إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
(من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولأن إستعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولابد له منه)
نحن منذ برهة في حديث عن الله، ما فائدة هذا الحديث؟ وما الغاية المرجوة منه؟
إنه بأدنى تبصر وتأمل يدرك الإنسان أن الله تعالى هو كل شئ في هذا الحياة وهو كل شئ سبحانه وتعالى في الحياة المقبلة التي نحن ساعون إليها، وأنه على قدر ما تكون أيها المؤمن على صلة بالله، على قدر ما تكون سائرا على الدرب الصحيح وعلى قدر ما تكون محققا لما تصبو إليه ولما تتمناه ومؤمنا لنفسك من كل ما تخشاه في الدنيا وفي الآخرة. يقول الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ عاقبة اللقاء فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا.
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ لم يستثن أحدا سبحانه وتعالى إِنَّكَ كَادِحٌ تسير في حياة ملئها الكدح والعناء والمشقة، الى ماذا تنتهي هذه الحياة إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ملاقيه بهذا الكدح الذي كدحت، كان لك أم كان عليك، كان في مرضاة الله أم كان في سخطه سبحانه وتعالى. وحينما تلاقي ربك حينئذ تلاقي عملك، حينما تلاقي ربك أيها العبد حينئذ تلاقي عملك، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (فحينئذ) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (أشرا بطرا يفرح بمعصية الله)إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (ظن أنه لا يرجع الى ربه، فحينما ظن أنه لا يرجع الى ربه تراه ماذا كان يفعل؟ وهل كان ربه غائبا عنه وهو يفعل ما يفعل؟ حاشاه، فهو ظن أنه لن يحور؟) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا.
يقول صلى الله عليه وسلم ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) يخبرنا صلى الله عليه وسلم وهو يبين شيئا من معنى قوله تعالى وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، يقول (ما السماوات السبع في الكرسي (حيث العظمة) إلا كحلقة (دبلة حديد صغيرة) ألقيت في أرض فلاة… ) صحراء مترامية الأطراف شاسعة ألقيت فيها حلقة من حديد صغيرة، ما هو وزن وحجم هذه الحلقة الى هذه الصحراء الشاسعة؟؟ ثم يبين أن فضل العرش على الكرسي كفضل هذه الفلاة على هذه الحلقة، نحن هكذا نتحدث عن درجتين، السماوات السبع التي لا يدرك الإنسان قدرها ولا يتصوره، كل ما نتكلم فيه إنما هو في إطار ما أدركناه من جزء من السماء الدنيا إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ فهذه السماوات السبع كلها بالنسبة للكرسي كالحلقة في فلاة، والكرسي بالنسبة للعرش كذلك، فما فدر عظمة هذا العرش؟ أليس يسع ظله الخلق جميعًا حين حشرهم، لكنه صلى الله عليه وسلم يخبر أنه لا يستظل بظل هذا العرش العظيم المجيد المديد إلا من منّ الله عليه بذلك.
هو في الحقيقة يسع أن يظل هؤلاء الخلق جميعًا الذين حشروا من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ومثلهم ومثلهم ومثلهم ومثلهم، لكن من الذي سينعم بهذا؟ يخبر صلى الله عليه وسلم أن الشمس تدنو من رؤوس العباد حتى تصير منهم على قدر ميل، فيغرق العباد في أعمالهم، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه ومنهم من يبلغ إلى حقويه – وسطه – ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا، وهناك أناس منّ الله عليهم فأخرجهم إلى حيث هذا الظل الظليل، من الذي يتنعم بذلك؟ هو من عمل في الدنيا على أن يدخل تحت هذا الظل الظليل في الآخرة، من سعى في الدنيا إلى أن ينال هذه النعمة في الآخرة، فنحن نسعى في دنيانا، للعمل الذي يسعدنا وينجينا في أخرانا، كذلك نحن في حالنا مع الله، نحن نسعى – نسعى – لأن نتعرف على الله، لكي نستطيع أن نعيش حياتنا في ظل رحمة الله، فإذا عشت حياتك القريبة في ظل رحمة الله، عشت حياتك المقبلة أيضًا في ظل رحمة الله، لكنك لا تستطيع أن تدخل في ظل هذه الرحمة إلا إذا أدخلت نفسك تحت هذا الظل.
على العبد أن يسعى أن يدخل نفسه في إطار رحمة الله، فنحن قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى أتاح لنا هذه الفرصة، يسر لنا هذا الأمر، قربنا منه سبحانه وتعالى وعرفنا على عظمته وعلى رحمته وعلى كرمه، وأراد منا أن نرجع إليه، قال تعالى فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، طيب، نحن كيف سنستقبل هذا الكلام؟ فهو على حسب استقبالنا لهذا الكلام على حسب تلقينا لهذه النعمة، على قدر ما ينفعنا الله وما يرفعنا الله تبارك وتعالى بها، فنحن الذين سنحدد، ما نصيبنا أو ما مقدار ما نحصله من رحمة الله تبارك وتعالى، كما قلنا قبل كثيرًا، قال الله تبارك وتعالى ( أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) قلنا ما معنى هذا؟ ظنك عن الله علام يبنى؟ مبني على قدر معرفتك به سبحانه وتعالى، فعلى قدر معرفتك بالله سيكون ظنك فيه تبارك وتعالى، طيب، وعلى قدر ما يكون ظنك في الله على قدر ما تلقى من الله، (أنا عند ظن عبدي بي) أين سيضع نفسه؟ (فليظن بي ما شاء).
إذن الإنسان على قدر ظنه بالله، وعلاقته مع الله ورجاؤه في الله، على قدر ما يجد من الله، وهو الذي يضع نفسه قربًا أو بعدًا من هذه الدائرة، والمحروم حق المحروم هو الذي تتاح له النعم، وتدنو منه وتكون في متناول يده، ثم يقبض يده ولا يبسطها حتى إذا بلغت الروح الحلقوم حينئذٍ يسعى لهذا التناول ولا يستطيع حينئذٍ أن يتناوله وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ بعيد، هو كان قريبًا، لكن الآن القريب أصبح بعيد، حينئذٍ يريد الإنسان أن يستدرك ما فات، يريد أن يتناول، وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ تذهب، تهرب، تهرب، هي اليوم قريبةو سهلة ومتاحة، بل تعرض علينا عرضًا، وماذا بعد؟ سيتقبلها الإنسان أم لن يتقبلها؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
أين الأزمة والمشكلة؟ يقول الله تبارك وتعالى وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ” بالله ” هي من المفترض أن تكون هكذا، من الذي ستنفر قلوبهم؟ الذين لا يؤمنون بالله، وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ربنا لا يقول هكذا، ربنا لم يقل هذا، قال وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بماذا؟ لماذا لم يقل بالله؟ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بلقاء الله،،، لن تؤمن بالله الإيمان ولن تعظم الله حق التعظيم ولن تقبل على الله حق الإقبال إلا على قدر ما تؤمن بلقاء الله، ” بلقاء الله ” على قدر ما تؤمن بلقاء الله، اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لماذا بالآخرة؟ لماذا؟ لماذا يقول ربنا سبحانه وتعالى آمرًا إيانا أن نقول كلما وقفنا بين يدي الله مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أليس هو سبحانه وتعالى مالك كل شيء، مالك الدنيا والآخرة، فلماذا مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لماذا؟ لماذا أنا أقول على نفسي كل ركعة، كلما وقفت بين يدي الله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
في الدنيا ربما تتشوش على العبد أحاسيسه بعظمة الله تبارك وتعالى، ولذلك نحن قلنا أن ربنا ماذا قال لسيدنا موسى؟ قال وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ لماذا؟ لماذا؟ لأن الإحساس والإيمان بعظمة الله، يتشوش على العبد في الدنيا بكثير من المشوشات، وينازع بكثير من المنازعات، أما يوم لقاء الله فتزول المشوشات، وتنقطع المنازعات، فلا يستقيم إيمانٌ بالله وتعظيم لله إلا إذا آمن العبد بلقاء الله، يقول تعالى وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ لماذا؟ لماذا؟ لايمكنك أن تؤمن بالله إلا إذا آمنت بحكمة ورحمة الله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا لا يصلح أن تؤمن بالله وأنت تظن أو تتوهم أن ربنا سبحانه وتعالى يخلق هذا الكون عبثًا لغير حكمة ولغير غاية، وأن رحمة ربنا سبحانه وتعالى تتركنا من غير أن ترسل إلينا بالرسل، لكي يبيّنوا لنا طريق السعادة وطريق الهداية وطريق القرب من الله، وبيان غاية وهدف ورسالة هذه الحياة. وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ يقول صلى الله عليه وسلم ( يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك؛ أين ملوك الأرض) فلماذا ” أين ملوك الأرض “؟ لماذا؟
ويقول أيضًا صلى الله عليه وسلم ( يطوي الله السماوات السبع يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون، ثم يطوي الأرض أو الأراضين بشماله ثم يقول – ثانيةً – ، أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون) لماذا؟ لماذا؟ لأنه في هذه اللحظة تزول المنازعات وتبطل المشوشات، وحينئذٍ، وحينئذٍ يدرك الإنسان على الحقيقة عظمة الله تبارك وتعالى، فما الفرق بين المؤمنين وغير المؤمنين؟ أن المؤمنين يدركون في الدنيا شيئًا من هذه العظمة، يسعدهم وينفعهم حينما يلقون الله، أما غيرهم وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ، يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ هي حالة تشوش، فهو لا يفهم، هل نحن سنرجع للحياة الدنيا، أم أن هذا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ لا يعرفون أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً أبعد أن صرنا عظامًا نخرة نرد إلى الدنيا؟ حالة التشوش التي تصيب الإنسان الذي لا يؤمن بلقاء الله قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ.
إذن، الذي لا يؤمن حقًا بلقاء الله لا يؤمن حقًا بعظمة الله، ما الذي يصرف الناس إذن عن الله؟ أنهم لا يؤمنون حقيقةً بلقاء الله، كل من آمن حقيقة بلقاء الله فرّ إلى الله، كل من آمن حقيقةً بيوم يجمع فيه الناس ويقومون لرب العالمين لابد أن يهرع إلى ربه، قال تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ إذًا لو كانوا آمنوا بهذا اليوم العظيم يوم يقومون لرب العالمين لكان هذا مانعًا إياهم من التطفيف والظلم، لا يحجزهم عن الظلم إلا إيمانهم باليوم العظيم الذي يقوم الناس فيه بين يدي رب العالمين.
نحن ذهبنا بعيدًا، هذه هي حقيقة ديننا، نحن ذهبنا عنها بعيدًا، حقيقة الدين تتمثل في مدى إيمانك وقربك وسعيك لمرضاة رب العالمين تبارك وتعالى، وأنك تتلمس في الكلمة وفي الحركة، في الفعل وفي السكون أن تكون مرضيًّا عنده وأنما تفعل وما تقول يسعدك ولا يشينك بين يديه غدًا، هذا هو الموضوع، لا يوجد شيء آخر، لا شيء آخر، لكننا ذهبنا بعيدًا عن هذه الحقيقة.
فما الذي بَعُد بنا هكذا؟ لماذا جاءت الشيوعية؟ الشيوعية نجحت – نجحت – في أن تقيم امبراطورية كبيرة، علام قامت هذه الامبراطورية؟ على أنه لا إله، على أنه لا إله، على أنه لا إله.
طيب، هم بنوا على أنه لا إله، وحققوا بهذا فيما كنا نظن ونتوهم، حققوا بذلك نجاحًا، وبنوا امبراطورية أكبر بكثير من روسيا القيصرية، فكم كانت روسيا؟ الكتلة التي بنتها الشيوعية أكبر بكثير من إمكانيات روسيا القيصرية.
إذن حينما قال هؤلاء أن الدين أفيون الشعوب، وأنه لا إله، بدا لنا أنهم قد نجحوا، وماذا بعد؟
هذه الشيوعية أقامت لها تنظيمات سرية في البلاد التي لا تسودها الشيوعية، ومنها البلاد العربية والإسلامية، هذه التنظيمات ما هدفها؟ هدفها أن تحول هذه الدول وهذه الحكومات إلى شيوعية.
ما الفكر الذي يطرحوه؟ يطرحون أيدلوجية، هذه الأيدلوجية عبارة عن مجموعة مبادئ التي تتبناها وتدعو إليها الشيوعية، ما هدفها؟ هدفها إقامة هذه الإيدلوجية في صورة واقع، فهذا الكلام ما علاقتنا نحن به؟ سؤال: هل نحن كمسلمين بمعزل عن ما يجري في العالم من أفكار؟ هل نحن في إطار من الحصانة التي يعطيها لنا القرآن، أي أن هذا الكلام حينما حدث أين كنا نحن وقتها؟ انظر على خريطة الدول العربية والإسلامية سواء سياسيًا أو فكريًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا، هي متراجعة جدًا ومهزومة.
طيب، المهزومة دائمًا دائمًا هي في صورة من صور الخور والضعف الداخلي، وتنظر لكل من ينتصر أنه قدوة يقتدى بها، فماذا سنفعل؟ فنحن سنتبنى هذين الأمرين، إذا كنا نريد الإسلام، سنتبنى أن نحول الإسلام، نحول الدين الدين، إلى أيدلوجية، الأيدلوجية الأصلية التي نستمد منها ماذا تقول؟ تقول أنه لا إله، سنحول الدين لأيدلوجية، عم سنتكلم؟ سنتكلم عن مجموعة من المبادئ، مبادئ مستقاة من الإيمان، لن نتكلم عن الله ولا عن علاقتك بالله، ولا عن إيمانك بالله، من الممكن أن نتكلم عن العدالة الاجتماعية، ونقول هذا مستقى من الدين، نتكلم عن الاشتراكية – مستقاة من الدين – ولكن هذا ليس الدين، هذا لا علاقة له بالدين، والهدف؟؟
وسنكون نفس التنظيمات بنفس الشكل هكذا، لكي نصل إلى ماذا في النهاية؟ لكي نصنع إمبراطورية مثل الامبراطورية التي أقامتها الشيوعية، ولكن سنسميها استعادة – استعادة – الإمبراطورية الإسلامية، استعادة – استعادة – الأمجاد الإسلامية.
وبعد قليل، حولنا نحن الجهة الأخرى، الناحية الأخرى ماذا تقول؟ الناحية الأخرى لا تقول ” لا إله ” ، تقول يوجد إله – ليس له علاقة بالحياة – يوجد إله ليس له علاقة بالحياة، الهدف هنا هدف اجتماعي، أما المجتمعات الغربية فمبنية على المفهوم الفردي الأناني، أنت تحقق أعلى مستوى من السعادة والرفاهية، هذا هو الهدف، والحياة الدنيا حياة محدودة لابد أن تستمتع فيها أطول فترة من الاستمتاع، لأن الحياة إلى فناء، نعم يوجد خالق – ليسوا منكرين – ولكن.. مثلما كان يقول أرسطو ” خلق ثم ترك ” وبعد ذلك.. والإنسان بلغ من النضج لم يعد محتاجًا إلى ربنا في شيء، غير محتاج إلى ربنا في شيء تمامًا، الإنسان بلغ رشده، وأوج أشده ولم يصبح محتاجًا إلى الخالق في شيء، ولذلك عندما يأتي أناسًا بعد قليل ويقولون لا يوجد خالق أساسًا، وأن الطبيعة هي الخالقة، فهذا أمر عادي فهي تطورات سائرة.
طيب، نحن استقينا من هنا ثم استقينا من هنا، فعندما استقينا من هنا ماذا فعلنا؟ قلنا سنقدم لكم صورة للدين تحقق لكم الرفاهة الدنيوية كما يحققها لكم الغرب، طيب، عندما تقول الرفاهة الدنيوية وتسيطر على تفكيرك ستجد نفسك فعليًّا نسيت الآخرة، وبالتالي نسيت الرسالة، وبالتالي أسقطت الدين، وستكون علاقتك مع ربنا موجودة ولكنها علاقة مع ربنا دنيوية، دنيوية، يوجد قدر من الارتباط بالله يحقق لك قدر من ما ترجوه وما تصبو إليه دنيويًا، فأين الآخرة؟
عند هؤلاء لا يوجد شيء اسمه إله وبالتالي لا يوجد آخرة، وعند هؤلاء لا يوجد شيء اسمه آخرة مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ.
اليوم أين نحن، وفي المقابل أين كنا من المفترض أن نكون؟ من المفترض أن الإنسان المؤمن يعتقد في داخلة نفسه أنه الذي يحمل الهداية والنور والسعادة للناس، وأن ربنا منّ عليه برسالة، هذه الرسالة الناس محتاجة لها، هذه الرسالة ما هي؟ أنه يربط الناس بالله، ويجعل الناس مؤمنين بالله مستسلمين لأحكام الله ساعين لإرضاء الله والفوز برضوان الله، هذا هو الموضوع، هذه هي الرسالة، وبالتالي في الكون الذي نعيشه اليوم في هذه الأرض قدر الله سبحانه وتعالى والنظر إليه وتعظيمه وهذا مكمن الخلل، إذا لم يعالج من هنا لن يعالج شيء، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ هذا هو الموضوع ليس شيئًا آخر، هذه هي الرسالة، على قدر ما سنتجاوب مع الله، على قدر ما سنشعر فعليًّا بوجود الله، على قدر ما سنؤمن بالله، فنحن نسير في الاتجاه الصحيح.
النقطة الأخيرة: القدس؛ القدس هذه الذي نعظّمها، باعتبار أنها ماذا؟ باعتبار أنها المسرى، هذه القدس معظمة باعتبار أنها المسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ طيب، هذا الإسراء كان عبارة عن ماذا؟ انتقل صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى هذا المسجد حيث اصطفّ النبيون فأمّهم صلى الله عليه وسلم إيذانًا بإعلان تسلمه لمهمة تتميم الرسالة واكتمال البنيان الذي انتظر الناس اكتماله ( هلا وضعت اللبنة، فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين).
إذن توجه إلى هذا المكان الذي شهد رسالات النبيين الذي سبقوه من لدن إبراهيم عليه السلام، هذا محل الرسالة لكي يستلم يستلم مهمة تتميم الرسالة.
إذن ورثة هذا المكان هم أهل الرسالة، أهل الرسالة وهم يستحقون عند الله هذا المكان على حسب علاقتهم بالرسالة، فأين نحن من الرسالة، قبل أن نقول أين نحن من الأرض، أين نحن من الرسالة، هذا واحد.
اثنان: النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى القدس ورجع مرة أخرى إلى مكة، أم أنه من القدس عرج إلى السماء؟ إذن لم تكن الرحلة من مكة إلى القدس، لا لا، هي كانت إلى السماء عبر القدس.
إذن هذه الرحلة بالأساس تمثل مفهوم عروج الروح إلى السماء، أن الإنسان يربط الأرض بالسماء، يربط الناس بخالقهم، يصعد إلى السماء ليتلقى الأمر بالصلاة التي هي صلة بين العبد وبين الله، هذه هي الرحلة، هذه هي الرحلة، هذه هي الرحلة، فهذه خطوة في طريق العروج إلى السماء، فحينما تقطع الصلة بالسماء لا تكلمني عن الأرض، لماذا تكلمني عن الأرض، لا تكلمني عن الأرض، هي الرحلة هكذا، هي الرحلة هكذا ليست لها شكل آخر، هنا يستلم رسالة لكي يعرج إلى السماء ليقيم الصلة الحقيقية مع الله، هذه هي الرسالة.
على قدر علاقتنا بهذا الكلام نتكلم عن أي أمر، وإلا فنحن نهرج، والدين ليس مادة للتهريج، ليس مادة للتهريج، هذا هو الموضوع، نحن كم لنا علاقة بالسماء؟ بمحل تنزل الوحي.
دين اليهود، دين يبحث عن الملك في الدنيا ولا عبء بالآخرة، يبحث عن الملك ويتعلق بالنبوءات، ونحن اليوم أقرب إلى هذا الدين، البحث عن الملك المتشبث بالنبوءات، وهذا ليس الدين.
الخلاصة: حقيقة الدين هو مدى ارتباط العبد بالرب، ولا يمكن أن يرتبط العبد بالرب إلا إذا كان على قدر عظيم من المعرفة بالرب وعلى قدر عظيم من استشعار وجود الرب في حياته الشخصية وفي حياة الناس عمومًا، كم أستشعر وجود ربنا في حياتي، هذه هي الرسالة، هذا هو ما من المفترض أن نحاول السعي إليه، هذا هو الذي من المفترض أننا نسير لكي نصل إليه، إذا كان الإنسان المسلم لا يشعر بقيمة هذا فهو يتحدث عن دين آخر لا نعرفه، الدين الذي نعرفه هو الدين الذي يعظم رب العالمين ويربط الإنسان بالله ويربط الدنيا بالآخرة، رحلة تنتهي بالوقوف بين يدي الله أجني فيها ثمرة هذه الرحلة، ليس شيء آخر، ليس شيء آخر.
والشيء الذي تكلمنا عنه هذا ستؤول بالمجتمعات الإنسانية إلى شرٍّ ووبال، وحينئذٍ لن يكون أمام الناس إلا أن يلجؤوا إلى الله، في النهاية، ما نحن فيه لابد سيؤول إلى شر وفساد، وحينئذٍ سوف يبحث الناس عن الله، وحينئذٍ من المفترض أن يلتفتوا إلى من يملكون رسالة الله، اليوم نحن أحقر أناس بنظر أهل الأرض، من المفترض إذا تمسكنا بوحي الله أن نصير غدًا قبلة الناس كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يومًا ما قبلة أهل الأرض جميعًا ليس من أجل أنفسهم، هم ما كان عندهم شيء في الحقيقة، ولكنهم كانوا أمناء حقّ أمناء على الأمانة التي ائتمنهم الله تبارك وتعالى عليها.
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك، أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم ردنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم ردنا إليك ردًّا جميلًا.
اللهم كن لنا ولا تكن علينا وأعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسّر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك ذكّارين، واجعلنا لك شكّارين، واجعلنا لك رهّابين، واجعلنا لك مطواعين، إليك أوّاهين منيبين
اللهم تقبّل توبتنا، وامح خطيئتنا، وثبّت قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا
اللهم إنا نسألك حبك، اللهم إنا نسألك حبك، اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم