إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
ثم أما بعد.
كنا نتحدث عن الحمد، وذكرنا أن الحمد هو أول كلمة نطق بها الإنسان وهو كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول أنها أحق كلمة نطق بها الإنسان، وأن الاسم الذي اصطفاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم إنما كان مشتقًا من الحمد فعلًا منه واستحقاقًا له، وأن صفة أتباعه صلى الله عليه وسلم إنما هي كثرة الحمد ودوامه.
ولا زلنا من ذكر الحمد، جاء في سنن الترمذي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وعن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله ” .
أفضل الذكر لا إله إلا الله، الذكر، هو أن يذكر الإنسان وأن يستحضر وأن يستشعر عظمة الله تبارك وتعالى، فأعظم ما يجلب للإنسان تعظيم الله تبارك وتعالى أن يقول لا إله إلا الله، أنه لا يستحق التعظيم ولا الإجلال ولا التوقير ولا التكبير إلا هو تبارك وتعالى، فهو العظيم الواهب المنان المتفضل ذو القدرة وذو العظمة تبارك وتعالى.
وأفضل الدعاء الحمد لله، الدعاء، أن يسأل الإنسان ويطلب من ربه تبارك وتعالى أن ينيله حاجته، يطلب من الله تبارك وتعالى أن يجلب له أو أن يدفع عنه، أما الحمد لله، فهي ثناء ومدح وشكر من العبد لله، فأين محل الدعاء في الحمد لله؟ إذا قلت الحمد لله فأنا أثني على الله، أحمد الله تبارك وتعالى وأمدحه على صفاته وعلى آلائه وعلى نعمه وعلى إحسانه، أما الدعاء، فأن أطلب منه أن يعطيني أو أن يحفظني، فأين الدعاء في هذه الكلمة؟
سفيان بن عيينة رحمه الله سأل هذا السؤال ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ” أفضل الدعاء الحمد لله ” فقيل له: الحمد لله كيف تكون دعاءً؟ فقال لسائله: أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان يرجو نائلة، أمية بن أبي الصلت، شاعر ممن أدرك زمان النبوة وكان ذو حكمة وذو عقل وكان يتلمس مجيء نبي، وكان يرجو أن يكون هو هذا النبي الذي يصطفيه الله تبارك وتعالى، فلما أن اصطفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم لم يؤمن به ولم يتبعه، لأنه رأى أنه كان حقيقًا بذلك، وكان يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب الآيات والعلامات التي بها يعرف النبي، ولذلك استعجب أبو سفيان من أنه مع علمه لم يؤمن، فلما سأله قال قد كنت أخبرت نساء ثقيف ( هو من ثقيف ) أني أنا النبي المصطفى فماذا أقول لهن اليوم؟ هذا العقل وهذه الحكمة وهذه الفطنة، ثم تكون هذه هي الإجابة، أنه قد أخبر هؤلاء النسوة أنه هو النبي المصطفى، فمن أين علم بذلك؟ ثم لما جاءت النبوة يؤثر غضب الله على رضاه ويؤثر النار على الجنة لأنه لا يملك أن يعتذر إلى نساء ثقيف.
فأمية بن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جدعان وهو سيد بني تيم من سادات قريش في الجاهلية قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، وكان يقري الضيف ويطعم الطعام ويحسن إلى الناس، كان بيته مفتوحًا للناس دائمًا لكل فقير ولكل عابر سبيل يريد أن ينال نولًا أو يطعم طعامًا، فأمية بن أبي الصلت كعادة الشعراء يمدحه فيقول له :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحبـــــاء
أأذكر حاجتي، أي أقول لك ما أحتاجه، حباؤك، الحباء هو العطاء والمن والإحسان.
إذا أثنى عليك المــــــــــــرء يومًا كفاه من تعرضه الثنــــــاء
تعرضه، أي تعرضه للسؤال. إذا أثنى عليه الإنسان بالكرم فهو يكافئه على هذا الثناء بعطاء جزيل، يكفيه أن يطلب وأن يسأل لا يحتاج أن يسأل لأنه أعطاه فوق ما يطلب وفوق ما يرتجي.
كريم لا يغيره صبـــــــــــاح عن الخلق الجميل ولا مساء
تتبدل به الأحوال ما بين أن يكون عنده سعة أو أو أن يكون في ضيق، هو في كل الأحوال يحسن ويتفضل ولو كان ضيق ذات اليد أحيانًا.
فهو يقول سفيان بن عيينة رحمه الله: فهذا مخلوق يثني بذلك على مخلوق، فكيف بالخالق سبحانه وتعالى، فهو يريد أن معنى أفضل الدعاء الحمد لله، أن الإنسان إذا حمد الله تبارك وتعالى أجزل الله له العطاء فيعطيه أفضل وأعلى مما يرجو ومما يطلب لأنه سوف يعطيه على قدر إحسانه وعلى قدر فضله وعلى قدر منه تبارك وتعالى ولا حد لذلك, فإذًا كلمة الحمد لله، هي أعظم كلمة يدعو بها الإنسان ربه تبارك وتعالى.
هذا الحمد الذي يحمد به الإنسان ربه تبارك وتعالى هل هو من العبد أم هو منَّة من الرب؟ يعني الإنسان حينما يحمد الله سبحانه وتعالى على خير أعطاه وعلى منٍّ منَّ به عليه، هل يفعل ذلك بنفسه أم بتيسير وتوفيق له من الله تبارك وتعالى؟ فإذا كان كذلك كان الحمد بذاته نعمة تستوجب الحمد ولذلك كان بكر بن عبد الله المزني يقول: ما قال عبد قط، الحمد لله إلا وجبت عليه نعمة بقوله الحمد لله. إذا قال الإنسان الحمد لله، كانت هذه الكلمة توثيق أنه يحمد الله سبحانه وتعالى أن يذكر الله أنه يدرك أصلًا أنه مغمور في نعم الله.
نحن كلنا مغمورين بفضل الله سبحانه وتعالى، منا من يتذكر ذلك ومنا من لا يتذكر، منا من يشكر الله سبحانه وتعالى ومنا من لا يشكر، طب والأكثر؟ قال الله تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ليس الأكثر، هذا الشكر أو هذا الإدراك للنعمة أو هذا التذكر لها، هو بذاته فضل من الله تبارك وتعالى ونعمة منه، ولذلك بكر بن عبد الله يقول: ما قال عبد قط، الحمد لله، إلا وجبت عليه نعمة، أي نعمة جديدة، بأنه قد شكر أو حمد الله على نعمة أناله إياها، يقول: فما جزاء هذه النعمة؟ كيف يشكر هذه النعمة الجديدة التي هي الحمد لله؟ يقول: جزاؤها أن يقول الحمد لله، يقول: فجاءت نعمة أخرى، فال تنفد نعم الله على العبد.
فإذًا هذا الحمد بحد ذاته، التوفيق والتيسير له نعمة من الله تبارك وتعالى، ولذلك محمود الوراق كان يقول تعبيرًا عن هذا المعنى :
إذا كان شكري نعمة الله نعمـة علي له في مثلها يجب الشكر
إذا كان شكري لله تبارك وتعالى هذا في حد ذاته نعمة
فكيف وقوع الشكر إلا بفضـــــله وإن طالت الأيام واتصل العمـــــر
إذا مس بالسراء عمت سرورها وإذا مس بالضراء أعقبها الأجــــر
وما منهما إلا له فيــه منــــــــــة تضيق بها الأوهام والبر والبحـــــر
يعني في حال السراء وفي حال الضراء كلاهما نعمة، لكن إحداهما ظاهرة والأخرى باطنة، إحداهما نراها والأخرى لا ندرك حقيقتها، تضيق بها الأوهام، أي عقول الناس، والبر والبحر، هذه المساحة العظمى لا تطيق أن تدرك نعمة الله تبارك وتعالى أو عظيم فضله وعطائه، ولذلك يقول الحكم بن عتيبة وهذه الرواية في الزهد للإمام أحمد بن حنبل: يقول داود عليه السلام: يا رب كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي، ثم ترزقني على النعمة الشكر، ثم تزيدني نعمة بعد نعمة، فالنعمة منك يا رب والشكر أيضًا منك، فكيف أطيق الشكر لك؟، قال الآن عرفتني يا داود.
كيف أطيق شكرك وأنت تنعم علي، بالنعم المادية المحسوسة التي ندرك أنها نعمة، ثم ترزقني على النعمة الشكر، وهذه نعمة أخرى إضافية، وهي أجل وأعلى من النعمة الأولى، هذه النعم المعنوية، نعمة الإحساس بفضل الله، أعظم من النعمة المادية التي هي الفضل نفسه، الذي نتلمسه أو ندركه، ثم تزيدني نعمة بعد نعمة، عطاء الله سبحانه وتعالى لا ينقضي، فالنعمة منك يا رب، والشكر منك، فكيف أشكرك، قال الآن عرفتني.
وقال أبو عمرو الشيباني: قال موسى عليه السلام: يا رب إن أنا صليت فمن قبلك، أي من فضلك ومن توفيقك ومن إحسانك، وإن أنا تصدقت فمن قبلك، وإن بلغت رسالاتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟ قال الآن شكرتني.
فإذًا متى يكون قد شكره؟ لما أدرك أنه مغمور في فضل الله سبحانه وتعالى وأنه لا يطيق شكر نعم الله عليه، قال طلق بن حبيب: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ( فماذا نفعل؟ ) ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين.
يقول أن حق الله علينا أثقل وأعظم من أن نقوم به، وإن نعم الله علينا سبحانه وتعالى أكثر من أن نطيق إحصاءها وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا فماذا نفعل؟ قال ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين؟ ماذا يعني هذا؟ أنه لا ينجي الإنسان إلا دوام التوبة، فماذا تحمل التوبة بداخلها؟ تحمل معنيين: معنى إحساس الإنسان الدائم أنه مقصر في حق الله، إحساس الإنسان الدائم بأنه لا يمكن أن يوفي نعم الله عليه، إحساس الإنسان الدائم أنه لا يمكن أن يشكر فضل الله عليه، فهو يتوب من تقصير هو الشخصي ومن إساءته ومن ذنبه ويتوب من تقصيره في أداء شكر نعم الله عليه لأنه لا يطيق شكرها، فإذا تحقق الإنسان من داخله بالإحساس بفضل الله، وتقصير بحق الله، حينئذٍ أعطى شيئًا من شكره لنعم الله عز وجل.
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في سنن ابن ماجه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله، إلا كان ما أعطي ” أي من توفيقه للحمد ” خيرًا مما أخذ ” أي من النعمة التي حمد الله عليها لأن حمده لله يقربه من الله، حمده لله هو الذي يحفظ نعم الله عليه وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ حمده لله يدنيه من الله، حمده لله يزيد معرفته لله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ” إلا كان ما أعطي ” يعني من هدايته لهذا الحمد، من توفيقه له، من تيسيره له ” خيرًا مما أخذ ” أي من النعمة التي حباه الله عز وجل إياها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله.
ولذلك كان في كلامه صلى الله عليه وسلم قوله: ” لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ” لا يمكن للإنسان مهما بلغ أن يحصي ثناءً وحمدًا يكافئ نعمه ومزيده سبحانه وتعالى، ولكن قال صلى الله عليه وسلم: ” أنت كما أثنيت على نفسك ” لا يطيق أن يثني على الله إلا الله تبارك وتعالى وحده، أما الإنسان فلا يطيق ذلك، ولكنه يثني بمقدار ما علمه الله وبمقدار ما ألهمه الله تبارك وتعالى وبمقدار المعرفة التي عرفه الله تبارك وتعالى بها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ” إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدة، من أحصاها دخل الجنة ” هذه الأسماء هي التي تعرف بالله، تعرف بعظمة الله، تعرف الإنسان ببر الله وإحسانه، تعرف الإنسان بالرحمة التي هو مغمور فيها، فعلى مقدار ما يعرف الإنسان ربه تبارك وتعالى على مقدار ما يدنو منه ويقرب، فمن أحصى هذه الأسماء أي أحاط علمًا بما فيها، من معاني العظمة والجلال والجمال والكمال، على مقدار ذلك على مقدار ما يستحق من رضوان الله والجنة.
يقول صلى الله عليه وسلم والحديث في مسند أبي يعلى من حديث أنس يقول: ” التأني من الله، والعجلة من الشيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحب إلى الله من الحمد ” نحن قلنا في الخطبة السابقة قوله صلى الله عليه وسلم معلمًا إيانا أن نقول إذا رفعنا من الركوع ” ربنا ولك الحمد ملأ السموات وملأ الأرض وملأ ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد ” أهل الثناء، أي المستحق للمدح سبحانه وتعالى، والمجد، المستحق للتعظيم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ” أحق ما قال العبد ” أن الحمد هو أصدق شيء ما يقوله الإنسان، وهو كذلك أحب شيء إلى الله تبارك وتعالى، ” التأني من الله ” النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة ” التؤدة أي التأني، أن يتفكر الإنسان ويتبصر قبل أن يخطو خطوة، قبل أن يقول الكلمة، قبل أن يتحرك الحركة، ينظر محل كلمته، وينظر مواضع أقدامه، أما التعجل فمن الشيطان، وهو من طبيعة الإنسان، قال الله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ هذه هي طبيعة الإنسان، لذلك يحتاج أن يركب الإنسان لنفسه كوابح، لكي تمنعه من هذا التعجل الذي هو في أصل بنيته وفي أصل تركيبه، ” وما أحد أكثر معاذير من الله ” لا يوجد أحد عظيم الرحمة يتلمس المعاذير للخلق في تقصيرهم أكثر من الله تبارك وتعالى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم، والحديث في الصحيح: ” ما من أحد أحب إليه العذر من الله ” يعطي الناس المعاذير ” ولذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ” لذلك قال تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ بعدما أتتنا آيات الله بينات، لا حجة لنا إذا وقفنا بين يدي الله عز وجل غدًا فساءلنا على أعمالنا، فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ثم قال صلى الله عليه وسلم: ” وما شيء أحب إلى الله من الحمد ” قال الأسود بن سريع رضي الله عنه: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله: ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى ” يعني أبياتًا من الشعر أثنى فيها على الله ” فقال صلى الله عليه وسلم: ” ألا إن ربك عز وجل يحب الحمد ” وفي الأدب المفرد للبخاري زيادة قال: فما استزادني على ذلك، يعني إيه؟ يعني هو أتى بأبيات يثني على الله بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال إن الحمد والثناء شيء عظيم ومحبوب إلى الله، قال: ” إن ربك عز وجل يحب الحمد ” فما استزادني يعني إيه؟ أي لم يسمع منه الأبيات، لماذا؟ فالأبيات فيها ثناء على الله، يعني كلام طيب؟ ويكأنه صلى الله عليه وسلم أرشده إلى فضل الحمد وعظمته، ثم أرشده بعدم حرصه على سماع ما أنشد على أن ما علمنا الله تبارك وتعالى من الحمد خيرًا مما جرى على ألستنا أو أبتكرته أفكارنا وعقولنا وقلوبنا، وأخيرًا.
إن من أعظم نعم الله تبارك وتعالى أن قد رضي بالحمد شكرًا له، نحن قلنا أن الإنسان لا يمكن أن يكافئ ولا يقرب ولا يدنو من شكر نعم الله عليه، فكان من نعم الله العظمة أن اكتفى أو رضي بهذا الحمد تعبيرًا منا نحن العباد المقصرون المغمورون في الذنوب والخطايا عن امتناننا وشكرنا لربنا تبارك وتعالى، ولذك كان من أعظم ما قيل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس عند مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ” إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليه أو يشرب الشربة فيحمده عليها ” الرضى مقام من أسمى المقامات، الله رزق الإنسان هذه النعمة فهو يرضى منه ويكتفي سبحانه وتعالى بأن يذكر أن هذا من فضل الله عليه فقط، ” إن الله ليرضى عن العبد، أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ” قال عبد الله بن نوح: ساءلني رجل يومًا: كم عاملته تبارك اسمه بما يكره، فعاملك بما تحب.
وهذا هو حال العبد مع الرب، شرورنا وجحودنا وتقصيرنا صاعد إليه، ونعماؤه وبره ورحمته لا زالت هابطة إلينا، قال كم عاملته بما يكره، فعاملك بما تحب، قال عبد الله بن نوح: فقلت لا أحصي ذلك كثرة ( كتير أوي ) قال: فهل قصدت إليه في أمر كربك فخذلك، لجأت إليه يوم في كربة أو في شدة فلم يستجب لك، قال: فهل قصدت إليه في أمر كربك ( كربة أو شدة ) فخذلك، فقلت: لا والله، بل أحسن إلي وأعانني، فقال: فهل سألته شيء قط فأعطاك ( طلبت منه حاجة مرة فأعطاك ) قال: فقلت وهل منعني شيئًا سألته، فوالله ما سألته شيئًا إلا أعطاني، ولا استعنت به في أمر إلا أعانني، قال: أرأيت لو أن بعض بني آدم، قد منَّ عليك ببعض هذه الخصال، ماذا كان جزاؤه عندك؟ ( لو إنسان عمل معاك جزء من ده يبقى إيه حقه عليك؟ ) قال: ما كنت أطيق مكافأته وجزاءه، قال: فإن ربك تبارك وتعالى أحق وأحرى أن تبذل نفسك له في أداء شكر نعمه عليك، وهو المحسن قديمًا وحديثًا إليك، وهو تبارك وتعالى، من رحمته وتيسيره، أن جعل شكره أيسر من مكافأة عباده، فإنه تبارك وتعالى قد رضي بالحمد من العباد شكرًا، هو قد ارتضى منهم تبارك وتعالى فقط أن تلهج ألسنتهم بالثناء والحمد لله وارتضى هذا شكرًا منهم له، وثناءً منهم عليه، وحمدًا منهم لنعمه وفضله ومننه التي تغمرنا، والتي عظمت منته تبارك وتعالى علينا.
فإذًا ما قلناه اليوم، أن أفضل دعاء يدعو به الإنسان ربه تبارك وتعالى أن يقول الحمد لله، وأن هذا الثناء من العبد، والثناء والحمد منه لله، يعطيه الله تبارك وتعالى به، أكثر بكثير من أي شيء كان سيطلبه الإنسان أو يسأله أو يرجوه من الله تبارك وتعالى.
وأن هذا الحمد بنفسه، هو نعمة من الله تبارك وتعالى لا نطيق لها شكرًا، هو الذي يوفق وييسر العبد أن يحمد الله تبارك وتعالى، فهل تعود عائدة هذا الحمد المحبوب من الله تبارك وتعالى على الله؟ هل هذا الحمد يعود بثمرته على الله أم على العبد؟ فهو سبحانه وتعالى قد أمرنا بالحمد، وأرشدنا إلى الحمد، ورضي منا بالحمد، وأحب منا أن نحمده، لأن الإنسان بحمده لله، تستقيم وتصلح أحواله، لا تصلح أحوالنا، إلا بالثناء على الله، لماذا؟ لأن الإنسان بالثناء على الله يستديم نعم الله.
الأهم من هذا، أن الإنسان بالثناء على الله، ينسب الفضل لأهله، وإذا نسب الفضل لأهله؟ تستقيم نفسيته، لأنه لو لم ينسب الفضل لأهله سبحانه وتعالى سوف ينسب الفضل إما لنفسه فيتكبر ويغتر، أو ينسب الفضل لعبد وينسى الرب فيشرك ويضل.
ولذلك كان من نعمة الله تبارك وتعالى أنه وفقنا أن ننسب الفضل لصاحب الفضل سبحانه وتعالى، لأن هذا ما تستقيم به نفسية الإنسان، وتستقيم به أحواله، ويحسن بعد ذلك جزاؤه ولقاؤه لله تبارك وتعالى، ولذلك كان من عظمة الله، أن وفقنا لهذه النعمة، قال تعالى وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ هذه نعمة من الله منَّ بها علينا لنا، فهو سبحانه وتعالى هو الذي وفق للحمد ثم نسب الحمد إلينا، نحن لم نفعل شيئًا، هو سبحانه وتعالى وفقنا له وأجراه على ألستنا، ثم نسبه لنا وتقبله منا، كما أنه سبحانه وتعالى هو الذي يعطي العباد الأرزاق والأموال التي هي مال الله، والتي هي فضل الله، ثم بعد أن يعطيهم إياها يستقرضهم شيئًا منها، ثم يعطيهم العطاء الجزيل، على ماله الذي قد أخرجوا منه شيئًا قليلًا، فالملك له والفضل منه سبحانه وتعالى، فهو الذي يعطينا، ثم يطلب منا شيئًا قليلًا مما أعطانا ثم يعطينا عطاءً جزيلًا على ما قد سبق أن منحنا وأن أعطانا وأن أولانا، ولذلك كان اسمه سبحانه وتعالى الكريم، هذا من فضله ومنه وكرمه.
فإذًا لابد أن نتعلق بالحمد ولابد أن نعلم أن هذا الحمد بذاته منة من الله وأنه لم نعطى نحن عطاءً خيرًا من أن نوفق لأن نحمد الله تبارك وتعالى.
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا أتباعه، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ووفقنا أن نشكر شيئًا من نعمك ومننك علينا، اللهم وفقنا أن نشكر شيئًا من نعمك ومننك علينا.
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك، أخذ الكرام عليك، ولا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك، لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وعضال الداء، وخيبة الرجاء.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، ويقينًا صادقًا، ولسانًا ذاكرًا، وعملًا صالحًا متقبلًا، وعملًا صالحًا متقبلًا.
اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم لا تخيب فيك رجاءنا، اللهم لا تخيب فيك رجاءنا، اللهم اختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، اللهم اختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.