Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

الحمد لله

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب غيره ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أشرف نبي وأطهره وأزكاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه واهتدى بهداه، ثم أما بعد.

يقول أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا اقترؤوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات لا يجاوزوهن حتى يتعلموا ما فيهن من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا، فأبو عبد الرحمن السلمي رجل من أئمة التابعين من أهل القرآن يحكي عن من تتلمذ عليهم وتعلم منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمى منهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أنهم ذكروا له أنهم كانوا إذا اقترؤوا – أي تعلموا القراءة أو طلبوا القراءة، أي أن يقرئهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن – إذا اقترؤوا عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، الأسلوب أو الطريقة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بها القرآن لم تكن تعتمد على الإكثار بقدر ما تعتمد على الإعمال والتطبيق وتأثير هذه الكلمات الإلهية العظمى في الحياة، فهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يتحاوزوها. أي أنهم يأخذون هذه الآيات ثم يمضون فيتعلمون هذه المعاني يتفكرون في هذه الكلمات، يُعملون هذا الوحي الإلهي في حياتهم، فإذا ما استشعروا هذه الآيات، إذا ما أعملوا هذه الآيات في الحياة، أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون المزيد.

هم يأتون يطلبون المزيد، لما؟ لأنهم إذا ما وعوا وعملوا أحسوا بأثر هذه الكلمات في الحياة، وفي القلوب، وأثر هذه الكلمات في نفوسهم، فإذا تذوقوا طعمها وذاقوا ثمرتها، أتوا يطلبون المزيد، هذا هو الطبيعي، فالإنسان إذا أحس بأثر شيء في حياته، إذا أحس بقيمة شيء اكتسبه، الله سبحانه وتعالى منَّ عليه به، فالطبيعي أن يأتي ويطلب الاستزادة، لكن الاستزادة على نفس الأسلوب أو على نفس الطريقة أو على نفس المنهاج.

فإذاً الكلمات الإلهية المتنزلة أو الأحاديث والوحي الإلهي الذي يقصه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يراد به ومنه أن يحدث أثرًا في حياتنا، فإذا تجاوب الإنسان مع ما يعلم أورثه الله تبارك وتعالى علم ما لم يعلم، نحن اليوم على موعد مع ” الحمد لله ” وكنا قبل مع ” باسم الله ” على مدى أربع مرات، وعلى مقتضى هذا الذي ذكرناه أصلًا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ينبغي أن انتقل من باسم الله إلى الحمد لله، لماذا؟ لأن أنا شخصيًا على مدى أربعة أسابيع لم أنجح في أن أنقل باسم الله إلى واقع الحياة.

 نحن تكلمنا، وهذا الكلام بداية أو مقدمة، لأن الإدراك أو المعرفة أو الفهم هي البداية الطبيعية للإعمال أو التطبيق، فمن المفترض أن باسم الله تستوعب الحياة، هذا ما فهمناه، لكن ما مقدار ما أعملناه مما فهمناه؟ فإذا كان المتكلم لم ينجح في إعمال ما يتكلم به وفيه، سيكون المستمع من باب أولى، لماذا؟ لأن المتكلم المفروض أن يكون أكثر تجاوبًا مع ما يقول، لأنه يحاول أن يعيش معه قبل أن يقوله، وإلا لن يستطيع أن يقوله، الشيء الثاني أنه يكون مستظهره ومستحضره وهو يقوله، الشيء الثالث أن يتفاعل معه وهو يقوله، فإذا كان مع هذا كله لا يحدث شيئًا بعد.

فإذًا هناك مشكلة كبيرة، مسألة نقل الكلام لواقع في الحياة ليس شيئًا سهلًا، لكن إذا وفق الإنسان أن ينقل جملة أو آية أو معنى تكون واقعًا حقيقيًا في الحياة، تفرق كتير جدًا، فلو تخيلنا أننا من الممكن أن ننقل باسم الله إلى واقع الحياة فعلًا، ونتحرك بها، قطعًا كل شيء في حياتنا سوف يتغير، لكن الفرق ما بين الموطن الذي نحن فيه، والذي تكلمنا فيه، يلزم بالاستمرار في الكلام، بمعنى، الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقترئون الآيات للإعمال الشخصي فزمام الأمر بيده، فإذا أحس أنه لم يوفِ بحق الآيات سيظل معها ولن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطلب المزيد لأنه لم يصل بعد للمرحلة التي يستشعر معها أنه أتى بشيء من حق هذه الآيات لكن المقام الذي نحن فيه، مقام حق لازم، بمعنى أنها خطبة واجبة لابد أنها تستمر ويقام هذا الفرض وهذه الشعيرة في الوقت الذي حدده الله تبارك وتعالى، ولذلك لا يستطيع المرء أن يوقف الكلام عن الحمد حتى يأتي بشيء من حقه، ولذلك نضطر للاستمرار، فنحن اليوم سنتكلم عن ” الحمد لله ” .

” الحمد ” كلمة لها تاريخ مع الإنسان، ذات تاريخ لدى الإنسان، يقول أبو هريرة رضي الله عنه في حديث في صحيح ابن حبان وفي مستدرك الحاكم، يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” لما خلق الله آدم عليه السلام ونفخ فيه الروح، عطس فقال الحمد لله ” يقول صلى الله عليه وسلم: ” فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: يرحمك ربك يا آدم، ثم قال له: اذهب إلى هؤلاء الملأ من الملائكة إلى ملأ منهم جلوس، فسلم عليهم، فقال: السلام عليكم، فقالوا: عليكم السلام ورحمة الله، فرجع إلى ربه سبحانه وتعالى فقال: هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم “

فإذًا يخبر صلى الله عليه وسلم أن أول كلمة فتق بها لسان الإنسان هي الحمد لله، لما نفخت هذه الروح العليا في جسد الإنسان فوهبته الحياة، هو كان في بدايته طين ملقى على الأرض، ما الذي اكسب الإنسان الحياة؟ الروح السماوية التي نفخها الله تعالى فيه، فلما دبت هذه الروح في بدن الإنسان فرزق الحياة، عطس، فهذا العطاس علامة الحياة، فلما عطس قال: الحمد لله، على أن نقله من العدم إلى الوجود، من الموت إلى الحياة، كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فإذًا الكلمة الأولى التي فتق بها لسان الإنسان هي الحمد لله، ولذلك نحن إذا عطس العبد منا يقول تشبهًا بأبيه، وتذكرًا لهذه الكلمة التي هي في أصل بنيانه وكيانه، يقول الحمد لله، فلما قال العبد الحمد لله، قال له ربه: يرحمك ربك يا آدم، فإذًا ما عمق هذه الكلمة كلمة الحمد لله في تاريخ الإنسان؟ نحن خرجنا إلى هذه الحياة ومعنا هذه الكلمة، هي الأصل، أعمق كلمة في عمق الإنسان، هي الحمد لله، هذا أول أمر.

الأمر الثاني، أن الحمد لله لما قالها آدم استوجب من ربه الرحمة، فإذًا هناك اقتران بين الحمد لله وما بين يرحمك ربك يا آدم، فإذًا سبيل الرحمة؟ ما الشيء الذي يستوجب به الإنسان رحمة الله؟ أول شيء هو الحمد لله، ثم أمره أن ينطلق إلى ملأ من الملائكة فيسلم عليهم، فإذًا أول أمر قاله الإنسان الحمد لله، هذا ما بينه وما بين ربه سبحانه وتعالى، علاقته بالله، علاقة الإنسان بالله تقوم على الحمد لله، ثم علاقته بمن حوله السلام عليكم، فإذًا الكلمة الثانية السلام عليكم، فردت الملائكة: وعليكم السلام ورحمة الله، فقال الله تبارك وتعالى لآدم: هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم.

فإذًا في هاتين الكلمتين ميثاق الحياة، في علاقة الإنسان بالله، ثم ميثاق الحياة في علاقة الإنسان بعباد الله، فعلاقة الإنسان بالله تقوم على الحمد وعلاقة الإنسان بعباد الله تقوم على السلام، نحن قلنا قبل ذلك أن السلام هي التحية التي اختارها الله لنا، وهي تحية أهل الجنة تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ما هو السلام؟ هو أن الإنسان حينما يسلم على غيره فهو يتعهد له، بأنه لا يناله منه إلا السلام فإذا ألقى السلام تلقى سلامًا ورحمة، السلام من الإنسان إلى الإنسان، وأصله من الله، لأن الله سبحانه وتعالى هو السلام، فهو واهب السلام، فالإنسان يعطي السلام للناس فيكافئوه بالسلام منهم له أيضًا والدعاء له بأن يناله الرحمة ثم البركة من الله وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، فإذًا ميثاق الإنسان في هذه الحياة، كان بأول ما فتق به لسان العبد الأول، آدم عليه السلام، الحمد المستجلب للرحمة، ثم السلام المستوجب للسلام والرحمة أيضًا.

فماذا صنع الإنسان؟ هل حفظ الإنسان عهد أبيه؟ هل حفظ الإنسان هذه الكلمات التي فتق بها لسان أبيه؟ هل كان إزاء ربه حامدًا وكان إزاء عباد الله مسالمًا؟ بل كان أكثر الناس على نقض هذا الميثاق، أكثر الناس عياذًا بالله على الحيدة عن هذه الكلمات، وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ هكذا صنع أكثر الناس، أبدلوا جحدوًا بحمد، وأبدلوا حربًا بسلم، وما كان لهم أن يفعلوا ذلك وقد كانت أول كلمات أبيهم، الحمد لله إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ جاحد لفضل الله وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ۝ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ فإذًا كلمة الحمد، كلمة قديمة، كلمة عميقة، كلمة في أصل كيان وفطرة الإنسان، هذا أول.

 ثم نقطع زمانًا طويلًا فننتهي إلى عبد المطلب وقد ألهمه الله تبارك وتعالى، أن يسمي حفيده محمدًا صلى الله عليه وسلم، قيل رؤيا وقيل غير ذلك، المهم أنه كان اسمًا نادر الوجود في هذا الزمان، فما معنى محمد؟ هو المستحق للحمد البالغ من العباد أو من الناس، فإذًا تسمية محمد أن يكون شخصًا مستحقًا للحمد، فكيف يستحق العبد أن يحمده الناس؟ أن يكون في ذاته وفي أخلاقه وفي خلاله متصفًا بالصفات التي تستجلب محبة الناس وثناءهم ومدحهم وحمدهم، فكان كذلك صلى الله عليه وسلم.

 وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فما معنى أحمد؟ أحمد أي أكثر الناس حمدًا لله وأبلغ الناس حمدًا لله، يبقى كمًا وكيفًا، فأحمد هذه التي هي أفعل التفضيل، تدل على أنه أكثر الناس حمدًا من حيث الكم، وأبلغ الناس حمدًا من حيث الكيف، فإذًا الحمد في حياته صلى الله عليه وسلم يمتد أفقيًا بالسعة والكثرة، ويمتد رأسيًا بالعمق لهذه الكلمة في عمق قلبه ووجدانه صلى الله عليه وسلم ولذلك كان محمدًا صلى الله عليه وسلم.

يقول حسان بن ثابت:

أغر عليه للنبوة خاتـــــــــــــــــــم من الله ميمون يلوح ويشــــــــــهد

عليه خاتم أو علامة النبوة التي وضعها الله سبحانه وتعالى بين كتفيه.

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

 الخمس التي هي الصلوات

وشق له من اسمه ليجـــــــــــله فذو العرش محمود وهذا محـــــمد

يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه أن هذا الاسم العظيم، للنبي صلى الله عليه وسلم إنما اشتق من الحمد المستحق للرب تبارك وتعالى، فلما كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس وأبلغ الناس حمدًا لله وشكرًا له، استحق أن يكون أكثر الناس مدحًا وحمدًا من عباد الله، يقول صلى الله عليه وسلم من حديث جبير من مطعم رضي الله عنه في صحيح البخاري ” إن لي أسماء، أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب ” جاء في رواية مسلم ” والعاقب الذي ليس بعده نبي “

 فذكر أسماءً خمسة قال: ” أنا محمد ” هذا الأول ” وأنا أحمد ” فإذًا محمد أكثر استحقاقًا للحمد وأحمد أكثر الناس حمدًا لله تبارك وتعالى، ولما كان كذلك صلى الله عليه وسلم.

 ولما كان اسمه مشتقًا من الحمد، جعل الحمد خصيصة هذه الأمة التي تميزوا بها عن غيرهم من الأمم، فهو صلى الله عليه وسلم أورثنا هذه الصفة، أو ينبغي أن يكون قد أورثنا هذه الصفة، فتصبح أمته أكثر الأمم حمدًا ولهجًا بالشكر والثناء على الله تبارك وتعالى، يقول كعب الأحبار من علماء بني إسرائيل الذين أسلموا في زمان عمر رضي الله عنه، فهو يذكر صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، والحديث في سنن الدارمي، فيقول: فِى السَّطْرِ الأَوَّلِ – يعني هو يريد أن يقول أنهما سطران تحت بعض – : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَبْدِىَ الْمُخْتَارُ، لاَ فَظٌّ وَلاَ غَلِيظٌ، وَلاَ صَخَّابٌ فِى الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَجْزِى بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ، وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ، وَفِى السَّطْرِ الثَّانِى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ، يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِى كُلِّ مَنْزِلَةٍ، وَيُكَبِّرُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ، رُعَاةُ الشَّمْسِ – يعني يتابعونها لأنهم يريدون أن يأدوا الصلاة، منتظرين أو متشوقين للصلاة -، يُصَلُّونَ الصَّلاَةَ إِذَا جَاءَ وَقْتُهَا، وَلَوْ كَانُوا عَلَى رَأْسِ كُنَاسَةٍ – يصلوا في أي مكان – وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا – كناسة أي مكان قمامة، يكنسونه ويصلون – وَيَأْتَزِرُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، وَيُوَضِّئُونَ أَطْرَافَهُمْ – أي بالماء -، وَأَصْوَاتُهُمْ بِاللَّيْلِ فِى جَوِّ السَّمَاءِ كَأَصْوَاتِ النَّحْلِ – أي بالصلاة والقرآن -.

 فإذًا الصفة الأولى في السطر الأول: محمد رسول الله عبدي المختار، هو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه يسحق الحمد بما فيه من صفات استوجبت الحمد، قال: لا فظ ولا غليظ ولا صخابٍ بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، فإذا كان كذلك كان محمدًا ولابد صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر في السطر الثاني صفة أمته، فإذًا مذكور صفة النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ثم صفة أتباعه من المؤمنين، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته الحمادون، أي كثيرو الحمد لله تبارك وتعالى، الحمادون، يحمدون الله في السراء والضراء، لماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ” عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ” وليس هذا لأحد إلا للمؤمن لأن الناس كلهم مشتركون أنهم تتقلب بهم الأيام، ويصابوا بالسراء والضراء، فلماذا يختص المؤمن ما بين الناس بالشكر في السراء والصبر في الضراء؟ لأثر الإيمان الذي هو الترجمة، لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يقدر له إلا خيرًا ولا يختار له إلا خيرًا، ولا يفعل به إلا برًا، فإن أعطاه سراء كانت نعمة علم أنها من الله فحمد الله وشكر لكي يحفظ هذه النعمة وهذه المنة، وإن أصابته ضراء علم أنها ضراء في الظاهر دون الباطن، في الصورة دون الحقيقة، وإنما هي رحمة من الله تكفير للسيئات حط للخطيئات رفع للدرجات تقريب للعبد من الله لكي يلجأ ويتضرع ويبتهل ويتقرب إلى ربه، فيزداد منه قربًا ودنوًا، فيعلم أنها من الله تبارك وتعالى خيرًا ورحمة، قال صلى الله عليه وسلم: ” الخير كله بيديك والشر ليس إليك ” هو سبحانه وتعالى لا يخلق ولا يفعل شرًا محضًا من كل وجه، ولذلك قال تعالى فيما شرحنا قبل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ۝ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ من أين يأتي الشر؟ الشر ينسب للمخلوق من أفعاله، أما تقدير الله تبارك وتعالى، فلابد أن يكون مآله الرحمة والحكمة البالغة، لكن الإنسان يدرك أو ربما لا يدرك.

يحمدون الله في السراء والضراء، يحمدون الله في كل منزلة، ويكبرون على كل شرف، ذكرناها قبل ذلك أيضًا في خطبة ” كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا ” رعاة الشمس، التعلق بالصلاة، صفة الوضوء للصلاة، التلاوة لكلام الله في الليل حتى يسمع دوي صوتهم في السماء.

 فإذًا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أحمد الخلق لله تبارك وتعالى، أورث أمته الذين هم أمته أورثهم هذا الحمد فأصبحوا هم الحمادون كما وصفوا من الله تبارك وتعالى فيما سبق.

أقول قولي هذا وأستغقر الله لي ولكم ,

الحمد لله, ولذا كان مما علمنا الله أن نقول إذا أقمنا صلبنا في الصلاة من بعد الركوع: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ, أهل الثناء والمجد, أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ, أهل الثناء والمجد, الثناء اللى هو الحمد, والمجد التعظيم.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: أحق ما قال العبد, يبقى اللهم ربنا لك الحمد, يقول صلى الله عليه وسلم واصفاً هذه الجملة: أحق ما قال العبد, أكثر الكلمات حقاً وصدقاً هي الحمد لله, أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد, كلنا نشترك في هذا الوصف, فأحق كلمة, أصدق كلمة قالها عبد هي الحمد لله, لأن كل عبد مغمورٌ في فضل الله, مغمورٌ في نعم الله, مغمورٌ في رحمة الله تبارك وتعالى, ولذلك كانت الحمد لله أحق كلمة لهج بها لسان العبد.

 يقول صلى الله عليه وسلم: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَلا فَخْرَ, والنَبيٍوُنَ, آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي, وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يوم القيامة، وَلا فَخْرَ.

فهو يقول صلى الله عليه وسلم في وصف ما يعطيه الله يوم القيامة من العطايا أنه سيكون سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ,ليه؟ لأنه يُعطى من الشفاعة ما لا يعطاه غيره صلى الله عليه وسلم, فبما يُعطى الشفاعة؟ بالحمد, ثم يقول معقباً صلى الله عليه وسلم: وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ, الناس ستحشر وراءه صلى الله عليه وسلم, طيب, اللواء, الراية التي سيحملها ويتبعه فيها النبيون ثم من بعدهم من الناس.. ما شعارها؟ ماذا تحمل؟ لواء ايه؟ يقول: وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ, والنبيون جميعاً وراءه تحت هذا اللواء.

يبقى إذاً لماذا كان اللواء لواء حمدٍ؟ لأن دا أحق ما قال العبد, الأصل في علاقة العبد بالله, فالناس وهم مقبلون عائدون إلى ربهم يحملون شعار الحمد, طب ليه مع النبي صلى الله عليه وسلم بيده؟ لأنه كان أحق الناس به لأنه أعظم الناسِ حمداً لله, بل كان أعظم النبيين حمداً لله عليهم السلام لأنهم جميعاً قد انطووا تحت لوائه.

 يقول أنس رضي الله عنه, والحديث في صحيح مسلم: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ: اشْفَعْ لِذُرِّيَّتِكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللهِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ، فَيُؤْتَى مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيُؤتَى عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُوتَى، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ، يعني ربنا سبحانه وتعالى يفتح عليه من الحمد في هذا المقام ما لم يعطاه في الدنيا, مع أنه كان أكثر وأعظم الناس حمداً لله إلا أنه يلهم, يقول: يُلْهِمُنِيهِ اللهُ, يلهم من قبل ربنا تبارك وتعالى بمحامد في هذا الموطن العظيم لا يعلمها من قبل.

ثم يقول: ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا – فهو يقوم حامداً ويخر راكعاً ساجداً حامداً لله تبارك وتعالى – فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي فيُشفع فيهم, ثم يذكر صلى الله عليه وسلم أنه يفعل ذلك مراراً, ثلاثاً أو أربعاً, كل مرة يعود فيفتح الله عليه بمحامد فيحمده بها ويسجد لله تبارك وتعالى ثم يقال له :، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ, بما؟ بالحمد, بمزيد من الحمد.

يبقى إذاً الحمد دا هو سبب ومقدمة الإجابة, احنا بنقول ايه أول لما الإمام بيطلع؟, بنقول: سمع الله لمن حمده, استجاب الله الدعاء ممن؟ ممن يحمد, مهي سمع الله لمن حدمه دي معناها ايه؟ ما ربنا سبحانه وتعالى بيسمع لجميع الأصوات, سمع أي استجاب, سماع القبول والإستجابة, احنا بنقول: سمع الله, أي استجاب الله ممن؟ سمع الله لمن حمده, فنقف نحمد الله تبارك وتعالى, ليه؟ علشان لما ندعو في السجود يستجاب, مهو الحمد دا مقدمة للإستجابة, يبقى إذاً الحمد دا بين يدي الدعاء والطلب والرغب إلى الله تبارك وتعالى, ولذلك الله سبحانه وتعالى حينما يعطي محمداً صلى الله عليه وسلم هذا المقام الرفيع وهذه الشفاعة التي يتفرد بها من دون العباد إنما يعطيه إياها بالحمد أيضاً.

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم موصياً إيانا اللى احنا نقول بعد الأذان: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة, والدرجة الرفيعة – دي رواية – , وأبعثه مقاماً محموداً, مقاماً محموداً, الذي وعدته, قال: فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة, المقام المحدود الذي يحمده الناس عليه, هو مقام الشفاعة إنما صار محموداً صلى الله عليه وسلم بهذا المقام لما كان حامداً لله تبارك وتعالى.

ولذلك جاء في رواية ابن حبان: فيحمد ربه بمحامد لم يحمده بها أحدٌ قبله ولن يحمده بها أحدٌ بعده, فإنما أُعطي محمدٌ صلى الله عليه وسلم ما أعطي بالحمد لله تبارك وتعالى.

يبقى إذاً اللى احنا قلناه النهاردة أن الحمد أول كلمة فتق بها لسان الإنسان, أعرق وأقدم شيء في وجدان الإنسان, الحمد دا هو سبيل الرحمة, الحمد هو اللى الإنسان بينال به ما يطلب, الحمد هو سبيل الإجابة والإستجابة, الحمد والحمد البالغ هو أحق ما قال العبد, الحمد والحمد البالغ هو صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم, الحمد والحمد البالغ هو صفة أمته صلى الله عليه وسلم…

فما ماهية الحمد؟, وما حقيقة الحمد؟, وما صور الحمد؟, هذا ما نأتي عليه بإذن الله فيما يأتي أو فيما نستقبل من كلمات بإذن الله تبارك وتعالى.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا على هذه الصفة, أن يجعلنا من الحمادين, هذه هي الصفة العظمى, صفة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وصفةُ أمته التي بها ينالون كل خير, التي بها يستحقون كل كرامةٍ من الله تبارك وتعالى.

اللهم إنا نسألك من كل خير سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، ونعوذ بك اللهم من كل شيء استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون.

 اللهم إنا نسألك علماً نافعاً, اللهم إنا نسألك علماً نافعاً, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ويقيناً صادقاً ولساناً ذاكراً وعملاً صالحاً متقبلاً.

 اللهم ألهمنا حمدك وشكرك, اللهم ألهمنا حمدك وشكرك, اللهم ألهمنا حمدك وشكرك.

 اللهم أنك عفوا تحب العفو فاعفوا عنا, اللهم أنك عفوا تحب العفو فاعفوا عنا.

 اللهم اشفي مرضانا, اللهم ارحم موتاناً, اللهم لا تخيب اللهم فيك رجائنا, واختم اللهم بالباقيات الصالحات أعمالنا, واختم اللهم بالباقيات الصالحات أعمالنا.

 أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم…