو قد انتقل الى حال أسوأ من الحال التى كان عليها أولا هو كان حراً مكرماً فى جوار أبيه الذى يحبه ويحنو عليه ثم أخذ من الجب فبيع عبدا و شروه بثمن بخس دراهم معدودة و كانوا فيه من الزاهدين فالله تبارك وتعالى جعل هذه النقطة هى بداية التمكين، أن مكن الله عزوجل له من قلب هذا الموقف ثم اضاف إلى ذلك سبحانه و تعالى أنه سوف يتم له هذا التمكين بأنه يمن عليه بالعلم الذى يصل به إلى هذه الدرجة الذى هو علم التأويل وعلم تعبير الحديث الذى ذكرناه قبل أنه عبر الرؤيا فى السجن ثم عبر الرؤيا الثانية فى السجن أيضا فكان هذا العلم الذى آتاه الله إياه هو سلمه إلى الرقى وإلى التمكين فالله عزوجل يمن على عبده بما يحتاجه وبما ينتفع به وبما يكون به مقوم خيره ورفعته وفى الدنيا والآخرة فإذا بداية أن يمكن الله عز وجل لعبد من عباده المؤمنين المتقين الصالحين بدايته أن يمكن الله تبارك وتعالى من قلوب عباده فإذا تمكنت محبة الانسان فى قلوب الناس مع إحسانه وبره بهم كان هذا سبيلا إلى تمكينه بعد ذلك من الأمكنة ومن المناصب ويكون تمكينه حينئذ تمكينا للدين وإحساناً إلى عباد الله تبارك وتعالى فيوسف عليه السلام بهذه المقومات التى جعلها الله عز وجل فيه كان حقيقاً بأن يتولى هذه المكانة والمنزلة التى من الله عز وجل عليه بها.
فإذا بداية التمكين أن يمكن الله عز وجل للإنسان من قلوب الناس لكى يتخذ هذا وسيلة لأمرين الأول أن يدعوا الناس إلى الله أن يذكر الناس بفضل الله والثانى أن يقدم إحسانه وبره إلى عباد الله تبارك وتعالى كما قلنا أبرارا كانوا أو فجاراً مؤمنين كانوا أو كفارا لأن هؤلاء القوم انما كانوا على غير دينه وأنه لا سأل على هذا جزاءاً أو شكوراً إنما يفعله لوجه الله عزوجل.
ثم يقول الله تبارك وتعالى والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله عز وجل اذا اراد شيئا أو إذا قدر أمراً فإن إرادة الله عز وجل سوف تمضي ولا مغالب له تبارك وتعالى ولا راد لأمره ولا صارف لقضاءه وقدره سبحانه وتعالى فقد أراد تبارك وتعالى أن يجعل ليوسف عليه السلام الرفعة والمكانة والمنزلة فلابد أن يتم مراد الله عز وجل شاء الناس أم أبو والله تبارك وتعالى في سبيل ذلك في سبيل تحقيقه لهذه الغاية ربما رأينا كل الأحداث التي مرت بحياه يوسف عليه السلام تتنافى تماماً مع هذا المقصد وهذه الغاية التي أرادها الله عز وجل له.
هو رأى في الرؤية أولاً مايفيد أنه سوف يمكن الله عز وجل له وسوف يرفع قدره حتى يشهد له الناس جميعا بذلك بعدما رأى هذه الرؤية توالت عليه المحن والشداد التي لا تتناسب أبدًا مع هذه الرؤى ولذلك قال يوسف عليه السلام في خاتمة حديثه في هذه السورة ان ربي لطيف لما يشاء اللطف أن يصل الله عز وجل لمقصوده وغايته وحكمته بأسباب خفية لا يراها الناس ولا يطلعون عليها بل يرون ان الواقع على خلاف هذا المراد الإلهي تماما قال الله تبارك وتعالى في صدر سورة القصص ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون هذه هي ارادة الله لابد أن تمضي إراده الله ثم قال بعدها وأوحينا إلى أم موسى ان أرضعيه إذا بداية هذا التمكين لبني اسرائيل بداية هذا الزوال لملك فرعون انما كان بولادة موسى عليه السلام من ولادة موسى إلى خروجه من مصر كلها محن وشداد يمر بها موسى ويمر بها بنو إسرائيل معه ولكن الله عز وجل غالب على أمره لابد ان يتحقق مراد الله لابد ان يتم ما أراده الله عز وجل وإن رأى الناس الأمور تسير على خلاف ذلك والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولذلك ختم الله عز وجل هذه السورة بقوله وما أرسلنا من قبلك إلا رجلا نوحي اليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فـينظروا كيف كان ععاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخره خير للذين اتقوا افلا تعقلون حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين الله عز وجل جعل هذا هو خاتمة هذه القصة العظيمة ثم قال بعدها لقد كان في قصصهم عبرة
فهذه هي الخاتمة التي اخططت واختتمت بها هذه السورة وهذه القصة العظيمة الله عز وجل يبين انه أرسل رسله بالبينات وبالهدى وانهم قد كذبهم الناس واذوهم وسخروا بهم واستهزأوا وطال عليهم الامد على هذا الحال والوصف حتى اضطربت قلوب المرسلين واضطربت قلوب المؤمنين من اتباعهم من شدة وقع هذا البلاء عليهم حين إذن جاءهم نصر الله عز وجل فـنجاهم وأوقع بأسهم بالمجرمين فكما أن يوسف عليه السلام ويعقوب عليه السلام جعل الله عز وجل الخير المدخر لهم هو عاقبه محن متتاليه أراد الله عز وجل أن ينبه المؤمنين من أتباع المرسلين بأن وعد الله عز وجل لا يتخلف وأنه آتي لا محالة وأن الله عز وجل غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون كما قال الله عز وجل في سورة البقره في وصف المؤمنين من المرسلين واتباعهم انهم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا ان نصر الله قريب انا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ولذلك أكد يعقوب عليه السلام على هذا المعنى حين خاطب بنيه وقال يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيئسوا من روح الله انه لا ييئس من روح الله الا القوم الكافرون فلما استحكمت حلقات المحنة على يعقوب عليه السلام حين إذن جاء الفرج من الله تبارك وتعالى بعد أن فقد يوسف ثم فقد أخوه الشقيق ثم فقد أخاه الأكبر كل هؤلاء خلفوهم وراءهم في أرض مصر حين إذن جاء الفرج من الله عز وجل ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تاويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا بعد ما يزيد على ويربو على ثلاثين من السنين قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم إذا خلاصة هذه الكلمات أن هناك مثالاً للشخص الذي هو قدوة وأسوة وداعية إلى الخير رجلا صاحب مبدأ يصبر على مبدأه يضحي في سبيله يحسن إلى الناس بغير طلب جزاء ولا شكور لا يثرب ولا يعنف بل يقول لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين يتفنا في خدمة الناس والإحسان إليهم وخاتمه هذه الكلمات قول يوسف عليه السلام أنا يوسف وهذا اخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع اجر المحسنين إنه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين