إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
انتهينا إلى قوله تعالى مالك يوم الدين، ثم في الحديث حول هذه الآية العظيمة أنبدأ أولاً بالمضاف أم نبدأ بالمضاف إليه.
يعني: نتحدث عن المالك والملك هذا الوصف العظيم، ثم نضيفه إلى يوم الدين، أم نبدأ بالحديث عن يوم الدين ثم يتبيّن لنا بعد من الإضافة عظمة هذه الكلمة العظيمة ” مالك يوم الدين ” .
نحن حينما نقول مثلاً: أن فلان رئيس هيئة البترول، أنا أولاً أكون مدرك هيئة البترول، أنا أعرفها، ثم أضيف إليها الرئيس فأدرك وضعه ووظيفته.
ولو قلت مثلاً إن فلان عمدة عمدة نيويورك، وفلان عمدة كفر الحبحب،، أنا أولاً: سأتكلم عن العمدة، وأدرك معنى العمدة، العمدة هذا: هو الشخص الذي هو عماد القرية، الذي يعتمد عليه ويستند إليه في إدراة شئونها وبالتالي بدون وجود هذا العمدة لا تستقيم أحوال هذه القرية أو أنني متخيّل نيويورك كمدينة كبيرة عظيمة، ولما أقول أن فلان هذا عمدة نيويورك، وأعرف معنى عمدة أدرك عظمة هذه الوظيفة استناداً، لأنني أصلاً مدرك أن هذه المدينة مدينة كبيرة وإلى أي مدى هي مدينة راقية،، بخلاف كفر الحبحب، يعني عمدة هناك،،، عادي مش هتفرق.
فنحن لو أدركنا معنى يوم الدين ثم بعد أدركنا الإضافة حينئذٍ ندرك عظمة هذه الآيات العظيمة.
أولاً: كلمة الدين، ولماذا سمي يوم القيامة بيوم الدين؟
أولاً: كلمة الدين هذه من أكثر الكلمات استعمالاً، ومن أكثر الكلمات للأسف تحييراً، نحن نستخدم كلمة الدين كثيراً، حتى أنه من أكثر الأشياء التي تسب وتلعن الدين أيضاً، ففي مجتمعنا الآن للأسف نتيجة لانتشار الفساد الأخلاقي أول ما شخص يغضب أول شيء يفعله يسب الدين، لماذا؟ لأن الدين هذا ليس شيئاً مملوكاً لأحد، أي إنني لو سببت شخص سيغضب أني سببته، أما الدين هذا لا يغضب أحد، سبّاً في الهواء، ولذلك أنت إذا اعترضت يُقال لك: ” وأنت مالك؟! “
فكلمة الدين؛ ما معنى الدين؟ ما معنى متدين؟، علاقة الدين بالحياة، تأثير الدين في الحياة الاجتماعية، علاقة الدين بالأحوال الاقتصادية والمعاملات المالية، علاقة الدين بالأمور السياسية، تعدد الأديان، وهل وجود الأديان في المجتمعات كان شيئاً حسناً أم لم يكن حسناً، هل هو أحسن إليها وأضاف، أم أنه أفسد هذه الحياة؟
الانقسامات الدينية، التعدد الديني داخل الملل، وداخل كل ملّة؛ داخل الملّة الواحدة، كل هذا يندرج تحت هذه الكلمة عظيمة الخطر ” ” الدين ” ” ، ما معنى دين؟
نحن عنونّا الخطبة بالإنسان الأول، لماذا؟ لأن ما تلقيناه أن الإنسان نشأ بدون الدين، وأن هذا الإنسان الأول هذا كائن بدائي ليس لديه أي دراية عن أي شيء بل لا يستطيع أن يتكلم، يُعبّر بالإشارة،،،، هذه صورة الإنسان الأول، الإنسان الأول.
وبعد ذلك بدأ الإنسان الأول هذا يحدث الكلام للتواصل والتخاطب وبعد ذلك هذا الإنسان الأول من خلال الحياة التي يعيشها استشعر الخوف من كثير من ظواهر الطبيعة فهذا الخوف جعله يعبد كل ما يعظّم من هذه الظواهر، ويقول أن هذا أصل الفكر المتعلق بتطور الأديان.
إذاً الإنسان الأول لم يكن لديه دين نهائياً، ثم بدأ يعبد أي يخضع لظواهر الطبيعة مثل البرق والرعد، لماذا؟ لأنه يخاف أو يهاب؛ هذا أولاً
هذه المجتمعات لم يكن بها علم أو ثقافة أو تدوين أو كتابة، فكيف تنقل الخبرات؟، تنقل عبر المسنين الذين لديهم تحصيل لما ورثوه عن الآباء، فهؤلاء المسنين أصحاب الخبرة هم الذين يلجأ إليهم وهم الذين يحلون المعضلات والمشكلات فيعظّموا، فإذا زالوا وشعرنا بفقدانهم ننصب لهم شواهد، أصنام أو غيرها لكي تذكرنا بهم فيؤل الأمر إلى عبادتهم، هذه صورة.
مثلاً المجتمعات استقرّت حول النيل أو أنهار أو أنها تعتمد على الأمطار فتعبد المطر وتجعل إله للمطر، أو تعبد النهر وتجعل إله للنهر، تعبد الشمس، تعبد القمر، تعبد الكواكب، والآلهة متعددة وكثيرة، ثم بدأ الإنسان مع التطور أيضاً يعتقد أن هذه الآلهة لابد أن يكون لها جامع يجمعها أو شيء يربطها، فبدأ يفكر في فكرة التوحيد، ونحن درسنا في المدرسة أن إخناتون أول شخص وصل إلى فكرة التوحيد،، أنه كان هنالك آلهة كثيرة، الإله رع وتحته آلهة كثيرة، ثم أوزوريس، ثم آمون ثم نسب آمون لرع لكي يدير، ثم حوّلها اخناتون لآتون، هذا الذي أخذناه في المدرسة.
وأنه عبد إله الشمس، ثم مع التطور انتقل من الشمس لله،، هذا ما يفترض ما تعلمناه، ولكننا لا نربط بين الأشياء.
لأن عندنا في الدين يوجد سيدنا آدم وهو الإنسان الأول ويوجد فيما نتعلّمه، يوجد إنسان آخر وهو طرزان هو الإنسان الأول،، فهل هو آدم أم طرزان من هو الإنسان الأول؟
المفترض وما علّمه لنا ربنا أن الإنسان الأول هذا الذي هو آدم عليه السلام، إنما فطره الله سبحانه وتعالى على الإيمان والتوحيد وأنه عابد لله سبحانه وتعالى وأنه عنده علم.
قال تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وأنه نزل إلى الأرض بعبادته وتوحيده ومعرفته لله والعلم الذي آتاه الله إياه، ربنا سبحانه وتعالى لم ينزل الإنسان إلى هذه الأرض لكي يخبط خبط عشوائي وأنه سيبحث، لا
ربنا سبحانه وتعالى أنزله بما يحتاج إليه من علم لأن هو سيؤتمن على هذا العلم وعلى هذه الوظيفة وعلى هذه الأمانة وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
إذاً هذه النظرية خلاف للذي علّمنا ربنا سبحانه وتعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا عهد ربنا أخذه على الإنسان قبل أن يخرج لهذه الأرضن حينما خلق آدم عليه السلام أخرج ذرته من ظهره كأمثال الذر – النمل الصغير – ثم أخذ عليهم العهد بهذا الإيمان أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ نحن لا نعلم أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ
قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في الصحيح كل مولود يولد على الفطرة معرفة ربنا سبحانه وتعالى والتوجه إليه فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه
فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم أن هذه الفطرة هي أصل الإيمان والإسلام.
الأبوان أو أثر البيئة سيحرفوا إلى أين؟ سيحرفوا إلى دين آخر، هم لم يخرجوه عن إطار الدين، أبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه إذاً هو إذا خرج من دين الحق أيضاً إلى صورة من صور التدين، الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون دين، ولذلك هنري برجسون كان يقول ” أن كل جماعة إنسانية وجدت أو توجد ربما توجد بلا فلسفة أو بلا علم أو بلا فن، لكنه لم توجد قط جماعة إنسانية ليس لها دين ” لا يكون.
إذاً الإنسان الأول هو آدم عليه السلام معه دينه ومعرفته وعلمه.
أنا أتذكر كان عندنا مادة اسمها ” الاقتصاد الرياضي ” ، تكلم عن أن الإنسان ربنا سبحانه وتعالى آتاه العلم، وحينما كان ينزل إلى الأرض سقط العلم منه،، العلم سقط!! حسنا وبعد
وبعد ذلك الإنسان في أثناء مسيرته في هذه الحياة يجمّع أو يتذكر العلم الذي تعلّمه آدم قبل أن ينزل إلى هذه الأرض فإذا اكتملت علوم آدم قامت القيامة، هذه نظرية
هذه النظرية علام تبنى،، كل شيء لابد أن يكون له سند، من أين أتى هذا الكلام، من أين أتينا بهذه النظرية؟ النظرية: أن حياة الإنسان في الأرض مبنية على أن يجمّع – إذا هذه مهمة الإنسان في الحياة والحكمة من وجود الإنسان – العلوم التي سبق لله أن علّمها آدم.
وأنا الآن طالب يدرس، سأقول أنه إذا اكتمل العلم ستفنى الحياة، فالأفضل أن نتعلم ونسارع في جمع علوم آدم أم نبطئ؟ فأنا كطالب الأفضل ألا أتعلم لأنني إذا تعلّمت بسرعة ستقوم القيامة ونحن نريد أن نكمل في الحياة، فماذا نفعل؟ نبطئ من عجلة التعلم.
في السنة الرابعة في ” الاقتصاد القياسي ” نفس الدكتور قال نفس الموضوع مرة أخرى.
فهذه النظرية،، هل فعلاً الإنسان وجد على الأرض لكي يجمع علوم آدم أم أن له وظيفة وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ولذلك تكون من أكبر خطايا الإنسان أن يقبل أو يتغافل أو يرفض الهداية الإلهية، أي أن ربنا سبحانه وتعالى لم يتركنا هكذا أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى قال تعالى الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ نحن قلنا أن سيدنا آدم عندما نفخ ربنا فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله،، فهو كان يتكلم.
سيدنا ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون ” عشر أجيال ” كلهم على التوحيد. الإيمان هو الموجود أصلاً، والشرك هو الذي نشأ، فالإيمان أصل والشرك هو الذي نشأ، وليس العكس، لم يكن الإنسان يبحث وربنا سبحانه وتعالى كان يتركه بدون معرفة أو دراية، لا.
الإنسان الأول مفطور على الإيمان ولذلك هذا الإيمان شيء في تكوين الإنسان لا يمكنه أن يخرج عنه.
الآن ما معنى الدين؟ هذه الكلمة ما معناها؟ عندما نقول دان فلان، أي خضع.
ابن فارس في معجم المقاييس قال: الدال والياء والنون أصل يرجع معنى الذل والانقياد.
إذاً كلمة أن فلان يدين؛ أي يخضع، هذا أصل لكمة الدين، يدين ويخضع إلام؟ سنجد في كتاب الله قول الله سبحانه وتعالى كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ما معنى إضافة الدين للملك؟ قال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ وقال تعالى قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وقال تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
من مجموع هذه الآيات فما يكون مفهوم الدين في كلام الله سبحانه وتعالى وما المقصود بالدين؟
الحمد لله رب العالمين
إذاً معنى أن الإنسان يدين، أن يخضع، يخضع لله سبحانه وتعالى محباً له ساعياً طوعاً للالتزام بأمره.
الدين يأتي أيضاً بمعنى القضاء الذي هو في ” مالك يوم الدين ” الديّان هو القاضي، فلماذا؟
لأنه حينما يقضي بين الناس يخضع الناس لحكمه ولذلك نحن ذكرنا قبل ذلك من فترة طويلة أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما انتقل من مكة إلى يثرب أحالها إلى المدينة لماذا المدينة؟ لماذا سماها المدينة؟ لأن المدينة هذه من الدين والدينونة، المدينة التي تدار وتحكم وتخضع لديان يقضي ولدين يحكم به، المدينة ستحكم بالشرعة الإلهية.
حينما تحكم بالشرعة الإلهية يدين لها الناس، لكن المدن لماذا سميت مدن؟ لأنها تدين لنظام، يوجد نظام يحكمها ليست سائرة بشكل فوضوي أو عشوائي، الإنسان إذا استقرّ في مكان لابد له من نظام يرتكن إليه فسميت المدينة لماذا؟ لأنها ستحكم بأمثل ما يكون حقّا وخيراً وعدلاً ولذلك كانت بالألف واللام، لأنها هي التي تستحق وصف المدينة، ولذلك عندما يقول الله سبحانه وتعالى مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ التشريع والقانون لديه، لأن يوسف عليه السلام حينما أمر الفتيان بوضع هذا الصواع في متاع أخيه، في شريعتهم هم قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ إذا كنتم ليسوا صادقين وكان فعلاً واحد منكم قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ أي أن الشخص الذي سيضبط بهذه السرقة ستكون عقوبته أو جزاؤه في شرعتهم أن يؤخذ رقيقاً في مقابل ما قد اجترف، في النظام الذي يحتكم إليه أهل مصر لم يكن هكذا، أي أنه إذا سرق لن تكون العقوبة أن يسترق وسيدنا يوسف إلام يريد أن يصل، يريد أن يصل إلى يضم أخاه إليه، فلو استند إلى دين الملك لن يصل لهذا، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ لو لم يقل لهم فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ
إذاً هنا دين الملك هو النظام الذي يدير به لأن الناس ستدين له وتخضع.
إذاً إذا كان هناك نظام له سلطة قاهرة، ويوجد أناس تخضع لهذا النظام ويوجد قانون يلتزم به الناس، وهناك منهج جزائي وعقوبة لمن يخالف بهذه العناصر الأربعة، صار هذا ديناً.
إذاً الدين عبارة عن ماذا؟ أ يوجد عندنا قانون، عندنا سلطة تضمن الإلزام بالقانون، عندنا أناس سيلتزموا بهذا القانون وعندنا جزاء وثواب وعقاب لمن يخالف. إذا اكتملت هذه العناصر كان ديناً.
يكون ديناً بالمعنى الشرعي متى؟ إذا اعتقد الناس أحقية هذا النظام، عدل هذا النظام، خير هذا النظام، فالتزموا له طواعيةً.
أما معنى الدين الإلهي؛ هل هذا المعنى فقط؟ لا، هناك شيء أبعد من هذا؛ أن الإنسان في الخضوع لهذا النظام هو يستند لقوة وراء العالم المحسوس، أي ما الفرق بين النظام الذي يضعه الإنسان وما بين الدين الإلهي؟ هو الجزء الاعتقادي، اعتقاد الإنسان أنه يرتبط بربنا سبحانه وتعالى الذي هو وراء هذا العالم، الذي يسموه في الفلسفة الميتافزيقا، عالم ما وراء المحسوس، فأنا إذا ارتبط بهذه القوة العظيمة التي هي وراء هذا العالم حينئذٍ صار هو الدين.
إذاً أنا لكي أكون متديناً فأنا لابد أن أدين وأخضع لله سبحانه وتعالى معتقداً أهمية ذلك ملتزماً بأوامر الله سبحانه وتعالى راجياً ثوابه سبحانه وتعالى في الآخرة ومشفقاً من عذابه يوم القيامة، فإذا اكتملت هذه العناصر صار هذا هو الدين، ولذلك حينما نقول مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لماذا يوم القيامة اسمه يوم الدين؟ لأن هذا هو اليوم الذي يدين الله العباد بأعمالهم أي يحاسبهم ويجازيهم عليها، فلماذا سمي ديناً؛ لأننا سنخضع لحكم الله سبحانه وتعالى لا يملك أحد أن يخرج عن هذا الحكم أو يعارض هذا الحكم أو يرفض الامتثال له.
حديث عبدالله بن أنيس يقول: إذا كان يوم القيامة حشر العباد حفاة عراة غرلاً بهماً، قيل: يا رسول الله وما بهماً؟ قال: ليس معهم شييء.
ليس معنا شيء مما حصّلناه أو جمعناه في هذه الدنيا، فينادي الله تبارك وتعالى بصوت يسمعه من بعُد كما يسمعه من قرُب، فيقول: أنا الملك، أنا الديّان، ليس لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار في عنقه مظلمة له ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من اهل الجنة في عنقه مظلمة له، قيل: يا رسول الله وكيف ذلك وقد اتينا بهماً – معناش حاجة – قال: بالحسنات والسيئات.
إذاً ربنا سبحانه وتعالى ينادي الناس يوم القيامة فيقول: أنا الملك، أنا الديّان، قلنا معنى الديّان، هو القاضي الذي يحكم بالحق ولا يرد قضاؤه.
إذاً الدين هو التزام الإنسان بالحقيقة أو بالحق من حيث يرى أنه حق، هو يلتزم به لأنه حق يدين ويخضع له.
إذاً خلاصة الذي نريد أن نقول اليوم عندما أقول كلمة الدين أو أنتسب للدين أو أقول أن فلان هذا متدين أو غير متدين أو أن المجتمع به دين أو ليس به دين ما معنى ذلك.
إذاً الدين هو الخضوع، والخضوع هذا مشترك ما بين الناس، أي أنه كل الناس يخضعون لأشياء، وطالما أنهم يحيون حياة اجتماعية فهم يخضعوا لأنظمة وعندهم رؤية للحق وللباطل، فإذا خضعوا لها كان هذا ديناً، ولذلك لابد أن يميّز الدين الحق من الدين الذي ليس بحق، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن دين حق، ودين باطل، واللادين.
أقسام الناس في الحياة عموماً، ثلاثة، ربنا سبحانه وتعالى في صدر سورة البقرة ذكر المؤمنين وذكر الكافرين وذكر المنافقين.
المؤمنين هؤلاء أصحاب دين ومبدأ حق قد اجتمعوا عليه، والكفار أو المشركينك أصحاب دين أو مبدأ خلاف الحق قد اجتمعوا عليه، هم يعتقدوه أيضاً.
أما المنافقين: ليس لهم دين قال تعالى مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ فبم يدين هذا الشخص؟ يدين بالمصلحة الدنيوية، ليس له مبدأ يرجع إليه، فنحن قلنا قبل ذلك أن الفلاسفة والساسة والمفكّرين يقسمون الناس إلى قسمين: أصحاب مبادئ وأصحاب مصالح، دجماتي، وبرجماتي.
الدجماتي: هو الذي عنده مبدأ، هذا المبدأ من الممكن أن يكون صحيح أو باطل، والآخر: صاحب مصلحة ليس لديه مبدأ ثابت مستقر، ربنا سبحانه وتعالى قال وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ وقال وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وقال الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لم يقل أولياء.
إذاً ربنا سبحانه وتعالى ذكر أن أهل الإيمان أصحاب المبدأ الحق، لهم ولاء لهذا المبدأ، الولاء هو الحب والتقدير والنصرة، وأن أهل المبدأ غير الحق لهم أيضاً ولاء لما هم عليه.
أما الناس الذين ليس لهم مبدأ محدد ليس لها ولاء لأحد ولا لشيء، قال بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ صفة واحدة وخُلق واحد وجنس واحد، ولكن ليس بينهم وبين بعضهم ولاء لأنهم ليسوا مرتبطين بمبدأ، إذاً الناس أهل الأرض هم الثلاثة أقسام فقط، أهل إيمان بحق أو أهل إيمان بغير حق، وأناس لا يدينون إلا للمال أو للشهوة أو للمصلحة أو للجاه. هذه القسمة التي ينقسم عليها الناس.
فالذين سيدينون للحق؛ هؤلاء هم أهل الإكرام من الله سبحانه وتعالى في الأولى والآخرة مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
أما أهل الشرك أو أهل الكفر لهم في الدنيا نصيب بقدر ما بذلوا في سبيل مبادئهم وأفكارهم لكنهم في الآخرة عياذاً بالله ليس لهم عند الله من خلاق.
والذين ليس لهم مبدأ ليس لهم رفعة دنيوية لأنهم ليس لديهم ما يسعون له، وهم في الآخرة تحت أصحاب المبادئ الباطلة، ربنا سبحانه وتعالى جعل الذين ليس لديهم مبدأ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا فهم أحط الناس قدر دنيوياً وأخروياً، ولذلك الإنسان إذا كان عنده مبدأ غير حق ربما إذا كان يبحث عن المبدأ، أن يتحول من غير الحق إلى الحق لكن الذي ليس لديه مبدأ نهائياً، الذي لا يعنيه قضية الحق، الذي لا تشغله علاقته مع ربنا سبحانه وتعالى لن يتحرك من مكانه، لأن القضية لا تعنيه أصلاً، ولذلك هو عند الله سبحانه وتعالى بأحط قدر وبأحط مكان، وربنا سبحانه وتعالى جعل لبعض الناس الذين لهم مبدأ غير حق لكنهم ينتسبوا إلى الله، جعل لهم سبحانه وتعالى حظّاً وقدراً في الأحكام.
مثل أن ذبائح أهل الكتاب تؤكل، والعفيفات من نساء أهل الكتاب يجوز للمسلم أن ينكحهن، هذا تقدير لبقية النسبة إلى السماء عند هؤلاء بخلاف الأديان التي لا تنتسب إلى الله.
إذاً ربنا سبحانه وتعالى لا يعامل الناس معاملة واحدة، بل يعاملهم على وفق انتسابهم إلى المبادئ.
إذاً الإنسان بدون مبدأ ليس بإنسان.
فخلاصة الذي نريد أن نقوله أن الدين هو معنى الخضوع، لازم وهذا معنى العبادة، الإنسان لابد له أن يخضع.
فإذا لم يكن يخضع لله سيخضع لغيره، الإنسان سيختار بين شيئين، إما أن يخضع لله سبحانه وتعالى أو يخضع لغير الله.
إذاً عندما نقول: الدين يساوي الحق سبحانه وتعالى، وانقيادنا للحق وخضوعنا للحق، وعبادتنا للحق سبحانه وتعالى طواعيةً واختياراً لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ لكن ربنا سبحانه وتعالى لم يرد هذا، لم يرد للناس أن يخضعوا إليه إلا طوعاً واختياراً.
فعندما نقول الآن ” يوم الدين ” هو اليوم الذي يدين الله سبحانه وتعالى عباده بأعمالهم ولا يملك أحدٌ أن يعارض أمر الله أو يخرج من سلطانه سبحانه وتعالى وأن الإنسان لكي يدخل في دائرة الدين لابد أن يدخل أولاً في دائرة المبدأ خارج دائرة المصلحة
إن شاء الله المرة القادمة سنتكلم عن هذه الصورة من صور التدين، وهذه أخطر شيء نواجهه اليوم، الذي من الممكن أن نسميه الدين المصلحي، أو الدين الدنيوي، أن الإنسان يكون دينه هو المصلحة أو هو المنفعة أو هو الدنيا ويغفل وينسى الآخرة، هذا أصعب من أي شيء آخر، أن تتحول الدنيا نفسها إلى دين وسنرى إن شاء الله كيف أن الدنيا تتحول ” وهي الدنيا ” إلى دين يعبد
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم فقهنا في ديننا وزهدنا في دنيانا، اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم