Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

قنص البوارح

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد ،،،

قد انتهينا في خطبتنا الماضية إلى ذكر الأيام الأخيرة من حياته صلى الله عليه وسلم وبيّنا من خلال بعض المواقف والأحداث، كيف كان شفقته، وكيف كان حدبه وكيف كان حرصه صلى الله عليه وسلم على صحابته، وعلى أمته من بعده، وكيف كان يشغله حالهم ووضعهم ومستقبلهم، وقبل أن نستتم هذه الكلمات ينبغي أن نسأل أنفسنا سؤالاً ما فائدة الحديث حول هذه المسائل؟ ما فائدة سرد هذا القصص أو هذه المواقف، إن محبة المؤمنين لرسولهم لنبيّهم صلى الله عليه وسلم هي جزءٌ أصيلٌ من أجزاء الإيمان، العلاقة الوجدانية العاطفية بين المؤمنين وبين نبيّهم صلى الله عليه وسلم ومن أين تأتي هذه العلاقة ومن أين نكتسب نحن هذه المشاعر، إذا لم نكن على علمٍ بموجبات وبأبواب وبمداخل هذه المحبة وهذه المشاعر، قال الله تبارك وتعالى أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ هذه المعرفة هي سبيل المحبّة، أو المودّة أو عكسها، أنت علاقتك مع أي أحد يكون مشاعرها إيجابية أو سلبية بناءً على تاريخ وعلى معرفة وعلى إدراك وتصوّر منّك لهذا الشخص الذي تنطوي مشاعرك على هذا المكنون له سواءً كان سلباً أو إيجاباً خيراً أو شرّاً، ولذلك كان أصل الإيمان هو معرفة العباد لربهم تبارك وتعالى، نحن نحب ربنا سبحانه وتعالى وبناءً على ماذا؟ بناءً على هذه المعرفة بالعظمة والكرم والمنّة والفضل والرحمة وعلى النعم التي غمرنا بها من قبل ربنا تبارك وتعالى، ولذلك ذكرنا قبل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سوصي معاذاً رضي الله عنه حينما أرسله إلى اليمن، قال ” إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ” وقال له ” فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحّدوا الله ” لأن عندهم المعرفة مشوبة بالنقص والتوحيد مشوب بالشرك ” فإذا هم عرفوا الله فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يومٍ وليلة ” قال صلى الله عليه وسلم ” أنا أعلمك بالله وأشدكم له خشية ” فبنى الخشية والتعظيم والمهابة على العلم، وعلى المعرفة فالأصل أن يعرف الإنسان ربه، فإذا عرف ربه أحبّه وعظّمه، وإذا عرف نبيّه صلى الله عليه وسلم أحبه وعظّمه ووقّره.

قال صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم ” الخطاب عام لعموم المؤمنين، ” حتى أكون أحبّ إليه؛ من أهله وولده والناس أجمعين ” فكيف سيأتي هذا، هذا الحب كيف سيأتي؟ لابد أن ندرك أولاً قيمة هذه المشاعر في بناء الإيمان، الدين ليس مجرّد التزام جامد، مجموعة أشياء نحن مطالبون أن نفعلها، ومجموعة أشياء مطالبون أن ننكفّ عنها لا، أساس الإيمان هي المشاعر الوجدانية التي يكنّها الإنسان المؤمن لربه ولنبيّه ولإخوانه من المؤمنين، والتعظيم لهذه المنّة التي امتنّ الله عز وجل عليه بها، والتي هي الدين ” ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ” رضا، ليس أقرّ أو قبل،، ” من رضي ” ” ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله ” لا يريد منه مصلحة، ليس لأي غرض دنيوي، ” وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ” إذاً هو صلى الله عليه وسلم يتكلم عن مشاعر إيمانية حلاوة توجد، شيء يذاق هذا مبني على ماذا؟ مبني على حب وعلى رضا، هذه مشاعر موجودة في قلب الإنسان ينبني عليها بعد ذلك ما ينبني وهذا ابتناء تلقائي، أي إذا وجد الحب، لن يكون هناك صراع، إذا كنت أحب ربنا سبحانه وتعالى لماذا سأصارع نفسي لكي أرضي ربنا، فأنا لن أحتاج الصراع لأنني أفعل شيء أنا متوجّه إليها منشرح الصدر، راضي النفس، لماذا سأصارع نفسي، ولذلك كلما كان هناك صراع معناه أن هناك نقص ينبغي أن نعالجه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ” ألا إن في الجسد مضغة ” قال هذه تعليقاً على ماذا؟ على أن ” بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس ” يوجد أشياء بيّنة واضحة أنها حلال، وأشياء بيّنة وواضحة أنها حرام، وأشياء ملتبسة، موقفنا منها موقف من اثنين إما الاتقاء وإما الوقوع فيها، ثم قال معقّباً ” ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ” إذاً هناك شيء هنا، هذا الشيء الموجود هنا سيترتّب عليه أن الإنسان توجّهاته باتّجاه الخير أو الشرن باتّجاه اليمين أو باتّجاه الشمال عياذاً بالله.

إذاً الذي نتكلم فيه هذا، كله أين يريد أن يصب؟ في أن مشاعرنا وأحاسيسنا تجاه نبيّنا صلى الله عليه وسلم تعود إلى حيث ينبغي أن تكون، قال الله تبارك وتعالى أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْوبعد ذلك وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ إذاً هذا الانحراف مبني على ماذا؟ على وجود القسوة ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ما معنى هذه القسوة؟ أن القلب يكون جامد، المشاعر والأحاسيس فيه ضعيفة لا ينبض كما ينبغي أن ينبض، لا يتحرك كما ينبغي أن يتحرك، فلماذا؟ ولكي يصحو أو يحيا فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ۝ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا

يقول عبدالله بن هشام رضي الله عنه كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب يماشيه – ماسك ايده في ايده يعني – فقال عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم ” لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ” فرجع إلى نفسه متفكّراً، فقال: فأنت والله يا رسول الله أحبّ إليّ من نفسي فقال: ” الآن، الآن يا عمر ” الآن حين كمُل إيمانك وتمّ، لم يرضى أن ينزل عن هذا، هؤلاء الناس وصلوا إلى ما وصلوا إليه لأنهم لديهم مقامات الصدق، لا يقول شيء هو لا يشعر أنها موجودة لديه فعلاً، فهو لأنه صادق قال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من الأهل والمال والولد لكن هو يحبّ نفسه أكثر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له لا يجور، وراء هذا أمر آخر، فماذا فعل هو، هو لم يبني شيء، لأن هذا الوقت لا يسمح أن يقف ويحدث تعديل، لأن هذا شيء نفسي، هذه المشاعر لا تتصنّع، فماذا فعل؟ هو تفكّر؛ ما ميزان تفاضل الحب؟ إذا كان لديك استعداد بأن ما تحبّه تفديه بنفسك، تجعل نفسك فداءً له فهذه علامة على أنه هو رقم واحد وأنت رقم اثنين، فلما عاد إلى نفسه متفكّراً وجد أنه يمكن أن يفعل هذا فعلاً، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال إذاً هو الآن.

فالقضية كيف يوصل إلى هذا؟ لن يكون بدون معايشة، لن يكون بدون مجالسة، نحن الآن حينما نحيد، نحيد إلى خيرٌ منه صلى الله عليه وسلم، فلنكون في دائرة المقارنة.

نحن الآن نبعد عنه إلى أي مكان؟ أي من هو الجليس الأمثل أو الأفضل أو الأحسن الذي سنؤثره عليه؟ فنحن إذا فكّرنا قليلاً سنجد أننا لا نملك أحد أفضل، ولا شخص أمثل ولا أعظم، ولذلك نحن نتكلم عن هذه الكلمات لكي ندرك عظمة هذا المقام وقيمته في حياتنا، هذه القيمة كانت في حياة أصحابه؟ أم في عموم حياة الأمة جيلاً بعد جيل؟

يحكي أبوهريرة رضي الله عنه فيقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى المقابر فقال مسلّماً ” السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين إنا إن شاء الله بكم لاحقون ” فلماذا يذهب إلى المقابر؟ حثّ وأوصى صلى الله عليه وسلم على إتيان هذه الأماكن، قال فإنها تذكّر الآخرة، تذكّر الآخرة.

الإنسان تستغرقه أموره الدنيوية ومشاغله، وربما يستغرق، وربما يفتن، وينسى مستقبله الحقيقي، فهو محتاج دائماً أن يدرك أو يذكّر نفسه، قال ” فإنها تذكّر – تذكّر – الآخرة ” وكلمة التذكرة هذه كلمة أساسية في كتاب الله، غالباً الكلام لا يكون حول شيء يبنى لا هذا شيء نحن نتذكّره قال وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ۝ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ما معنى التذكرة؟ هذه التذكرة لن أقول لك فيها أمر لا تعرفه، ولذلك نحن عندنا دائماً يوجد مشكلة، أنني مثلاً من الممكن أن آتي إلى خطبة جمعة، أو أسمع كلام يتعلّق بالدين، أنا أبحث عن المعلومة الجديدة، لا يوجد معلومة جديدة، لا يوجد معلومة جديدة، هذا الدين اكتمل من زمان، أصلاً هو اكتمل من قديم، وأنت منذ فترة تسمع، فأكيد سمعت الأشياء المهمة، فالمفترض إذا جئت إلى هنا وسمعتني أقول كلام كثير جديد، فمن المفترض أن تقلق مني وليس العكس، لأنني أكيد أخترع، فأنا من أين سآخذ، هل يوجد وحي جديد نزل، أو أنا عندي إلهام شخصي، أكيد لا

إذاً المفترض ما الوظيفة؟ التذكير، لماذا التذكير؟ لأن أصل الإيمان ربنا سبحانه وتعالى جعله فطرة في الإيمان في عمق نفسه، هو مولود هكذا، ” كل مولود يولد على الفطرة ” هو طبيعي توجّهه لله، فتأتي الشياطين تصرف الناس قال الله تبارك وتعالى كما في الحديث القدسي ” إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ” كلهم مؤمنين وموحدين، وقلنا ما معنى الحنيف؟ في وصف إبراهيم عليه السلام في كتاب الله، قلنا أن الحنيف هو المائل، والتوحيد استقامة، لماذا الحنيف مائل، ذكرنا هذا المعنى قبل ذلك مرتين، لماذا عبّر ربنا سبحانه وتعالى عن التوحيد وكمال الاستقامة بالحنف الذي هو الانحراف والميل.

الأحنف بن قيس – رجل من عظماء التابعين – كان اسمه أحنف – لأن رجليه مقوّسه – فأسمه أحنف لأنها معوجّة، إذاً الحنف هذا عبارة عن ميل، والصراط مستقيم، لأن الاتجاه العام للناس غالباً ما يكون في الانحراف فيحتاج العائد إلى الاستقامة إلى أن يحيد أو ينحرف عن هذا المسار وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونِ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ولذلك سيدنا إبراهيم كان نموذج، لأن هو كان بمفرده في المجتمع كله، المجتمع كله آخذ اتّجاه معيّن، وهو حاد عن هذا الاتّجاه عائداً إلى ربّه إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ما معنى الإنابة؟ الإنابة هي الرجوع إلى الله، ترك الناس وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا۝ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تأتي المنن من الله سبحانه وتعالى وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ هل هؤلاء أبناء؟ لا لا لا وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا۝ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا العوض من ربنا سبحانه وتعالى.

 ” إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ” على الإيمان، وبعد ذلك ” وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ” فما معنى اجتالتهم؟ جعلتهم نزحوا، نحن نعرف معنى الإجلاء، أن هؤلاء يسموا لاجئين، لاجين أي أناس أخرجوا من ديارهم وحملوا قسراً على أن يأووا إلى مكان، مكان غربة ونأيٍ ومشقّة وشقاء، إذاً ما معنى اجتالتهم؟ أجلتهم عن ماذا؟ ليس عن أرض، عن دين، لأن هذا الدين هو الأصل الذي يفيء إليه الإنسان.

إذاً التذكرة هي مهمّة النبيين، لماذا؟ لأنها تخاطب شيء بداخله لأننا محتاجين أن نحيي بداخلنا الأشياء التي تخبو والتي تضمر والتي تضعف لأن هذا هو استعادة الإيمان، هذه هي السعادة الحقيقية في الحياة، أن القلب ينبض بالإيمان، وأن الإنسان يحيا متّصلاً بالله وجداناً وشعوراً ليس جسداً، القضية الحقيقية أن الإنسان يعمر الإيمان قلبه، فكيف سيتمّ هذا عبر إحياء علاقة المعرفة مع الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين …

إذاً من خلال الذي قلنا نحن ركّزنا على معنى الأمان وجود النبوة في الحياة هذا هو معيار الأمان، هذا الذي يعطي السكون ويعطي الأمن ويعطي الطمأنينة.

سيدنا أبوهريرة يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى المقابر يدعو لهؤلاء ويؤنسهم – هذا الفرق بين زيارتنا وزيارتهم – ثم قال ” وددت أنّا قد رأينا إخواننا فقال من معه من الصحابة رضي الله عنهم: أولسنا إخوانك يا رسول الله، قال: أنتم أصحابي، إخواننا الذين لم يأتوا بعد ” هو يؤنس هؤلاء ويتمنى – هؤلاء الذين سبقوا، تقدّموا إلى لقاء الله سبحانه وتعالى بالموت – ويتمنى أن لو كان قد لقي أو رأى المؤمنين الذين يأتون بعد، فالصحابة قالوا له – طب ما احنا اخواتك يعني – قال لهم: لا أصحاب، فما الفرق؟ الصحابة فيها معنى الصحبة والمرافقة، هذا ليس نفياً أنهم إخوانه، لكن هم لهم وصف ألصق به لأنهم يصاحبونه بدناً وروحاً، أما الناس الآتين بعد ذلك، لا؛ روح فقط، روح تتصل بروح، البدن غير موجود، اللقاء الحسي ممتنع، فهو يريد أن يرى هؤلاء لكي يلحق هؤلاء بهؤلاء، فيكونوا كلهم شركاء في الصحبة التامة، فهم سألوا، كيف تعرف أو ستعرف من لم تلقى من أمتك، فقال: ” أرأيتم لو أن رجلاً له خيلٌ غرٌّ محجّلة ” الغرة أن جبهة الفرس يكون بها بياض، والتحجيل أن قوائم الفرس – ركبه – يكون بها بياض.

قال ” أرأيتم لو أن رجلاً له خيلٌ غرٌّ محجّلة بين ظهري خيلٍ دهمٍ بهم ” سوداء تماماً ” أكان يعرف خيله ” يعرف يميّزهم، قالوا: نعم، قال ” فإن أمتي يردون عليّ غرّاً محجّلين من آثار الوضوء ” هذا الوضوء ليس شيئاً بسيطاً، نورٌ في جبهة المؤمن ونورٌ في مرافق المؤمنين يعرفهم بها صلى الله عليه وسلم كعلامة بينه وبينهم حينما يردون على حوضه صلى الله عليه وسلم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يردوا حوضه فيشرب منه شربةً هنيئة لا يظمأ بعدها أبداً.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يتكلّم عن أناس لم يأتوا هو يريد أن يراهم، من المفترض في مقابل ذلك يوجد شيء عندنا نحن بداخلنا، في مقابل هذه المشاعر، مشاعر تقابل مشاعر، يقول صلى الله عليه وسلم ” إن من أشدّ أمتي لي حبّاً؛ أناساً يأتون بعدي يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله ” عنده استعداد يضحّي بأي حاجة، لكي يراه فقط، فهذا من المفترض أن يكون موجوداً، كيف سيكون موجود، إذا لم نأخذ خطواته، إذا لم نمشي ناحيته، فكيف سيأتي؟ لابد من المعرفة، لابد من الاتّصال، لابد من المعايشة، هي ليست بالجسد، لكنها بالروح، وهذه الروح هي أصل الإنسان، ومعيار تكليم ربنا سبحانه وتعالى له، والشيء الذي ربنا سبحانه وتعالى شرّفه وكرّمه به، هذا هو أصل الإنسان والجسد تابع، ولذلك الجسد ياتي عليه الوقت ويفنى أما الروح تصعد ولا تفنى، فأصل الإنسان هو روحه وجسده تابع، فالصلة بالروح قائمة وباقية وهذا أصل الاتّصال.

فكيف يأتي هذا؟ لازم له مقدّمات، فقلنا يكفي أن ندرك من خلال هذه المواقف إلى أي مدى كان النبي صلى الله عليه وسلم حريص علينا وخائف علينا؟ وخائف من المستقبل، هو عندما يمضي ماذا سيحدث، ويحاول يأخذ بكل الأسباب الممكنة لكي يقلل هذا.

وهناك أمر آخر أصعب كثيراً، أن ربنا سبحانه وتعالى أصلاً قد أطلعه على كثير من أمور الغيوب المستقبلة فهو عارف، هو مدرك أنه سيحدث أمور، ومع ذلك هو يحاول قدر الإمكان أن يجنّبهم هذا.

تخيل أب سوف يغادر الحياة ويوصّي أولاده وهو حريص عليهم، وقد رأى مثلاً من الرؤى أن فلان سيحدث له كذا، وفلان سيحدث له كذا، فيخبر هذا أحياناً ولا يخبر هذا أحيانا، ويضمر هذا في نفسه، لكن المشاعر كيف ستكون، هو يريد أن يمضي وهو مطمئن فهو يرى أن هذا مصرع فلان، صعد على أحد يوماً صلى الله عليه وسلم فلحقه أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فاضطّرب بهم الجبل اهتزّ فضربه برجله صلى الله عليه وسلم وقال اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، هو يعرف أن هذاين إلام يؤول أمرهم، وكان ربما يخبر بهذا أحياناً، ولذلك كان عليّ على علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمآله ومصرعه، الذي سيضربه أين سيضربه بالضبط والدم عندما ينزل أين سينزل، هو يعلم، ولذلك سبحان الله اليوم الذي قتل فيه، هو كان خارجاً لصلاة الفجر وضربه الرجل بعد الأذان، فهو قام متثاقلاً هذا اليوم بالخصوص، ويكأنه أن هذا هو يوم مصرعه، وكذلك عثمان رضي الله عنه وكذلك عمر، ولكن هذا الحديث لن نستطيع أن نفصّل فيه الآن، لكن تخيّل أن الشخص يكون سائراً وهو يعرف أن وراءه أشياء.

فهؤلاء الناس كم يحبهم صلى الله عليه وسلم؟ وكم يخاف عليهم؟ ومع هذا الحب وهذا الخوف عليهم وإدراكه بالذي سيحدث كيف تكون مشاعره؟ ولذلك نحن ذكرنا الجمعة الماضية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها أول ما بدء ينزل به الوجع، وتشتدّ عليه الحمى، ” بل أنا يا عائشة وارأساه، والله لقد هممت أن أدعو أبابكرٍ وابنه – عبدالرحمن – فأكتب كتاباً أو أعهد عهداً لئلا يقول القائلون، أو يتمنّى المتمنون ولكن قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون “

هو يريد أن يكتب له الكتاب لئلا يحدث اختلاف أو شخص يقحم نفسه فيما ليس له فيه شأن، ثم أوكل الأمر إلى الله أن ربنا سبحانه وتعالى لا يقدّر ذلك، وأن المؤمنين يدفعون ذلك

ومرّت أيام وجاء يوم الخميسن والنبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، يحكي ابن عبّاس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته وعنده جماعة من أصحابه فقال قرّبوا لي كتاباً أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، فاختلف من بالحجرة، فقال بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندنا كتاب الله فحسبنا كتاب الله، فكثر اللغط والاختلاف، فقال بعضهم: قرّبوا له كتاباً ليكتب لكم لئلا تختلفوا من بعده.

إذاً النبي صلى الله عليه وسلم كان سيكتب، ثم صرف نظر، ثم غلبه ما يشغله من أمرهم فيريد أن يكتب – مرة أخرى، هاتوا حاجة أكتب – وقال بعضهم غير ذلك، فلما كثر اللغط والاختلاف، قال صلى الله عليه وسلم ” قوموا عني فإنه لا ينبغي عندي التنازع ” قال تعالى وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ دائماً التنازع والاختلاف ما بين المؤمنين سبب أساس من أسباب رفع الخير ووجود البلاء.

النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ليخبر أصحابه بليلة القدر، أي ليلة هي، أي أن ربنا أراه رؤيا أنها هذه السنة ليلة كذا، فهو خارج ليقول لهم، فتلاحى رجلان – اثنين تشاجروا – فرفع علمها منه صلى الله عليه وسلم – نسيها – عندما حدث عركة نسيها، قال ” إني خرجت أخبركم أي ليلة هي فتلاحى فلانٌ وفلان فرفعت، فالتمسوها في التسع والسبع والخمس ” واحدة من هؤلاء أنا لا أعرف.

إذاً أي تلاحي أو تنازع حتى وإن كان تلاحي لفظي هكذا، بسيط ولا يترتب عليه إلا الشر والسوء.

يقول حذيفة كنّا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” إني لا أدري ما مقامي فيكم ” أنا لا أعلم كم سأبقى ” وأشار إلى أبي بكر وعمر ” وتمسّكوا بهدي عمّار وما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه “

نحن ذكرنا من قليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى معاذ رضي الله عنه وقد بعثه إلى اليمن قال ” إنك تأتي قوماً أهل كتاب ” كان يقول له هذا الكلام في أي سياق؟ معاذ خارج والنبي صلى الله عليه وسلم يودّعه،، معاذ يركب على الجمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يمشي على الأرض، سيدنا معاذ الذي يركب فوق، والنبي صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه بجواره، يعظه وينصحه ويرشده ويوجّهه ثم قال في نهاية كلامه، قال ” يا معاذ إنك لا تدري لعلّك لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلّك أن تمرّ بمسجدي وقبري – احتمال لا نتقابل مرة أخرى – فبكى معاذ جشعاً، – جشعاً أي جزعاً – لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لا تبكي يا معاذ للبكاء من الشيطان ” هو يودّعه ويقول له احتمال لا تراني مرة أخرى، وهو فعلاً عندما رجع كان النبي صلى الله عليه وسلم توفي، وكان أبوبكر قد تولى إمرة المسلمين.

إذاً ما نريد أن نقوله من كل هذا، هذا المقام ينبغي أن نقدره حق قدره، وأن العلاقة بيننا وبينه تكون حيّة نابضة طيلة الوقت، فكيف سيتمّ ذلك، كل شيء له مقدّمات وله وسائل، لكن لابد أن ندرك أولاً أن هذا أمر في عمق الإيمان، وهذا أمر في غاية الأهمّية لا ينبغي أن نؤثر عليها ما هو أقلّ أهمية بكثير، وأن هذه حقيقة ما أراده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين؛ الصلة الوجدانية الروحيّة، نحن نعاني من حالة من الجفاف والجفاء الشديد، وهذا يتنافى مع طبيعة الدين، وطبيعة الدين بالأساس هي عبارة عن مشاعر وأحاسيس وروح تنبض، هذه الروح التي تنبض ترتب كل خير في الأقوال وفي الأعمال وفي السلوك، هذا ما نبحث عنه، كيف سنصل إليه؟ هذا سبيله ليس له سبيل آخر.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم