إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ونحن نقرأ في فاتحة كتاب الله نستمع إلى ربنا تبارك وتعالى وهو يقول آمراً إيانا أن نستهدي وأن نستلهم هذه الكلمات الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ونحن اليوم نذكر طرفاً من ذكر الرحمة.
فأول ما نذكره أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتفضل على عباده بأن يعرفهم إياها وهذه نعمة من أعظم النعم، ولكننا ربما مع كوننا دائماً مغمورون بنعم ربنا تبارك وتعالى إلا وأننا وللأسف كثيراً ما نغفل عنها ولا نلتفت إليها.
فالله سبحانه وتعالى هو الذي تعرّف لنفسه، تعرّف لعباده ودنا إليهم وعرّفهم به سبحانه وتعالى وبآلائه وبنعمه وبصفاته لكي يدركوا جلاله وجماله وعظمته وجلاله سبحانه وتعالى.
ولولا ربنا تبارك وتعالى ما كان يمكن لعبدٍ أن يعرف ربه أو يتعرف على عظمته، وأنّى له بذلك، فتعريف العباد بربهم هو محض فضلٍ ونعمة من الله تبارك وتعالى وهدايتهم إليه سبحانه وتعالى هي أيضاً محض فضلٍ ونعمة من الله تبارك وتعالى، ولذلك سُئل رجلٌ من السابقين فقيل له بم عرفت ربك؟ كيف تعرّفت على الله؟ فقال: عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي.
لا يمكن للإنسان أن يتعرف على الله إلا بالله، هل يطيق العباد شكراً لهذه النعمة، وهل قمنا بشيء من حق هذه النعمة! لا أقول شكراً وإنما تعرفاً، لا نشكر نعمة التعرف وإنما نسعى لتحصيل شيء من هذا التعرف وقد أتاحه الله تبارك وتعالى إلينا ويسّره لنا.
فمن هذا التعرف؛ التعرف بهذه الصفات العظمى، يقول تعالى واصفاً نفسه أنه رب العالمين، ثم يثنّي فيقول: الرحمن الرحيم.
قد ذكرنا في بداية فاتحة الكتاب بسم الله وذكرنا أن ” بسم الله ” هي فاتحة كل خير، قد تلقّنها وتعلّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت شعاره في عمله وفي حركته وفي سكنته وذكرنا طرفاً من فضل ” بسم الله ” ومن قيمة ” بسم الله ” وأننا وللأسف كذلك لم نستطع أن نستوعب شيئاً من فضل ” بسم الله ” ولذلك تتعثّر علينا الأمور، ولذلك تضيق بنا الضوائق لأننا أحياناً نعرض أو نغفل أو نرفض منّة الله تبارك وتعالى علينا.
” بسم الله ” هي بداية واستفتاح لكل أمر، لكن استفتاح القرآن كان فيه تقرير وتأكيد لمعنى زائد.
فأنا عندما أقول ” بسم الله ” في بداية كل شيء، ولكن عندما أبدأ القرآن، لا أقول ” بسم الله ” فقط ولكن أقول ” بسم الله الرحمن الرحيم ” .
النبي صلى الله عليه وسلم في دخوله وفي خروجه وفي تعوّذه وفي طعامه وفي شرابه يستفتح ببسم الله، وعندما ذكرنا كلمة ” الله ” لفظ الجلالة العظيم ذكرنا أنه في ضمنه احتواء عظمة الأسماء جميعاً، هي داخل ” الله ” فعندما أقول ” بسم الله ” ضمناً أنا من المفترض أنني سأستحضر هذه المعاني العظمى ولذلك، نحن بالنسبة لنا سنقول ” بسم الله ” على مقدار ما نعرف ما تساوي أو ما تعني هذه الكلمة.
فهي وعاء وهذا الوعاء شبه فارغ وأنا على مقدار ما أملأ هذا الوعاء من المعرفة على طيلة الأوقات؛ تعلّماً وممارسة، على قدر ما أتأثر أنا بهذه الكلمة حينما أرددها.
إذن كل إنسان سيقول بسم الله على قدر معرفته بمعنى هذه الكلمة، على قدر معرفته بدلالة هذه الكلمة، على قدر معرفته بمقدار ما تعطيه من عطاءات وما تمنحه من منح وهبات.
وحينما جئنا إلى ذكر القرآن، ربنا سبحانه وتعالى لم يستفتحه ببسم الله وفقط وإنما بالتنصيص على الرحمن الرحيم، فإذا كانت الرحمة جزء مضمون بسم الله، فلماذا التنصيص عليها؟
عندما أذكر بعض أفراد العام وأخصصه بالذكر إذاً فأنا أريد أن أركّز عليه، قال تعالى قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ ثم وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ جبريل وميكال هؤلاء داخلين في جملة الملائكة أم أنهم شيء آخر، هؤلاء جزء من جملة الملائكة، فلماذا عطفهم ربنا سبحانه وتعالى عليهم، أفردهم بالذكر للتنصيص أو التذكير بعظمة هذين الملكين وبأن هذين هم المقصودان بالذكر بالأساس، لأن هذه الآية نزلت لأن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: من الذي يأتيك بالوحي؟، فهم وصلوا إلى أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عن أمور، وقالوا إنهم سيسألون عن أشياء لا يعلمها إلا نبي، أجاب عن كل الأسئلة، فماذا يفعلوا؟ ليس أمامهم حل إلا أنهم يخضعوا ويسلّموا يزعنوا، وبما أنهم يهود ولن يؤمنوا أصلاً، فلماذا جاءوا إذا كانوا لا ينون الإيمان؟ هم ذاهبون لكي يختبروا، فإذا نجح في الاختبار لابد أن يزعنوا، فهم قرروا الرفض، فلابد لنا من مخرج، فما هو المخرج،، سؤال صغير ” سؤال بره المقرر ” الأسئلة المقررة أجاب عنها، أما هذا السؤال خارج عن الموضوع،، سألوه: الذي ينزل عليك بالوحي جبريل أم ميكائيل؟،، فما علاقتنا؟ ما علاقتنا؟ ما علاقتنا بهذا الموضوع؟
فهل كان ينزل بالوحي غير جبريل قبل هذا؟ هل نزل غير جبريل على سيدنا موسى عليه السلام؟ جبريل عليه السلام هو الناموس عليه السلام هو الذي ينزل بالوحي ولا ينزل غيره بالوحي.
فسألوه هل ينزل جبريل أم ميكائيل؟ قال لهم: جبريل، قالوا: لا، لأن جبريل هذا ينزل بالعذاب، أما ميكائيل فينزل بالقطر والمطر والرحمة، فلن نؤمن، إذا كان ميكائيل نعم.
ما هذا؟ ما هذا؟! ناهيك عن العلم والمعرفة، من الذي يتدخل في إلزام الرب تبارك وتعالى بأن يرسل ما يريد ومن يشاء، ثم يء آخر: الذي ينزل بالعذاب أو بينزل بالرحمة هل يتنزل من عند نفسه وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا لكن هذا هو الإنسان عندما تلتوي نفسه، عندما يكون رافض،، رافض.
ما الذي يرفضه؟ رافض الخير أم الشر؟ هو رافض الرحمة، نحن الآن نتكلم عن الرحمة وأن سمة الكتاب وسمة النبي هي الرحمة، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال ” بسم الله الرحمن الرحيم ” في استفتاح القرآن، لماذا؟ لكي يبيّن سبحانه وتعالى أن خاصة الرسول صلى الله عليه وسلم وخاصة الرسالة أي الصفة التي تميّزها، الصفة العظمى التي تميّزها هي الرحمة، فلماذا يرفضون الرحمة؟، هذا هو الإنسان، لماذا يرفض الرحمة؟ هل الرحمة وهل النعمة وهل الإكرام يرفض؟ ولكي يرفضوا لابد أن يبحثوا عن علّة للهروب، فإذاً ربنا سبحانه وتعالى، أضاف هذه الصفة العظمى هاهنا ليبيّن أنما نزل الكتاب بالرحمة وللرحمة وإنما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بالرحمة وللرحمة.
فما موقفنا نحن من الرحمة؟ إذاً ربنا سبحانه وتعالى تعرّف إلينا برحمته ويرشدنا إلى أن الكتاب نزل برحمته وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل برحمته، إذاً تقبلنا للكتاب يساوي تقبّلنا لرحمة الله رضانا بالرسول يساوي تقبلنا لرحمة الله، وعكسه بعكسه،، الإعراض عن الكتاب هو الكفر بنعمة الله ورحمته، وكذلك الإعراض عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة حصر وقصر وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة ثم قال لِلْعَالَمِينَ لكن هؤلاء منهم من يتقبل ومنهم من لا يتقبل، لذلك نحن ذكرنا بين يدي هذه الكلمات في الجمعة الماضية موقف الناس من تقبّل البشارة والرحمة حينما تحدثنا عن موقف بني تميم وموقف أهل اليمن إذاء ما بشّروا به من الرحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن الآن نتكلم عن أن بني تميم وأهل اليمن كلاهما من أهل قبول الإسلام، بنو تميم هؤلاء لم يكونوا كفّار، بل كانوا مسلمين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدين إليه في جملة الوفود، إذاً الأزمة عندنا أننا نتكلم عن طائفتين من أهل الإسلام ومع كونهم من أهل الإسلام يوجد ناس تتقبل بشارة الرحمة، وناس يرفضوها، تعلّقاً وطلباً للفاني الزائل، هل هو إذا تقبّل البشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سيفوته شيء من متاع الدنيا أو من رزق ربنا فيها؟ هو لن يفوته شيء ولكن مثلما قلنا هي طبيعة النفوس والاهتمامات التي تتعلق بها النفوس والأشياء التي تستهدفها وتركّز عليها، هذه هي القضية؛ توجّهات النفس الإنسانية، إلى أين تكون ذاهبة؟
هذه الرحمة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءاً وجعل في الأرض ” أو قال ” أنزل في الأرض جزءاً واحداً فبه يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه “
أول شيء ما معنى الرحمة؟ نحن تكلمنا قبل ذلك عن الحب وقلنا أن الحب والرحمة كلمات أعظم وأوسع من أن يُعبر عنها، ومثلما قلنا أن من رحمة ربنا على الإنسان أن الكلمات العظيمة العميقة يجعلها فطرة في نفس الإنسان أي أنه يدركها بمجرد أن يسمعها، فنحن لم يُشرح لنا أبداً معنى الرحمة؟ لم تُشرح ولم يُشرح لنا معنى الحب، أبداً لم يشرحه أحد، لأنه لا يمكن أن يُشرح؟ لأنه إذا شرحه يضيقه وربما يفسده، لكنّ معنى الرحمة، هو معنى نحن نستشعره ونستوعبه نفسيّاً، أوسع من دائرة التعبير اللغوي.
إذاً دائرة النفس والوجدان أوسع من دائرة التعبير باللسان، دائرة النطق أضيق من دائرة النفس والقلب والروح والوجدان واتّساعها،، أضيق، لا تستطيع أن تُعبر عن كلمات معيّنة ولذلك ربنا سبحانه وتعالى جعلها فطرة في الروح، فهي لا تستطيع أن تُعبّر عنها، لكنها تستشعرها وتُحسّها وهذه سمة عامة لكل شيء، المفتروض أن تكون في أصل بنية الإنسان، موجودة ومستقرة.
هذه الرحمة التي لا نستطيع أن نعرّفها لغةً ولساناً من أين تأتي؟، النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن هذه الرحمة أنزلها الله من السماء، إذاً الرحمة هي جزء من المواهب الإلهية هذه ليس شيء نصنعه، ليست صفات نفسية، هذه مواهب إلهية، هذه المواهب أي منح من الله، نستخدمها كثيراً، فنقول: فلان هذا عنده موهبة، وللأسف بعد كلمة موهبة هي شيء الإنسان بيستعلي بها أحياناً أو يرى نفسه أعلى من غيره، فهو بذلك لا يفهم معنى كلمة موهبة
موهبة، موهبة: أي أنها موهوبة من الله ليست من عندي، فالمفترض تستوجب التطامن والخضوع والتواضع لله والشكر،، لا
فلان عنده موهبة فهو يتكبر على الناس، ثم عندما تسأل عن الموهبة، يقول: بيعرف يرقص….، بعدما تسأل عن الموهبة تسمع أشياء أصلاً لا تصلح، وهذا أيضاً يعكس كيف نفكر، ما هي الأشياء التي نعتبرها مزايا بيتميّز بها الإنسان، ما هي الأشياء التي نعتبرها أشياء يستعلي بها الإنسان على غيره، ما هي؟ ما معايرها؟
معظم الأشياء التي نتعامل أو نفكر فيها، لو الإنسان أمرها على فكره وتأمّلها لبرهة ربما يحتاج أن يعيد النظر في أشياء كثيرة.
فربنا سبحانه وتعالى أمسك تسعة وتسعين رحمة ليوم القيامة وأنزل جزء واحد من هذه الرحمة إلى هذه الأرض من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” بها يتراحم الخلق ” ليس الإنسان،، كل الكائنات التي خلقها الله، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم مثّل بالفرس وليس الإنسان،، الخلق، كل الخلق الذي خلقه الله، الرحمة التي يتراحمون بها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إنما أنزلت من الله.
إذاً هذه الرحمة منّة وهبة من الله، متاحة ومعروضة للناس، ولكن للأسف هناك أناس رافضة للرحمة، رافضة لاستقبال رحمة ربنا كنعمة، ورافضة تستقبل رحمة ربنا كخلق.
الآن هناك رحمة نعمة من الله، الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة، وهذه الرحمة نعمة، والقرآن رحمة، وهذه الرحمة نعمة، كيف نتعامل معها، قال تعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
وقال تعالى في وصف كتابه، قال وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ جئناهم، نحن لم نذهب لكي نأتي بالكتاب، نحن لم نسعى للكتاب، ربنا سبحانه وتعالى جاءنا به إلى بيوتنا، نحن لم نفعل شيء وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ ليس مجملاً، ليس به مجموعة جمل إجمالية ونحن سوف نحلل،، لا لا.
ربنا جعله وأنزله مفصّل، مفصل أي أنه به جواب تفصيلي، ليس إجمالي عن كل مسألة؛ علاج لكل جزئية وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فهذه الرحمة يتقبلها الإنسان، أو للأسف يحرم نفسه منها، كذلك الرحمة التي أنزلها الله عز وجل التي هي خلق وصفة نفسية يتقبلها الإنسان أو ربما يضيقق صدره عنها، فإذا تقبلها ماذا يكون، وماذا يكون إذا ضاق صدره عنها
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين، قال الله تبارك وتعالى أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ الموقف الهلامي غير الواضح وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ربنا سبحانه وتعالى أنزل الكتاب فجعل هؤلاء رزقهم منه، حظّهم منه نصيبهم منه التكذيب وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ الشيء الذي رزقتم إياه، هذا أنزل لكي نرزق منه الرحمة والخير والنعمة والهداية والسعادة في الأولى والآخرة، فهم ماذا جعل رزقهم من كتاب ربهم، ما حظهم ونصيبهم، ماذا أخذوا منه، ما نصيبهم؟؟ التكذيب، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ وهذه هي حقيقة الحرمان، كثير منّا للأسف جعل حظّه من الرحمة تكئة يتكئ عليها وهذا عكس العقل تماماً تماماً، الآن أنا عياذاً بالله أغرق نفسي في مخالفة الله، وفي تنكّب طريق الله، ثم أستند على سعة رحمة الله، نحن نفعل هذا، أو معظمنا للأسف يفعل ذلك، فالرحمة التي هي نعمة، الرحمة التي أنزلها الله لكي أستنفع بها، أنا جعلتها تكئة أنا أتكئ عليها لكي أخوض في الشقاء والتعاسة، ربنا سبحانه وتعالى لماذا أنزل الدين، أو لماذا أنزل هذا النور؟ لكي أتمتع بها، لكي أعيش بها في حياتي بشكل صحيح، أما أنا أغرق نفسي في التعاسة وفي الشقاء وفي الضلال وأجعل الرحمة تكئة على المخالفة، فلماذا؟
ولو افترضنا أن هذا الكلام صحيح، وأن الإنسان فعلاً يتكئ اتكاء صحيح وأن هذا الاستناد سينجّيه، ” ربنا رحيم ” يعني متى؟ عندما أقابله في الآخرة، عندما أقف أمام الله يوم القيامة، فربنا واسع الرحمة فسيشملني برحمته، سنسلم أن هذا حسن.
في أي سبيل أقول هذا الكلام؟ في سبيل أن أخلع نفسي من رحمة ربنا في الدنيا، فلماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ أنا الآن عندما أتنعم برحمة ربنا في الدنيا التي تساوي التزام هذا النور الإلهي، فأنا أنعم بالسعادة، أنا أؤمن بهذا، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ هذا في الدنيا مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى فأنا الآن الرحمة بدلاً من أن أترحم بها، بدلاً من أن أنتفع بها، وبدلاً من أن أنعم بظلال هذه الرحمة الوارفة، فأنا ركنتها وجعلتها تكئة للمخالفة وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ وهذه هي حقيقة الحرمان وحقيقة الخسران.
إذاً، الرحمة هذه نعمة،، هذه الرحمة موهوبة من الله، أنزلها سبحانه وتعالى لمن سيعطيها؟ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ قريبة ولكن ممن؟ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ولها سكة أقيموا الصلاة – أتوا الزكاة – أطيعو الرسول – لعلكم ترحمون،، ورحمتي،، قال قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا موصفون، ليس أي شخص فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ يطهروا نفوسهم، إيتاء الزكاة بمعناه العام ليس المال،، هذا جزء، هذا المال لكي يكمل التطهير خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا هذه الزكاة لكي تكمل التزكية، تطهير النفس فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بكل خير يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ التي تعرفه النفس ذات الفطرة السوية، وتحبه وتميل إليه، بدون أن يأتيها وحي وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ الأشياء التي نستنكرها، التي تنفر منها النفس السوية وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ يرفع وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ – الأثقال – وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
إذاً هذه الرحمة هبة من الله متاحة لنا كلنا، لكن لمن؟ للذي سيتقبّلها، قال صلى الله عليه وسلم ” الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ” وقال صلى الله عليه وسلم ” لا يرحم الله من لا يرحم الناس “
يقول أبوهريرة رضي الله عنه ” قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ رضي الله عنه وعن أبيه والأقرع بن حابس التميمي جالساً عنده، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ” من لا يرحم لا يرحم ” تبلغ القسوة حتى لأولاده.
إذاً سبيل الرحمة أن الإنسان يتقبّلها ويشكر ربنا سبحانه وتعالى عليها ويمارسها، فإذا مارسها أصبح من أهل الرحمة، فإذا فقدت الرحمة، ولذلك نحن في خطر شديد، لماذا؟ لأننا تجفّ لدينا ينابيع الرحمة يوماً بعد يوم، فلن نستطيع أن نعيش، لن نستطيع أن نعيش، حتى دنيوياً لن نستطيع أن نعيش، المجتمع التي تنضب فيه ينابيع الرحمة، فهذا المجتمع إلى زوال وإلى بوار، وهذه التي عنونّا بها، هذه هي الصفقة الخاسرة أن الإنسان يبيع رحمة الله تبارك وتعالى ويزهد فيها، وهؤلاء هم أصحاب القلوب البائرة التي لا خير فيها.
صفقة خاسرة وقلوب بائرة، نحن محتاجون للرحمة، نحن لا نستطيع أن نحيا بدونها، هذه الرحمة من أين؟ تنزل من الله على من؟ على من يتقبّلوها، كلما ازداد العبد قرباً من الله كلما ازداد رحمة ورأفة ورقة ولذلك كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وهو حقيق بذلك.
كلما ازداد معرفة وإيماناً كلما ازداد رحمة ورقةً ووداً وتواضعاً وإخباتاً.
فنحن أمامنا اختار من اثنين؛ نتقبّل النعمة، نتقبّل البشرى أو لا نتقبّلها، نحن أحوج ما نكون إليها ومثلما ذكرنا في هذه الكلمات التي مضتن كل شيء مفسّر في كتاب الله وفي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حقيقة الرحمة وتنزّلها، احتياجنا لها، الطريق لتحصيلها، العقبات التي تقف بيننا وبينها، ليس بيننا وبين ذلك إلا أن نتناول ذلك وهذه هي مشكلتنا، أننا قربين جداً من معين الخير وفي أيدينا وبمجرد أن نمد أيدينا سنأخذه، ونحن نراه ولكننا لا نأخذ الخطو إليه، وهذه هي الأمر الصعب الذي لابد أن نبحث له عن إجابة إذا كنّا نحن مقتنعين أو مؤمنين أن هذا هو معين الخير وأنه بين أيدينا، فلماذا لا نخطو إليه؟ لماذا؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة.
اللهم فارج الهم، اللهم فارج الهم وكاشف الغم مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما؛ أنت ترحمنا فارحمنا برحمة تغنينا بها عمن سواك، اللهم برحمة تغنينا بها عمن سواك، اللهم ارحمنا برحمة تغنينا بها عمن سواك.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا وتجمع بها أمرنا، وتلم بها شعثنا وتصلح بها غائبنا وترفع بها شاهدنا وتزكي بها عملنا.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك، اللهم إنا نسألك رحمة من عندك، تهدي بها قلوبنا، تهدي بها قلوبنا، تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمرنا، وتلم بها شعثنا، وتلم بها شعثنا، وتصلح بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكي بها عملنا، اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك، اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم