إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد ،،،
لا زلنا مع حمد الله تبارك وتعالى، إذ نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أشرقت عليه شمس أو طلع عليه نهار، لا يبدأ أول ما يبدأ إلا بحمد الله تبارك وتعالى، هو صلى الله عليه وسلم يستفتح يومه أول ما يستفتح بحمد الله، فماذا يقول صلى الله عليه وسلم مستفتحًا؟ يقول: الحمد لله، الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور، ويقول صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي رد علي روحي وعافني في بدني وأذن لي بذكره، فهو يستفتح صلى الله عليه وسلم يومه بحمده لربه تبارك وتعالى، لكن علام يحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه كلما أصبح؟ على أن أعطاه فرصة جديدة في الحياة، الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا جعل النوم وفاة صغرى سبحانه وتعالى فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فهو صلى الله عليه وسلم كلما استفتح يومًا اعتبره ورآه فرصة جديدة لتعويض ما فات، لاستدراك ما قد مضى، للتوب من الحوب، للطلب التكفير للذنوب، لطلب الستر والإصلاح للعيوب، هكذا هو صلى الله عليه وسلم كلما طلعت عليه شمس ذكر هذه الكلمات، الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، ثم يذكرنا فيقول صلى الله عليه وسلم، وإليه النشور، سيأتي يوم نبعث فيه جميعًا، نقف فيه جميعًا، يسائلنا سبحانه وتعالى عن هذا العمر الذي أعطانا، وعن هذه الفرص المتكررة التي تتكرر علينا ولنا كل صباح، ويقول صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي رد علي روحي، فهو يتذكر الموت والحياة في كل صباح، رد علي روحي، كأنه قد بعث من جديد في هذا اليوم الجديد، وعافني في جسدي الذي هو مطية العمل على طاعة الله، وأذن لي في ذكره، فهو يحمد ربه تبارك وتعالى على أن أعطاه عمرًا وأعطاه منة وقوة، ثم أذن له في أن يوظف هذا العمر وهذه المنة والقوة في ذكره تبارك وتعالى، هو الذي ييسر ذلك بمنه وفضله سبحانه وتعالى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ، العمر والوقت، ونعمة الصحة، وأذن لي بذكره، فهي نعمة ومنة كل صباح يقول الحسن البصري: ما من يوم إلا ينادي، يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا على ما يعمل في شهيد، فاغتنمني فإني إذا غربت شمسي لن أعود إلى يوم القيامة، ولذلك العمر هو القيمة الأعظم للشيء الذي لا يمكن استدراكه، أما ما عدا ذلك فكل شيء يمكن استعادته وقد يمكن الاستغناء عنه، ولذلك قال القائل:
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت لما فقدناه من مال ومن نشب
النشب: السلطة أو الجاه
المال مكتسب والعز مرتجع إذا النفوس وقاها الله من عطب
ولذلك قال الله تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ هذه هي حقيقة الخسران قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ كما قال ربنا تبارك وتعالى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً يخلف بعضه بعضًا، فما الحكمة؟ لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً هذه هي حكمة تعاقب الليل والنهار وليس شيئًا آخر، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً هؤلاء هم أهل الذكر وأهل الشكور، فإذًا الحمد لله يبدأ به يومه صلى الله عليه وسلم تذكرًا لنعمة الحياة الجديدة، فرصة جديدة منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان في كل وقت، كل يوم، ولكن الفرص تتسرب من بين أيدينا، الفرصة تلو الفرصة، هذا أولًا.
ثانيًا: الحمد لله وصعاب الحياة، الحمد لله ومشاق الحياة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ فالحياة الدنيا التي يعيشها الإنسان هي حياة الكدح فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى هذا هو الشقاء الحسي، المعاناة والكبد المادي، وهناك فوق هذا الشقاء شقاء، فالشقاء الحقيقي شقاء الروح والقلب والنفس والوجدان، قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وقد قال الله تبارك وتعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ فإذًا طبيعة هذه الحياة الدنيا فيها الكدح والمشقة والتعب والشقاء، ولن يخفف هذا العناء إلا الحمد لله، ولذلك كان من رحمة الله تبارك وتعالى أن جعل هذه الكلمة ” الحمد لله ” هي استفتاح المناجاة في كل صلاة، وكان من رحمة الله أن جعل هذه الصلاة متكررة مرارًا عبر اليوم، لكي يكون هذا المفزع الإجباري، فهذا مفزع ملزم، فكأن الله سبحانه وتعالى رحمة منه بالإنسان جعل له هذا المفزع الإجباري إلى الحمد لله، يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى أيًا كان حاله، وأيًا كان وضعه في السراء والضراء، فيذكر نفسه بهذه الكلمة، ويقول الحمد لله، ولذلك تقول عائشة رضي الله عنها، والحديث في سنن ابن ماجه تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئًا يحبه قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى شيئًا يكرهه قال: الحمد لله على كل حال، فهو صلى الله عليه وسلم يحمد ربه تبارك وتعالى على كل حال، في حالي السراء والضراء، فإذا رأى ما يحب قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فهو يحمد الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة ويسأله سبحانه وتعالى أن يتمم عليه النعمة بحفظها وبشكرها، لتكون نعمة تامة في الدنيا فتبقى وفي الآخرة فلا يؤخذ بعدم شكرها، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال، كل ما قدره الله سبحانه وتعالى أدرك الإنسان ذلك أم لم يدرك، رأى ذلك أم لم يره، يقول مسروق بن الأجدع وهذه القصة في مصنق بن أبي شيبة يقول: كان رجل بالبادية له كلب وحمار وديك، قال: فالديك يوقظهم للصلاة، والحمار ينقلون عليه الماء وينتفعون به ويحملون لهم خباءهم، والكلب يحرسهم، فجاء ثعلب فأخذ الديك فحزنوا لذهاب الديك، وكان الرجل صالحًا فقال: عسى أن يكون خيرًا، قال: فمكثوا ما شاء الله ثم جاء ذئب فشق بطن الحمار فقتله فحزنوا لذهاب الحمار ” فهم كانوا يستخدمونه استخدامًا أساسيًا ويحتجونه حاجة ضرورية ” ، فقال الرجل الصالح: عسى أن يكون خيرًا، ثم مكثوا بعد ذلك ما شاء الله ثم أصيب الكلب فقال الرجل الصالح: عسى أن يكون خيرًا، فلما أصبحوا نظروا فإذا هو قد سبي من حولهم وبقوا ” هم يعني جاء أناس قطاع للطرق هجموا على المنطقة بمن فيها ” ، قال: فإنما أخذوا أولئك بما كان عندهم من الصوت والجلبة ” بهتدى إليهم في الظلمة بسبب الصوت ” ، ولم يكن عند أولئك شئ يجلب، قد ذهب كلبهم وحمارهم وديكهم، فكان خيرًا كما ذكر الرجل، لكن متى أدرك أن هذه الأشياء كانت من عمل الله سبحانه وتعالى؟ بعدما سبي وسلب من كان حوله، أما قبل ذلك؟ ولذلك هو الفرق هنا.
يجري القضاء وفيه الخير نافلة لمؤمن واثق بالله لا لاهـــي
إن جاءه فرحٌ أو نابه تــــــــــرحٌ في الحالتين يقول الحمد لله
كانَ رَجُلٌ بِالْبَصْرَةِ مِنْ بَنِي سَعْدٍ ” سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ” ، وَكَانَ قَائِدًا مِنْ قُوَّادِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَسَقَطَ مِنَ السَّطْحِ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلَاهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو قِلَابَةَ ” أبو قلابة الجرمي رجل من كبار التابعين رحمه الله ” ، فَعَادَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَيْرَةً. فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا قِلَابَةَ ! وَأَيُّ خَيْرَةٍ فِي كَسْرِ رِجْلَيَّ جَمِيعًا؟ فَقَالَ: مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَكَثْرُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ ابْنِ زِيَادٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُقَاتِلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ” هو أراد الكوفة، فيريد أن يخرج بالجيش لكي يرده ” ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: قَدْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي. قَالَ ذَلِكَ لِلرَّسُولِ، فَمَا كَانَ إِلَّا سَبْعًا حَتَّى وَافَى الْخَبَرُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا قِلَابَةَ، لَقَدْ صَدَقَ، إِنَّهُ كَانَ خَيْرَةً لِي. فهو إن كان سليمًا، لم يكن يستطع أن يخالف أمر الأمير، فماذا سيفعل؟ كان سيلزم الأمر، ثم ينشب النزاع فيقع قتيلًا شهيدًا، فأيهما كان خيرًا له أن كسرت رجلاه، أم خرج في هذا الأمر؟ ولذلك استنكر ما قاله قلابة له، فقال له: ما ستر الله عليك أكثر، أنت لا تعلم ما هو تقدير الله سبحانه وتعالى، فدائمًا الإنسان ربما يتسخط على أمر من أمور الله سبحانه وتعالى قد قضاه وقدره ويكون في هذا الأمر الخيرة للإنسان، ومن يعلم وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين.
فإذًا كانت الصلاة وكانت الحمد لله تذكيرًا دائمًا للإنسان بفضل الله تبارك وتعالى ونعمته، ثم كانت الصلاة وكانت المناجاة والشكوى إلى الله تبارك وتعالى، ولذلك يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعن أبيه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، أي اشتد عليه أمر، ماذا يفعل صلى الله عليه وسلم؟ يهرع إلى القرآن، يفزع إلى ربه تبارك وتعالى، فالله تبارك وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، يقول إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: غُشي على عبد الرحمن بن عوف غشية طويلة حتى ظننا أنه قد أفاض نفسه فيها حتى قمنا عنه وجللناه بثوب ” خلاص بيغطوه ” ،يقول وقامت أم كلثوم بنت عقبة زوج عبد الرحمن بن عوف قامت إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة، لماذا قامت إلى المسجد؟ قامت إلى المسجد تصلي، يقول إبراهيم: تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة، يقول: فلبثوا على ذلك ساعة، فلما أفاق عبد الرحمن بن عوف كبّر فكبر أهل البيت لما كبر وقال أغُشي عليَّ؟، قالوا نعم، قال صدقتم فإنه قد جائني رجلان فأخذاني بشدة وغلظة فانطلقا بي وقالا انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين سبحانه وتعالى، قال فلما انطلقا بي لقيني رجل فقال أين تذهبان بهذا؟ قالا نحاكمه إلى العزيز الأمين، قال ارجعا فإن هذا ممن كتب الله لهم السعادة والمغفرة وهو في بطن أمه وسيمتع به بنوه إلى ما شاء الله – يعني لسه له أجل – فمكث شهرًا ثم قبض رضي الله عنه، عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعن أبيه كان في سفر فجاءه نعي أخيه كثم ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه فحاد عن الطريق – يعني طلع كدا بره الطريق وركن – وأناخ راحلته ثم نزل فصلى ركعتين وأطال الجلوس – جلس يدعو كثيرًا بعد التشهد ثم سلم فقال يقول الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
أول ما يستفتح صلاته يكبر ربه ثم يحمده على ما قضى وعلى ما قدر فكانت الصلاة وكانت الحمد لله هي مفزع الإنسان المؤمن في كل حال، الحمد لله هي التي تعطي الإنسان شعور بالسكينة والطمأنينة أو القدرة على مواجهة الأحداث أو المشاق أو الصعاب بأي شيء؟ بشيئين:
الأول: أنه يتذكر أن قضاء الله لا يكون إلا رحمة وبراً وإحسانًا، الله عز وجل لا يقضي على عبده المؤمن قضاءًا إلا كان خيرًا له، ولذلك قال الله تبارك وتعالى مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ قال ابن مسعود رضي الله عنه: هي المصيبة تنزل بالمؤمن فيعلم أنها من الله فيرضى ويسلم، الذي يجعله يرضى ويسلم أنه يعلم أنها من الله، والله سبحانه وتعالى لا يقدر إلا خيرًا، فالخير كله بيده، ليس منه شرًا ولا سوءًا والعياذ بالله، هذا هو الشيء الأول.
والشيء الثاني: أنه يكون في الصلاة فيلجأ إلى الله، يدعو الله، يتضرع إلى الله، يستغيث بالله، يشتكي إلى الله، قال: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
حينما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ما نزل في الطائف وتعرض لما تعرض له لجأ إلى ربه تبارك وتعالى في هذه الكربة الشديدة والغربة الشديدة والوحشة الشديدة والإيذاء الشديد، قال: اللهم إني اشكو إليك، اشكو إليك، اشكو إليك ” وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم ” اللهم إني اشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، الله سبحانه وتعالى هو رب كل الناس، فلماذا المستضعفين؟ لأن قلوبهم مرتبطة بالله وبإحساسهم بهذا الضعف يستمدون من القوي تبارك وتعالى أن يجبر كسر كل منهم، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إذا لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، لكن عافيتك هي أوسع لي، يعني هو لا يبالي بما نزل به طالما أن هذا ليس من سخط الله عليه، ليس من غضب الله عليه، لكنه يتمنى ويرجو السعة، قال: لكن عافيتك هي أوسع لي.
ولذلك نحن قلنا قبل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما صعد أبو بكر على المنبر رضي الله عنه بعدما ولى الخلافة، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على منبره هذا في عام أول ” يعني في السنة السابقة ” ثم استعبر فبكى ثلاث مرات ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سلوا الله اليقين والمعافاة فإنه لم يعطى أحد بعد اليقين خير من المعافاة.
اليقين الثقة بالله، والمعافاة أن الله سبحانه وتعالى يعافي الإنسان في نفسه وفي بدنه وفي أهله وفي ماله وقبل كل ذلك في دينه – قبل كل ذلك في دينه – .
قال: ” لكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والأخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل عليَّ سخط، ثم قال: ” لك العتبى حتى ترضى ” ما معنى العتبى؟ يعني إذا أنا فعلت شيئًا يستحق العتب فأزيل عتب الله بالاستغفار والتوبة، ” لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ” .
فإذًا الإنسان في كل حال يلجأ ويفزع إلى الله تبارك وتعالى ويحمد الله تبارك وتعالى كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل حال لأنه كما قلنا لا يكون إلا خيرًا أدرك الإنسان ذلك أم لم يدركه، عافية ومنة ورحمة وثوابًا جزيلًا من الله تبارك وتعالى.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى المرء على حسب دينه فإن كان في دينه شدة زيد له في البلاء.
فإذًا إذا قدر الله سبحانه وتعالى شيء للإنسان من البلاء أيًا كان نوع هذا البلاء فليس هذا سخطًا ولا عقابًا إنما هي رحمة وسبيل للقرب أكثر من الله، سبيل لرفع درجات الإنسان عند الله، سبيل لتكفير خطايا وسيئات الإنسان حتى يقدم على ربه تبارك وتعالى نقيًا من الذنوب، ولكن الإنسان دائمًا يسأل الله سبحانه وتعالى العافية، يعني البلاء إذا قدره الله تبارك وتعالى كان خيرًا لمن وفقه الله للصبر عليه ولكنه لا يُطلب وإنما يطلب الإنسان دائمًا من الله تبارك وتعالى أن يرزقه العافية. لا يطلب الإنسان البلاء وإنما يطلب من الله العافية، وإن قدر الله تبارك وتعالى عليه شيئًا علم أنه من الله، فعلم أن الله قد جعل في ذلك الخير له.
ولذلك عمر بن عبد العزيز قام على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده فقال: ما أنعم الله على عبد نعمة فنزعها منه فأعاضه من ذلك الصبر إلا كان ما أعطاه من الصبر خيرًا مما نزعه منه من هذه النعمة، إذا أنعم الله على أحد بنعمة أيًا كانت ثم نزع منه النعمة وأعطاه الصبر عليها إلا كان ما أعطي من الصبر خيرًا مما أخذ منه من هذه النعمة، قال لأن الله تعالى يقول إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ وبذلك بذلك فقط تصير الحمد لله، يعني كيف سأقول الحمد لله بجد، أو أنني أشعر فعلًا أنني أحمد الله سبحانه وتعالى، ليس حمدًا لسانيًا فقط؟ إذا لم توجد هذه المعاني وهذه الأحاسيس تجاه الله سبحانه وتعالى موجودة، إدراك عظمة رحمة الله التي نحن مغمورين بها أو حكمة الله في كل شيء يقدره الله موجودة لن تشعر بالحمد لله، لن تأتي إلا إذا جاءت مقدماتها.
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين هذين الأمرين؛ اليقين والمعافاة، فاليقين هو الذي سيعطيني هذه المعاني، ولذلك منَّ الله سبحانه وتعالى على بني اسرائيل بأن جعل منهم أئمة، متى؟ قال: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ لما صبروا على أمر الله فينفذوه وعلى معصية الله فيتجنبوها وعلى أقدار الله فيصبروا عليها، طيب لما صبروا وبعدين؟ وكانوا، طيب لماذا لم يقل لما صبروا وأيقنوا؟ لأ، لما صبروا وكانوا، فإذًا هذا اليقين هو القاعدة الأساسية الموجودة أولًا وهي التي تهيء للصبر، أنا لا أستطيع أن أصبر إذا لم يكن عندي معرفة وعندي ثقة وعندي يقين بالله سبحانه وتعالى.
” عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن،هذا هو أثر الإيمان واليقين، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ” .
يبقى إذًا هذه الكلمة وهذه العبارة ” الحمد لله ” وهذه الفاتحة التي مازلنا في محاولة تفهم معانيها هي فعلًا نعمة عظمى من الله تبارك وتعالى إن منَّ الله علينا فأدركنا عظمة هذه النعمة، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم جالسًا مع جبريل عليه السلام فسمع نقيضًا من فوقه فقال جبريل: هذه باب فتح من السماء لم يفتح قط إلا اليوم، ثم نزل ملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جبريل عليه السلام: هذا ملك نزل من السماء لم ينزل قط إلا اليوم، بما نزل؟ نزل ليقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي من قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته، لم تقرأ بحرف منها إلا أوتيته – ليس هناك حرفًا تقرأه ضارعًا إلى الله تبارك وتعالى، سائلًا ما فيه من نعمة وفضل إلا أتاك الله تبارك وتعالى إياه، قال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا، واعف عنا، واغفر لنا، واغفر لنا، وارحمنا، وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.