Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

قبو الأسرار

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد  ،،،

كنا نتحدث في الخطبة الماضية عن هذا الصندوق وقلنا ما الفائدة أو الثمرة العائدة على الإنسان من معرفة طبيعة هذا الصندوق، قلنا أن الصدر هو الوعاء الذي يحوي قلب الإنسان، والقلب كما أخبر – صلى الله عليه وسلم – ما يمكن أن نسمّيه جهاز التحكم الذي يتحكم في جوارح الإنسان قال – صلى الله عليه وسلم – ” ألا وإنّ في الجسد مضغة ” قطعة صغيرة من اللحم، هذه القطعة الصغيرة عليها مدار صلاح العبد أو مدار فساده عياذاً بالله، قال – صلى الله عليه وسلم – ” إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب “

إذاً الإنسان إذا كان يسعى لصلاح نفسه، أو يخشى من فسادها وما يترتب عليه من ضرر عليه في أولاه وفي أخراه فعليه أن يلتفت إلى هذه الرسالة الخطيرة المضمّنة في هذا الكلمات النبوية العظيمة ويحتاج أن ينتبه إلى خطورة هذه المضغة، هذه المضغة موجودة في وعاء، موجودة في قفص – نحن نسمّيه كذلك – هذا هو الصدر، فهذا الصدر ما علاقته بالقلب؟

فنحن تكلمنا الجمعة الماضية عن شيء من الهدايات الموجودة في كتاب الله فيما يتعلق بطبيعة هذا الصدر، فقلنا أول شيء أنه محلّ الوساوس وأخطر شيء يتهدد الإنسان هي وساوس الشيطان لأن الشيطان لا ينفكّ عن محاولة إضلال الإنسان وإغوائه بكل سبيل، قال تعالى إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ونحن قلنا قبل أن خطورة أمر الشيطان تتمثل في نقطتين أساسيتين، الأولى: الدأب، فهو ليس له وظيفة أخرى، والتفرّغ التام لمهمّته في إضلال العبد.

الثانية وهي الأكثر خطورة: التركيز والتخصص، أي: كل إنسان وكل به قرينه من الشياطين، وهذا القرين لا ينفكّ عن محاولة إغفال وإضلال الإنسان.

الأمر الآخر: بحثه عن المداخل التي يستطيع منها أن يدخل إلى العبد، فكل إنسان له طبيعة، كل إنسان له نقاط قوّة وله نقاط ضعف، كل إنسان في قلبه وفي صدره به ثغرات، إلام يسعى الشيطان؟ يسعى إلى أن يتلمّس هذه الثغرات ويدخل منها إلى الإنسان، ولذلك يوجد شخص من الممكن أن تكون طبيعته – وهذه هي الطبيعة الغالبة علينا – الأميل إلى شيء من التقصير وشيء من التواني وشيء من اتّباع الأهواء، هذا هو الغالب أن الإنسان يتجه للأسفل، لكن يوجد أشخاص ليسوا كذلك، يوجد أناس طبيعتها تميل إلى التشديد وتميل إلى المثالية، فهذا يتّجه إلى الأعلى، فهو لا يأتي إلى الشخص التي تتجه نفسه لأعلى أن ينزله إلى الأسفل، ولا يفعل العكس، مع الشخص الآخر هو يبحث عن الأمر الأسهل والمدخل الأنسب للشخص ويحاول أن يدخل له منه.

فإذا كان الشيطان يركّز مع الإنسان بهذه الدرجة، فلابد على الإنسان أن يكون على قدر من الوعي بما يجري في صدره لكي يستطيع أن يتعامل مع هذا، فلا يصح أن يكون الشيطان يركّز معي وأنا لا أركّز مع نفسي، أو أنه يعلمني جيّداً وأنا لا أعرف شيء، فإذا كان هناك فرق دراية وخبرة، سيكون في النهاية نهاية المعركة تنحسم عياذاً بالله لمصلحة الشيطان، فهذا الصدر هذا – ليس القلب – الصدر وليس القلب؛ هو محل الوسوسة.

من الذي يستقبل هذه الوسوسة؟ النفس الإنسانية، فما معنى النفس؟ فنحن الآن لدينا الروح، والنفس، والقلب، كل أمر من هؤلاء شيء، فهل نعلم هؤلاء جيّداً، يعني هل نحن لدينا ترجمات واضحة لهذه العبارات أصلاً، قال تعالى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا الإنسان في الحقيقة رغم كل هذا فالمفاتيح الأساسية لمعرفة نفسه هو لازال يجهلها، فهو فعلاً لا يعرف، فلولا هداية ربنا – سبحانه وتعالى – ولولا لجوء الإنسان لله فعلاً لا يستطيع أن يفعل شيء، لأنه فعلاً لا يفهم، حتى هذه التعريفات هو لا يعرفها، بل إن ربنا – سبحانه وتعالى – جعل أن هذه الروح سرّ من أسرار الله – سبحانه وتعالى – أنت لا يصلح أن تتعرف هي لك وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فنحن لا نعرف، لكن ما ندركه نحن أن هذه هي الشيء الذي يكتسب بها الجسد المادي الذي ليس به حياة أو حركة الحياة والحركة، حينما تبثّ أو ينفخ فيه هذه الروح، وأنها تؤهّل الإنسان بعد هذه الحياة الحسيّة أن يستقبل الحياة الروحية لأن هذه هي الصلة التي تصل الإنسان بربنا – سبحانه وتعالى – .

والنفس ما هي؟ هل هي امتزاج الروح بالبدن التي تحدث هذه الخلطة، ما هي الكينونة التي هي النفس، فما علاقة النفس بالقلب، فالذي نستطيع أن ندركه نوعاً ما؛ أن النفس مستقرّها في الصدر، وأن القلب هو وحدة التحكم في بدن الإنسان، فهي الوحدة الموجّهة ويوجد اتّصال ما بين النفس والقلب، وتوجّهات النفس إذا كانت سيئة إذا سيطرت على القلب تفسده وتوجهه إلى حيث الضلالة وإلى حيث الشقاء.

فالآن؛ أين تقع الوساوس؟ من يخاطب بها؟ يخاطب بها النفس، وقلنا أن النفس إذا استقبلت الوساوس الشيطانية واستقرّت فيها وأصبحت خواطر ثم تحوّلت هذه الخواطر والأفكار إلى إرادة وإلى توجّه، ربنا – سبحانه وتعالى – حينئذٍ ينسب الوسوسة إلى النفس نفسها وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ فأصل الوسوسة من الشيطان، طبيعة الشيطان أنه وسواس خنّاس، وقلنا وسواس معناها: أنه دائم الوسوسة هو لا ينفكّ عن هذا، أما خنّاس: أي أن الإنسان إذا ذكر ربنا – سبحانه وتعالى – واستعاذ من الشيطان يخنس ويهرب ويبعد، لكنه بعدما يبعد ينتظر لحظات الغفلة فيرجع لي مرّة أخرى، ولذلك الفعل وسوس هذا مبنيّ على التكرار، عمل مستمر ودائم، هو يتحيّن الفرص، يشام قلب الإنسان، ينتظر لحظات الغفلة، لحظات الهوى، لحظات غلبة الشهوة لحظات الغضب، فينقضّ على الإنسان إذا لم يستطع أن يدفعه فربما يتمكّن هذا من نفسه، فيقع فيما لا يرضي الله، ومن رحمة الله أنه لا ييئس الإنسان حتى إذا وقع في هذا أن ربنا – سبحانه وتعالى – جعل باب التوبة مفتوح دائماً للإنسان يستطيع أن يستدرك هذا ويستطيع أن يعالج، يعالج المواقف التي هي انعكاسات للمكنونات النفسية والأشياء الموجودة بداخل الإنسان، قلنا أن هذه هي الوساوس، فما الذي يقاوم الوساوس؟ العلم بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إذاً هذا الصدر هو المحل والمهبط الذي تنزل عليه الوساوس، والمحل التي تستقرّ فيه العلوم والمعارف، ووظيفة العلم أنه يدفع عن الإنسان الوسواس ويرشد الإنسان إلى السبيل.

قلنا أن الأخلاق والدغل إنما يستقرّ أيضاً في الصدر وتكلّمنا عن الغلّ وقلنا ما هو الغلّ؟ كل مشاعر الضغينة والشحناء، الحقد، الحسد التي تقع في نفس الإنسان نتيجة لتعامله مع الآخرين سواءً مواقف حدثت أدّت إلى وجود شيء من الضغينة في النفس، أو نظر الإنسان إلى الآخرين أنهم أوتوا من قبل ربنا – سبحانه وتعالى – ما لم يؤت، فهذا ما يسمى الحسد، فهذه الأشياء أين محلّها؟ محلّها في الصدر وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ وقلنا أن ربنا – سبحانه وتعالى – هنا يتكلم عن من؟ يتكلم عن أهل الجنة حينما يؤهلهم ربهم – سبحانه وتعالى – لدخول الجنة، هذا الكلام قلنا يكون بعدما يعبروا الصراط ويجتازوا محل الهلكة وحينئذٍ يوقفهم ربهم – سبحانه وتعالى – على قنطرة بين النار والجنة يتقاصّون مظالم كانت بينهم في الدينا حتى إذا ما هذّبوا ونقّوا – حتى إذا ما هذّبوا ونقّوا – أذن لهم بدخول الجنة، فربنا – سبحانه وتعالى – يعبّر عن هذا بأن ينزع ما في الصدور من الغلّ.

قلنا إذاً قلب الإنسان المؤمن ربما ينطوي على الغل لأن هذا نتيجة مباشرة لأشياء تجول في النفس أو مواقف تحدث، فما المطلوب منه؟ المطلوب منه أن يحاول – مثلما قلنا في نهاية الخطبة الماضية – يحاول أن يطهّر نفسه من هذا الغلّ، يتابعها، فإذا فعل هذا فنزع ما استطاع أن ينزعه، ربنا – سبحانه وتعالى – سينزع هو بنفسه ما بقي من الغلّ مما لم يستطع هو أن ينزعه، ولذلك ربنا – سبحانه وتعالى – قال وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا وقلنا أن هذا من عظمة البيان في كتاب الله، لم يقل الصدور هنا، قال وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ إذاً أين يقع الغل؟ يقع في الصندوق – الصدر – فإذا سار معه الإنسان وظلّ يكبر فأين سيدخل، وهذا طبيعي لأنه يتمدد، نحن قلنا القلب عبارة عن ماذا؟ عبارة عن جزء بداخل هذا الصندوق، هذا الصندوق يملأ بشيء، سيبدأ القلب يتشرّبها بعد ذلك، فتستقرّ فيه، وهذه هي الهلكة، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فربنا – سبحانه وتعالى – هاهنا أثنى على أهل الإيمان من السابقين الأولين وقال أن من بعدهم لكي يسلكوا سبيلهم وربنا يدخلهم في زمرتهم لابد أن يقولوا هذه الكلمات، والذين جاءوا من بعدهم يعرفون الفضل لمن سبقهم، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا بس وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ لماذا؟ لأنهم من مهّدوا لنا السبيل رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ إذاً التكبر أين محلّه، هو صفة من صفات النفس، التكبر عياذاً بالله صفة من صفات النفس فأين محلّه؟ ملحه في الصدر، إذاً هذا الصدر محل لمجموعة من المشاكل التي يحتاج الإنسان أن يتخلّص منها لئلا تلج لهذا القلب، ومحل العلم ومحل للوساوس

الصدر نحن سمّيناه اليوم ” قبو الأسرار ” محلّ أو المكان الذي يخفي فيه الإنسان الأشياء التي لا يريد أن يراها أحد، قال الله – تبارك وتعالى – قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ۝ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ

فربنا – سبحانه وتعالى – يخاطبنا قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ إذاً سرائر الإنسان أين يسرّها ويخفيها؟ يخفيها في هذا الصندوق، ولذلك من أخطر ما أنت قارئ قول الله – سبحانه وتعالى – يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ۝فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ربنا – سبحانه وتعالى – يوم القيامة يخرج هذه السرائر التي انطوت عليها النفوس، فإذا لم تكن ترضي ربنا – سبحانه وتعالى –

إذاً الصدر هو محل إخفاء الإنسان للأسرار، قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ إذاً أين كانت هذه البغضاء؟ كانت في الصدر، عندما كثرت وبدأت تضغط، بدأت تظهر ولا يستطيعوا أن يخفوها فتظهر ويتراءها الناس وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ إذاً هذه البغضاء مثلما قلنا في الغلّ هي محلّها هنا، هم ماذا يفعلوا؟ هم لا يعالجوها، فهذا هو الفرق بين الإنسان المؤمن وغيره، الإنسان المؤمن لا يحاول أن يطبّع العلاقة مع الأشياء السيئة، فهو يحاول أن يتخلّص منها، أما غير المؤمن؟ هو متماشي ومتعايش معها تماماً لكن هو يحاول أن الناس، الناس لا تراها.

فربنا – سبحانه وتعالى – يذكّر الإنسان أن ربنا – سبحانه وتعالى – هو العليم بذات الصدور يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ خائنة الأعين: النظرات التي ينظرها الإنسان ويحاول ألا يجعل الناس تنتبه إلى أين هو يطمح ببصره يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ فهذا، هذا الصندوق هو المحل الذي يخفي فيه الإنسان ما يريد ألا يطّلع عليه الناس، أين هذا الكلام؟ في الصدر الذي هو محلّ استقرار النفس وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ إذاً هذا الصدر الذي بداخله النفس هو المحل الذي يخفي فيه الأشياء التي لا يريد أن يراها أحد، والأشياء التي ربما تهلكه وترديه، ولذلك نحن قلنا قبل ذلك أكثر من مرة، أن المدينة – المدينة – انقلبت واضطّربت حينما أنزل الله – تبارك وتعالى – وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قلبت الدنيا، والصحابة جاءوا وجثوا على الركب – جلسة المتوسّل، المتضرّع – يا رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها – لا نستطيع – أن ربنا يحاسب الإنسان على ما يجول في نفسه لا يستطيع، ولذلك كان من رحمة الله قوله – صلى الله عليه وسلم – ” إن الله تجاوز لأمتي عمّا حدّثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم ” هذا من رحمة الله، إن لم يفعّل هذا فلن يؤاخذه ربنا – سبحانه وتعالى – عليه، لأن بذلك لن ينجو أحد.

ومثلما قلنا قبل ذلك كم كان الصحابة لديهم علم بطبائع النفس وكم كان لديهم تجاوب عالي مع القرآن، نحن قلنا أن هذه الآية – وعملنا قبل ذلك تجربة – فقرأنا هذه الآيات إلى أن انتهت السورة، ولم يحدث شيء أو نشعر بشيء، فهذه الآيات نحن حافظين لها ونقرأها، ولكننا لا نقف عندها مثلما وقف الصحابة، يوجد اختلاف أساسي بيننا وبينهم، هذا هو الموضوع، فهذه هي الأشياء التي نبحث عنها، هم عندما سمعوا الآية عملوا تنزيل واقعي للآية على حياتهم، فوجدوا أنه لن يصلح، ولكننا عندما نقرأ ربما نتبرّك، أو نطلب الحسنة أو الثواب لكنهم هم مدركون لماذا نزل القرآن، وأن ربنا – سبحانه وتعالى – مسائلهم عما خاطبهم به، ولذلك جاءوا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – مسرعين، فماذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ قال ” أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم سمعنا وعصينا، ولكن قولوا سمعنا وأطعنا ” فنحن نشعر أننا لا نستطيع، لا يصلح ايضاً، طالما قال ربنا هذا فواجب المؤمن التسليم ثم نرى الأمر بعدها، ففي النهاية رجاءً في كرم ربنا ورحمته، أنا أشعر أن هذا لا يستطاع، لكن لا يصلح إلا أن أقول سمعنا وأطعنا ” ولكن قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ” النبي – صلى الله عليه وسلم – إلام يوجّههم؟ يقول لهم أنهم لا يصلح لهم أن يستقبلوا أي أمر إلهي بأي صورة من صور التلكؤ حتى لو كانت العلّة علّة صالحة، فهم لا يعترضوا لكنهم مستشعرين أن هذا فوق الطاقة لا يصلح، ” ولكن قولوا سمعنا ” استجبنا ” وأطعنا ” سنمتثل قدر الإمكان وبعد ذلك – انظر إلى التوجيه النبوي – ماذا نقول بعدها ” غفرانك ربنا ” أننا ليس لنا رجاء إلا في عفو ربنا سبحانه وتعالى، في رحمة الله، في صفح ربنا عن الإنسان فماذا نفعل! ” غفرانك ربنا وإليك المصير ” فأنزل الله – سبحانه وتعالى – مصداق ذلك آمَنَ الرَّسُولُ ربنا جعل هذا هو الإيمان، هذا التسليم هو الإيمان آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّه حينما قالوا سمعنا وأطعنا هذه كانت حقيقة الإيمان آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ الموجِّه – صلى الله عليه وسلم – والموجَّه كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ربنا – سبحانه وتعالى – ثناءً عليهم وتعظيماً لما فعلوا ولما قابلوا به الأمر من الاستجابة نصّ على كلماتهم وأثنى عليهم بها أنهم قالوا حينما تنزّلت عليهم الآيات، أنهم قالوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ثم قال الله – تبارك وتعالى – لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا هل هذا نسخ، ما معنى النسخ؟ أي أن الآية كانت فعلاً ستحاسبهم على هذا وربنا – سبحانه وتعالى – خفّف عنهم أم أنهم خلطوا بين الوساوس والخطرات وما بين مستقرّات النفوس، فربنا – سبحانه وتعالى – لم ينزل نسخ أنزل تقرير للسنة التي تعكس الرحمة الإلهية، قانون عام لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أي شيء ليس في وسع،،، والتعبير بالوسع أوسع من الطاقة، فالطاقة هذه هي أقصى شيء ممكن يبذلها جهدك، أما الوسع فهذا هو ما تتسع له نفسك ولا تكون أنت في حرج أو في ضيق لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ثم أرشدنا ووجهنا – سبحانه وتعالى – أننا نتوجّه إليه بهذه الكلمات العظيمة رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ثقل أي ثقل، كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ هذه هي الهدايا والنعم التي كافأ بها ربنا – سبحانه وتعالى – المؤمنين حينما قالوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

بقي معنا أمرين متعلقين بهذا الصدر، أمرين غاية في الخطورة، غاية في الأهمية والخطورة، قول الله – سبحانه وتعالى – وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ هذا هو الأول،، فهنا ربنا – سبحانه وتعالى – يقول معقّباً على ما جرى في أحد ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً الأمنة هي الأمان، فيم تتمثل؟ في النوم، الشخص حينما يكون مضطّرب بأفكار أو مخاوف أو هواجس أو وساوس يكون من رحمة ربنا – سبحانه وتعالى – أن ينزل عليه من رحمته إغفاءة، – على فكرة حتى لو ثواني، حتى لو بيفقّر بس – حالته تتغيّر، الحالة التي كانت جاثمة على صدرك تشعر أنها زالت وتحسّنت قليلاً، ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً هذا الأمان فيم يتمثّل؟ نُعَاسًا لكل أحد؟ لا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ليس كل الناس وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ إذاً ربنا قسم المؤمنين قسمين، أناس ربنا رزقهم الأمان وأناس حرموا منه، فلماذا حرموا منه؟ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ يوجد أناس دخلوا في دائرة الاستنكار والاعتراض وعدم المبالاة بمصير النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فلا يهمّه إلا نفسه حتى لو هلك الباقون جميعاً، فالذي اهتمّ بنفسه ووقع في قلبه هذه الوساوس، ربنا – سبحانه وتعالى – عياذاً بالله أوكله لنفسه ومن هو غير ذلك، ربنا اختصّه بهذه النعمة وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا لو سمع كلامنا لم يحدث ما حدث قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ فلماذا الصدر بالابتلاء، ولماذا القلب بالتمحيص؟ هذا الصدر الآن به أشياء كثيرة مخفيّة، هذه الأشياء النخفيّة ربما أكون منتبه لها، وربما ألا أنتبه لها جيداً، فربنا – سبحانه وتعالى – بحكمته، بحكمته – سبحانه وتعالى – ورحمته يقدّر أقدار ويسوق أحداث ومواقف لكي يكتشف نفسه على الحقيقة، ماذا بالداخل، فالابتلاء هو الاختبار والإخراج لحقيقة ما في الصدور، ما حقيقة ما في الصدور؟ أمرين، يوجد أناس أهل إيمان، ويوجد أناس ليسوا كذلك، من هم ليسوا كذلك كانوا فاهمين للأشياء التي بداخلهم ويعرفونها جيّداً ولكنها خرجت في هذه المواقف، أما المؤمنين كانوا لديهم أشياء هم غير منتبهين لها فمن رحمة الله أنها تخرج لكي ينتبه لها لكي يبدأ في علاجها، فهذا هو ابتلاء الصدر؛ إخراج ما فيه، وإظهاره.

أما التمحيص؟ التنقية، إذاً ربنا – سبحانه وتعالى – لماذا قدّر هذه الأشياء، نحن قلنا لدينا هذا القلب بداخل هذا الوعاء، هذه الأشياء التي في الصدر حينما تتكاثر ماذا يحدث؟ تدخل إلى القلب، فربنا – سبحانه وتعالى – قدّر هذا لماذا؟ لكي يدرك الإنسان ما يجول في صدره، ولكي يسحب ربنا – سبحانه وتعالى – من رحمته الأشياء التي تخللت القلب من الأشياء التي لا يصلح أن تدخل في القلب المؤمن، ربنا – سبحانه وتعالى – هو الذي يقوم بتطهير وتنقية وتمحيص القلب المؤمن، أشياء دخلت بداخلها فلابد أن تخرج.

لأن ربنا – سبحانه وتعالى – أراد للقلب المؤمن أن يكون قلباً سليماً، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۝إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ فلماذا يقدّر ربنا – سبحانه وتعالى – هذه الأقدار؟ لكي نستطيع أن نعرف حقيقة ما يجول بداخلنا لكي ننتبه قبلما يأتي عياذاً بالله الخسران المبين، الإنسان في دار العمل والابتلاء ينتبه، ويراجع نفسه ويرى ما لم يكن يراه، ربنا – سبحانه وتعالى – يخرج له الأشياء التي كان محتاج أن ينتبه لها، ويستخلص من قلبه الشوائب التي وقعت فيه، هذه هي النقطة الأولى، ولذلك نحن قلنا أن النفس ربنا – سبحانه وتعالى – قال وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا الاستعداد للتقوى والتجاوب أحياناً مع الفجور، وبعد ذلك؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۝وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا قلنا معنى زكّاها، زكّاها: أي يطهّرها، ما هي التزكية، زكا الزرع: أي نما، نما هذه بناءً على ماذا؟ أنك تخرج منه الدغل، والحشائش والأشياء المؤذية التي حوله وتسقيه لكي يكبر، فأنت ماذا تفعل؟ تفعل أمرين، تحاول تزيل الأشياء السيئة وترقّي وتنمي الأشياء الحسنة، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۝وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ما معنى دسّاها؟ دساها أي يخفيها، إذا ماذا يفعل؟ يأخذ النفس بما فيها من آفات ويخفيها في حنايا الصدر، بحيث لا تظهر، فلماذا يفعل ذلك؟ لكي لا يطّلع أحد على هذا، فماذا بعد ذلك؟ ربنا يقول أن هذه هي الخيبة، هذه هي حقيقة الخيبة، هذه حقيقة الخسران، أنه بدلاً من أن يعرّضها للنور الإلهي فترتقي وتزكو يخفيها، فمن رحمة الله أنه يقدّر ما يخرج هذه الخبايا لكي ينتبه الإنسان، إذا كان يريد أن يسير في مسار الخير.

النقطة الأخيرة: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ربنا – سبحانه وتعالى – يقول فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ يوسّع ويفتح هذا الصدر، لماذا؟ لكي يستقبل الإسلام وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يخنق كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ إذاً هذا الصدر محلّ للضيق والحرج، ومحل للشرح والاتساع والانفساح وهذا معيار أو فيصل التفرقة ما بين حال وحال آخر.

النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول ” مثل البخيل والمتصدّق كمثل رجلين عليهما جبّتان أو جنّتان من حديد قد اضطّرت أيديهما إلى تراقيهما ” أي اثنان يحاولوا أن يلبسوا ثوب سيغطّي البدن كله من حديد، فعندما جاءوا ليلبسوها حشرت ايديهما، فيقول أن الإنسان الكريم حينما يتصدّق تتسع،، فالمثل أنهم شخصان يحاولوا أن يلبسوا هذا الجبة، فواحد منها كلما يحاول أن يلبسها تتسع وتتسع فتبدأ في تغطية جسمه ” حتى تغطّي أنامله وتعفي أثره، فهو لبسها – وأدخل كمامه فيها وغطّت صوابع يده نهائياً، وتحت رجله طويلة حتى أنها تتجرجر وراءه – أما الثاني ” كلما أراد أن يوسّعها لزمت ” هي حديد ” لزمت كل حلقة منها مكانها فهو توسّعها ولا تتسع ” يقول سيدنا أبوهريرة، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – وضع إصبعه هكذا – في أعلى ثوبه أمام الحنجرة – يريد أن يوسعها، فهو يريد أن يلبسها فيريد أن يوسعها فلا تتسع.

نرى أيضاً إلى أي مدى النبي – صلى الله عليه وسلم – كان حريص على إيصال المعاني، وإلى أي مدى كان يتفاعل مع ما يقوله، حتى وهو يمثّل، وضع إصبعه هنا ويحاول، فهو يريد أن يوسعها ليستطيع لبسها فهو لا يقدر.

فهذا المثل إشارة إلى ماذا؟ إلى أن الإنسان البخيل نفسه نفسه لا تطاوعه أن تنشرح للخير والصدقة لا يستطيع، لماذا؟ لأن ما جبل عليه أو ما استقرّ في نفسه من محبّة المال والشحّ لا يساعده أن تجود نفسه، أما الإنسان الآخر المتصدّق، لا فهذا كلما حاول أن يفعل ذلك نفسه تنشرح، هذه هي الفكرة.

إذاً النبي – صلى الله عليه وسلم – ماذا يريد أن يقول؟ أن هناك شخص نفسه تنشرح للخير لأنها تتجاوب معه، والآخر، فهل الآخر لا تأتي معه عقوبة، لا هو أصلاً بطبيعته لطبيعة الشح الموجودة بداخله لا يستطيع أن يوسع صدره لاستقبال فكرة أنه يحسن أو يتصدّق، فربنا – سبحانه وتعالى – يقول فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ لم يقل القلب، ما الذي ينشرح، يتسع، يتسع للإسلام، لكي يكون أهلاً لاستقبال الدين، لأن الدين شيء واسع ليس شيء ضيّق، ولذلك العقول الضيّقة والنفوس الضيّقة من الصعب أن تستقبل الدين فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا والحرج هو شدّة الضيق كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ يختنق لا يقدر، قال تعالىمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ما معنى شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا؟ إذاً ماذا هو يفعل؟ كلما ازداد في الكفر اتّسعت مساحته فيظل الصدر يضيق عن استقبال أي شيء من الإيمان مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ هذا ظاهريّاً، أما قلبه؟ الإيمان ساكن فيه مستقرّ، فمن الذي عليه المؤاخذة وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إذاً ماذا يفعل؟

إذاً نحن نريد أن نقول أن هذا الصندوق؛ الإنسان حينما يجعله يسقبل الإيمان يتّسع به، وحينما يتّسع به تضيق المساحة الموجودة للأهواء وللشرك وللضغائن وللرياء وللسمعة، يظل كلما اتّسع بالإيمان، كلما اتّسع بالإسلام كلما اتّسع بالهداية، كلما اتّسع بالعلم تضيق المساحة المتبقّية لما هو وراء ذلك، إلى أن تتآكل وتتلاشى، والصورة العكسية، الإنسان كلما شرح صدره للكفر وللفسوق وللعصيان، ويتّسع هذا لا يتبقّى مكان يستقبل الإيمان، لا يوجد مكان متبقي لاستقبال النور الإلهي، وعندما يملأ تماما، سيؤثّر على هذا – القلب – فلو ملأ الصدر بشيء لابد بالتبع – لأن القلب بالداخل – ستنزح، ستملأ هذا القلب، إذاً أنت حينما تريد أ تملأ قلبك بالإيمان عليك أن تشرح صدرك بالإسلام، وإذا أردت أن تقي قلبك من أن يحشا بخلاف ذلك ضيّق المساحات الموجودة لهذا.

كيف يكون تضييق المساحة، فلايوجد تفريغ هوائي، فكيف أخرج من داخلي أي شيء لا يرضي ربنا – سبحانه وتعالى – أنني أضخ في قلبي الأشياء التي ينبغي أن تكون به، وبالتالي هذا لا يترك مكان لهذا، مثل أي وعاء أنت تريد أن تفرّغه من الهوى، فالهوى هو الذي يهوي بالإنسان أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ممتلئ بالهوى، ستضع ماء تضع لبن تضع أي سائل نافع – ليس خمر طبعاً – تضع ماء أو لبن أو أي شيء ينفع، حينما تدخل بداخل الوعاء، فطبيعي أن الهوى سيخرج منه لأنه ليس له مكان، أنت لم تترك له مكان، لكن إذا تركت له مكان والمكان يتّسع، بل أسوأ من هذا أنني أغذّي هذه الأشياء لازم الإنسان في النهاية يردى.

ولذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – من عظمة توجيهه حينما قيل له يا رسول الله: إنّ فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، قال ” سينهاه ما تقول ” ” سينهاه ما تقول ” اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ إذاً أنت ماذا تفعل؟ أنت تدعّم قوّة الصلاة بداخلك، قوة الصلاة هذه التي أدعّمها هذه في النهاية تصرف عنّي السوء، تصرف عني الفحشاء، هي التي تدفعها، بشرط أن تكون صلاة ذات فاعلية، صلاة حقيقية، كذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول هذا، يكلّموه عن شخص متناقض، هو كان يعمل حرامي، قبل أن يأتي للإسلام هو كان يعمل هكذا، ثم أسلم وانشرح صدره للإسلام ولكن بأي مقدار؟ بقدر، ويحاول أن يتقرّب إلى الله فهو يصلي قيام ” إن فلاناً يصلي بالليل ” ليس الخمس صلوات، هو يصلي قيام، ولكن هناك تناقض، فهذا بالليل، أما الصباح يسرق، ولا يستطيع أن ينكفّ عن هذا، نفسه اعتادت هذا ولا يستطيع ان يتخلّص منه، فماذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ قال كلمة بسيطة قال ” قال سينهاه ما تقول ” يقول: الصلاة ستزجره، الصلاة ستمنعه.

إذاً ما المطلوب؟ زد الضغط في جانب الإيمان والقرب من الله – سبحانه وتعالى – هذا هو الذي سيصلح لأن المساحة لن تكون متبقية لأي شيء آخر هذا بالطبيعة، هذه هي الفكرة، لا يوجد صراع وهذا من رحمة ربنا – سبحانه وتعالى – هو لم يطلب من الإنسان أن يدخل في صراع مع نفسه، غض الطرف عن هذا.

والعجيب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يرسل للرجل ولم يكلّمه، هو علّق هذا وفقط ثقةً منه بأن الصلاة ستعمل مفعولها، تخيّل، فهم يقولون أن فلان يسرق، فمن المفترض أن يذهب ويرى أين هذا الرجل ويأتي به ويزجره !!! هو لم يفعل شيء من هذا تماماً، قال أن هذا المسار، هذا المسار بذاته كفيل بأن يخرجه مما هو فيه، فقط، وهذا من عظمة رحمة الله، ليس مطلوب شيء، نحن ندعّم بداخلنا الأشياء التي من المفترض أننا نحبّها، الأشياء التي تميل إليها نفوسنا بالطبيعة وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ هذه أشياء طبيعية، نحن نحبّها بالطبيعة، ما المطلوب مننا؟ أن ندعّم الذي نحبّه، نضخّ فيما نحبّه وفقط، وفقط، وأي شيء أنت تعبان منه، أي شيء أنت متضايق منه، أي شيء هو ثقيل عليك، أي شيء لا تستطيع أن تتخلص منه، ربنا هو الذي سيخلّصك منه، بقوّة الإيمان الذي تدخله بداخلك، وفقط، ولذلك كان من أعظم المنن أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ هؤلاء هم الناس التائهون، هؤلاء هم الناس التائهون أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ لا يتأثّر أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ۝اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، وتولّنا فيمن تولّيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنّا شرّ ما قضيت.

اللهم إنا نسألك علماً نافعا، وقلباً خاشعا، ولساناً ذاكرا، ويقيناً صادقا، وعملاً صالحاً متقبلا.

اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعاءٍ لا يسمع.

اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعاءٍ لا يسمع.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.