إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
(يا يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)
قال الله تبارك وتعالى وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يخبر تعالى أن له من الأسماء والأوصاف أحسنها وأجملها ثم يأمر عباده بأن يدعوه ويسألوه ويعبدوه على هدي من هذه الأسماء، ويأمرهم بعد بالإعراض عن من يميلون عنها وعن من يعرضون عنها ثم يتوعدهم سبحانه وتعالى أنه سوف يجازيهم على إفترائهم.
الإلحاد هو الميل، فأين الإفتراء؟ الإلحاد نوع من أنواع الإعراض، فالمفترض أن يكون الجزاء على الإعراض، التنولي، الإدبار لكنه تبارك وتعالى جعل جزاء الملحدين على إفترائهم لأنهم حين يحيدون عن هذا السبيل لابد أن ينتهوا الى الإفتراء على الله والى الإنتقاص من عظمة الله والى تعظيم غير الله بما لا يستحق والى إضفاء شئ من نعمة الله ومن كرم الله ومن رحمة الله ومن عظمة الله تبارك وتعالى على غيره ممن لا يملك نقيرا ولا قطميرا، فإذا ألحدوا فلابد أن يكون إلحادهم إفتراءا، فهو سبحانه يأمر عباده بأن يتوجهوا اليه على مقتضى هذه الأسماء.
و قد كنا قد بلغنا في طريقنا خطوات يسيرة، في طريق طويل وضعه الله تبارك وتعالى لعباده لكي يعرفوه وكي يعبدوه. تكلمنا عن اسمه تعالى الشهيد ثم تكلمنا عن الرقيب ثم تكلمنا عن الحفيظ ومن حفظه تعالى أنه هو المقيت الذي يعطي ويكفل لكل ما خلق ولكل ما ذرأ سبحانه وتعالى قوام حياته وميزان بقائه بقدر معلوم. ثم توقفنا في الجمعة الماضية لنتحدث عن جدوى ذلك وعن قيمته، المقصود الذي نقصده من هذا هو أن نمتثل هذا الأمر الذي وجهنا الله اليه فقال وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا… والغاية المنشودة هي أن تنفعل قلوبنا مع هذه الكلمات وبالتالي أن نبني في قلوبنا بناء المعرفة وبناء التعظيم وبناء الإيمان الذي يرتقي خطوة فوق خطوة، قال صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا – هذا رقم كبير – مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) والجنة هي غاية كل عبد عاقل وغاية كل عبد موقن يؤمن بوجود الجنة ويؤمن بصفة الجنة ويؤمن بمآل العباد في يوم العباد فهو يسعى بجهده لأن يكون من أهل الجنة وأن ينجيه الله من النار، قد قال سبحانه وتعالى …فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ، فتوقفنا عند هذه النقطة وذكرنا أن أخطر ما يعاني منه المسلمون اليوم أنهم لا يعظموم ربهم حق التعظيم ولا يدركون ما ينبغي أن يدركوه من جلاله وعظمته سبحانه وبالتالي يقصرون في حق أنفسهم عليهم بأن يلجأوا الي ربهم وأن يتوجهوا اليه، والخاسر كل الخاسر في هذه الصفقة هو الإنسان نفسه فالله تبارك وتعالى كما ذكرنا في الحديث القدسي الذل أشرنا إليه آنفا لا يعود عليه نفع بطاعة الطائع ولا تضره بحانه معصية العاصي وقد قال تبارك وتعالى إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ… يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُإِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍوَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا لولا الإيمان ما كان لهذه الخليقة عند الله أدنى وزن ولا قيمة إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر… من محبته لهم ورحمته بهم، لم يقل (لا يرضى له ) بل قال (لا يرضى لعباده )، لا يقبل لعباده أن يختاروا هذا الإختيار وأن يسلكوا هذا السبيل وأن يفسدوا حياتهم وأن يضيعوا أنفسهم في معاشهم ومماتهم حين يعرضون عن ربهم تبارك وتعالى..وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ…. لم يقل (يرضه له) أيضا وإنما يرضى لعباده ويختار لهم ويحب لهم أن يشكروه لأن في شكرهم إدراكهم لنعمة ربهم وإصلاحهن لأحوالهم ….وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ سبحانه وتعالى.
إذا فنحن نحاول أن نسير في سبيل يصل بنا الى معرفة الله والى محبته وقد ذكرنا قبل كثيرا ولكن هذه الآية يبدو أنها لم تبلغ الى حيث ينبغي أن تبلغ في قلوبنا فنعيد الكرة لعلها أن تبلغ الآن المكان الذي ينبغي أن تبلغ إذ يقول سبحانه وتعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ.. ثم قال تبارك وتعالى …لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، عسى أن يرزقنا الله فهم هذه الكلمات لأن فهم هذه الكلمات هو مناط الأمر كله، الله سبحانه وتعالى يخبر أنه خلق هذا الخلق العظيم وأنزل أمره ووحيه لكي نصل نحن الى العلم، لكلمتين، لكلمتين …لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ليس وراء ذلك مطلب ولا وراء ذلك مذهب، فقط …لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا قدرته التي لا يعجزها شئ وعلمه المحيط بكل شئ. ما الذي سيترتب على هذا؟ يترتب على هذا أن يؤمن العبد بكلمات الله التشريعية ويسلم لكلمات الله التكوينية. إذا أيقن العبد أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما، إحاطة علمه تبارك وتعالى بكل شئ تستلزم أنه لا يغيب عن علمه ولا عن حكمته شئ، فكل توجيه وجهنا الله إليه وكل وصية أوصانا الله إياها بأمر أو نهي إنما هي صادرة عن علمه، لا تحتمل الخطأ أو التشويش أو الإنحراف ولو بمثقال ذرة وحينئذ يسير العبد على صراط الله الذي رسمه له بخطى ثابتة وقلب مطمئن، هذا أول، والثاني؟ إذا آمن العبد بعلم الله وبقدرته إستسلم لاختيار الله له في قضاء الله وفي قدره فهو يختار له بعامه ويمضي له الأمور بقدرته ولذلك ذكرنا أيضا كثيرا كلمات جابر بن عبد الله رضي الله عنه وعن أبيه حينما بين لنا ووجهنا الى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحفل بكلمات ما، كا يحفل ويقدر كلمات ما تقديره لكلمات الله المنزلة، أي كلمات تلك؟ يقول جابر ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمر كله كما يعلمنا السورة من القرآن) (كما يعلمنا السورة من القرآن)، كيف يعلم السورة من القرآن؟ لابد أن تتقنها كلمة كلمة وحرفا حرفا وحركة حركة لا تخرم منها شيئا ولا تغير فيها حرف ولا حركة، يعلمهم كلمات بالضبط كما يعلمهم القرآن إتقانا وضبطا وضغطا وتوكيدا، أي كلمات هذه، إنها كلمات نقولها بين يدي طلب التوجيه من الله في أمورنا الدنيوية، ليس في أمورنا الأخروية، إنما تستخير في أمر من أمر الدنيا، وهو مادام أمر من أمر الدنيا في نظر الآخرة ليس له كبير شأن ولا عظيم أثر لأنه إذا كان من أمر الدنيا فهو يفنى بفناء الدنيا ويزول بزوال الدنيا، ليس أمرا سرمديا يبقى معنا الى الآخرة، لكن الإنسان بطبيعته تشغله حاجاته وأموره الدنيوية ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه تبارك وتعالى أمرت لنا فيه حاجة ولنا فيه خير ولنا فيه مصلحة إلا وقد بينه لنا أتم البيان وأكمله، فما يا ترى هذه الكلمات التي أنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأكيده وفي تعليمه منزلة كلمات الله.
إذا هم أحدكم بالأمر _لا تعلم المستقبل، لا تعلم ما وراء الحجب والغيب، أنا الآن أقوم بشئ تهواها نفسي أو لا تهواها، تميل إليها أو لا تميل، هدفي هو تحقيق المصلحة والمنفعة والانتفاع واللذة بالأمر الذي أقدم عليه وأخشى من ضد ذلك وعكسه، وأنا لا أعلم من أمر الغيب المستقبل شيئا، فإلى من ألجأ؟ الى الذي هو على كل شئ قدير والى الذي هو قد أحاط بكل شئ علما، فأقول كما علمني رسول الله صلى عليه وسلم (اللهم إني أستخيرك) بماذا؟ ( أستخيرك بعلمك) ثم (وأستقدرك) بماذا؟ (وأستقدرك بقدرتك) لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (اللهم إني أستخيرك) أرجوك وأسألك أن تختار لي بعلمك لأنني لا أعرف الخيرة، فإذا اختار لك ووجهك؛ هل تملك أنت أن تقوم بالأمر؟ هل تملك القدرة على القيام بشيء إن لم يقمك فيه ويقمه لك، (اللهم إني أستخيرك بعلمك – ثم – أستقدرك بقدرتك) أطلب منك بعد أن تختار لي بعلمك أن تعطيني من فيض قدرتك لكي أستطيع أن أفعل ما أريد أن أفعل، كم منا يريد أمرًا ولا يقوى عليه، كم منا يتمنى شيئًا ولا يحصله، فهو يتجاوز عقبتين؛ عقبة الجهل بأن يعطيه الله من العلم، سيوجهه، سيوجه قلبه إلى أين يذهب، وبعد أن يوجه قلبه إلى أين يذهب؛ سيمده بالقدرة.
(أأستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم) يطلب مددًا من رحمته ومن عطائه، بعد أن طلب من علمه وقدرته، يطلب فيضًا من رحمته، (وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب) حُقّ لهذه الكلمات أن ينزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنزل، فإذا اهتديت بكلمات الله التشريعية، ثم استسلم قلبي لآيات الله التكوينية التي يقول بها للشيء كن فيكون، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أي شيء لا يعجزه شيئًا في الأرض ولا في السماء سبحانه وبحمده، وإذا استسلم لكلمات الله التكوينية كان في محل الرضا، قال صلى الله عليه وسلم (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا) أي مدبرًا (وبالإسلام دينًا) أي صراطًا، (وبمحمد نبيًّا صلى الله عليه وسلم) أي قدوة وإمامًا، ما معنى الرضا، أن يكون مطمئن لهذا وساكن له، هذا هو أقصى ما يتمنى، هو لا يريد أكثر من ذلك، هو سعيد هكذا، وساكن هنا، أنت إذا رضيت بأمرٍ سكن قلبك لديه، وإذا رضيت عن شخصٍ مال قلبك إليه، يقول صلى الله عليه وسلم إن العبد سيجد للإيمان لذة،، إذن: الإيمان معنى، لكن هذا المعنى سيرتب لذة وسعادة وطمأنينة وهناءة وسرور عند من يذوق طعمه، وأنى له بذوق طعمه؟ لا يكون ذلك إلا إذا كان راضيًا؛ راضيًا بالله وبمنهاج الله وبنبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان قبل ذلك محبًا، لأنه لا يكون راضيًا إلا إذا كان قبل محبًا، لا يرضى الإنسان عمن لا يحب، وعمن لا يميل إليه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) وأن ينفر؛ قال (وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
إذن الإيمان له ثمرة وله لذة يعطيها الله للعبد المؤمن إذا كان محبًا راضيًا.
والحب محله ومستقره في القلب، والرضا محله ومستقره في القلب، إذًا إذا أنالك الله الحب والرضا فقد أنالك حقيقة الإيمان وحينئذٍ يستشعر العبد لذته وحلاوته، وإذا لم يكن؟ كانت ممارسته لمظاهر الإيمان في الحقيقة عبئًا عليه وشقاءً له، فالآن يوجد شيء، فهذا الشيء تمثل عبئًا على كاهلك وتستخلص منها حلاوة ونداوة، فإذا كان حظ العبد من دينه العبء من دون الحلاوة والنداوة فأي شيء استفاد !، ولذلك كان من أشد – أشد – الآيات في كتاب الله: قول الله تبارك وتعالى أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ الكتاب الذي أنزله الله نورًا وشفاءً وهداية وموعظة وسعادة للعباد، جعلها هؤلاء الكافرون حظهم ونصيبهم ورزقهم من هذا الخير أنهم يكذبون به، ليس أقصى من هذا المعنى في كلمات الله، أن يكون حظ الإنسان من الخير أن يرده، حظ الإنسان من النعمة أن يكفر بها، حظ الإنسان من هذا الخير ومن هذه السعادة ومن هذه الهداية أن يوليها ظهره وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ تجعلون قسمكم من هذا الخير أن تردونه، فليس أشقى من هذا العبد، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ، إذًا معرفة الله وإيماننا بالله يوصلنا إلى هذا المحل، إذا عرفت أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا قادك ذلك إلى الرضا بعد الحب، فإذا ذقت الرضا بعد الحب كنت قد فزت بحقيقة الإيمان وحلاوته وذقت طعمه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما قلنا وسمعنا وأن يجعلنا من أهل حقيقة الإيمان أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
يقول صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) كل سعيٍ وكل حركة، كل قول، وكل فعل لا يبتغي به العبد رضا ربه تبارك وتعالى فإنه ذاهبٌ زائلٌ مضمحل عنه وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا إذا سار العبد في طريق معرفة ربه تبارك وتعالى أدرك أنه لا يستحق غيره تبارك وتعالى أن يشغل العبد قلبه به، ولا أن يبتغي رضاه ولا ان يجعله غاية عمله ولا منتهى أمله، هذا الذي يبلغك إياه معرفتك بالله، لا يستحق أحدٌ ولا شيء أن تقصده بقلبك إلا الله تبارك وتعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ولذلك فكل سعيٍ وكل عمل لا يريد به الإنسان وجه الله فإنه لا ينتفع به في الآخرة، قالت عائشة رضي الله عنها (يا رسول الله إن عبد الله بن جدعان كان يصل الرحم ويطعم المساكين فهل ذلك بنافعه) هل ينفعه ذلك عنده يوم لقائه؟ فقال صلى الله عليه وسلم ( لا، إنه لم يقل يومًا رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) ولذلك فكل عطاء يعطيه العبد لا يبتغي به وجه الله فليس له قيمة، لماذا؟ قال الله تبارك وتعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا الله سبحانه وتعالى هو مصدر كل خيرٍ وكل نعمة، والعبد ينبغي أن يقابل نعم الله بالشكر، وشكره لنعم الله أن يستقبلها معترفًا أنها من فضل الله ثم يضعها حيث يحب الله سائلًا الله تبارك وتعالى أن يتقبل منه، وإذا كان العبد من أهل هذا الإيمان نفعه الله تبارك وتعالى به، وإن كان العبد مقصرًا في أعماله لأن ميزان كل شيء هو ما قام في قلب العبد من الإيمان والتعظيم للرب سبحانه وتعالى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ( يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة) إذًا ما يقوم بقلب العبد من معرفة بالله ومن إقرارٍ به ومن إيمانٍ به ينفعه الله تبارك وتعالى به، أما الجاحد لفضل الله الجاحد لنعمة الله، الظهير على الله كما قال تعالى وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا فإنه لا حظ له ولا نصيب في رحمته تبارك وتعالى، وإذا لم يكن من قيمة الإيمان إلا أنه ينجي الله به العبد يومًا من الدهر لكفاه بذلك قيمة وعظمة، يقول صلى الله عليه وسلم ” يخرج من النار بعد أن ولج إليها – عياذًا بالله نسأل الله السلامة والعافية – بعد أن ولج إليها بذنوب وتقصير وسياتٍ أثقلت كاهله وربت على خيره وعلى حسنته، وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا يهلك على الله إلا هالك) الجسنة بعشر أمثالها؛ إذا كانت حسنة صادقة أي عملًا خالصًا، (الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمئة إلى أضعافٍ كثيرة، والسيئة بمثلها ويغفر الله ويرحم، من همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة ومن هم بسيئة فتركها لله كتبها الله له حسنة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها لا يحاسبه الله بها فإن عملها كتبت سيئة واحدة)، فمن غلب ميزان سيئاته على وفق هذا الحساب ميزان حسناته فهو هالك، لذلك قال صلى الله عليه وسلم ( ولا يهلك على الله إلا ) من سعى إلى الهلاك وأراده (ولا يهلك على الله إلا هالك) حتى هؤلاء ينفعهم ما في قلوبهم من الإيمان، يخرج الله من النار وفي قلبه وزن شعيرة من خير، أو قال من إيمان، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير أو قال من إيمان، ثم قال يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان، وفي أحاديث الشفاعة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر نحو ذلك في شفاعة المؤمنين، يقولون ” ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار، فيقول: اذهبوا فأخرجوا من قد عرفتم ممن كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ثم قال مثقال نصف دينار من إيمان، ثم قال مثقال حبة من خردل من إيمان، أو قال مثقال ذرة من إيمان، وكذا في شفاعته صلى الله عليه وسلم يسجد سجودًا طويلًا ثم يقول (يا رب أمتي أمتي، فيقول أخرج من النار من أمتك من كان في قلبه وزن شعيرة من إيمان، ثم قال وزن ذرة من إيمان، ثم قال وزن أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، فالإيمان هو ما تدخره حقيقة لمستقبلك، ينفعك يوما من الدهر وإن أصابك قبل ذلك ما أصابك، لا يضيع الله هذا الإيمان، وإن كان قدره مما ربما لا يوزن إلا بميزان الله، ونختم بحديث ذكرناه قديمًا، ذكرناه مرارًا
( مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول يجول ثم يعود في آخيته) الآخية: هي الحلقة المثبتة في الجدار، يمثل صلى الله عليه وسلم أثر الإيمان على العبد المؤمن، يقول (مثل المؤمن ومثل إيمانه كمثل الفرس مربوط في حبل والحبل مشدود بعروة من حديد مثبتة في جدار فالفرس يجول يمنة ويسرة، لكنه لا يغادر مكانه لأن الإيمان يربطه بهذا الجدار.
فإذن يريد أن يبين صلى الله عليه وسلم أن قلب المؤمن مهما جال في دروب المعصية فإنه مرتبط بوثاق الإيمان، هو الذي يحفظه، فهو يجول نعم لكنه يعود في النهاية في آخيته لأنها تربطه، فمن ليس لديه هذه الآخية؟ إذن فهو الكافر، ليس له ضابط يضبطه ولا شيء من الإيمان يوثقه، ولا صلة بربه تبارك وتعالى ترعاه وتحفظه، (مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول يجول وفي النهاية ثم يعود في آخيته).
اللهم إنا نسألك علمًا نافعا، وقلبًا خاشعا، ولسانًا ذاكرا، ويقينًا صادقا، ورزقًا طيبًا وعملًا صالحًا متقبلا.
اللهم إنا نسألك إيمانًا لا يرتد أبدًا، ونعيمًا لا ينفد أبدًا، ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات الخلد.
اللهم إنا نسألك إيمانًا لا يرتد أبدًا، ونعيمًا لا ينفد أبدًا، ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات الخلد.
اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى ونسألك الرضاء بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ونسألك اللهم لذّة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرّة ولا فتنة مضلّة.
اللهم زيّنا بزينة الإيمان، اللهم زيّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه
اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه
اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم