إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد ،،،
لكي ألا نتيه فيما نتحدّث فيه، نحن كنّا نتكلم عن بيت النبوة، وكيف أدار صلى الله عليه وسلم بيته، واحتجنا بين يدي ذلك، أن نتكلم عن طبيعة هؤلاء النسوة الاتي يؤويهنّ هذا البيت العظيم، إذاً نحن في كلامنا سنمرّ بمرحلتين، المرحلة الأوى: أننا نحتاج إولاً لأن نفهم، نحن عما نتكلم وما حجم المعلومات التي من المفترض أن تكون متاحة بالنسبة لنا، وبعد ذلك نحتاج أن ننقل نرى كيف تكون الممارسة، فنحن ذكرنا كيف تكلّم سبحانه وتعالى عن الخلق الأول وعن طبيعة الأم الأولى التي يرث عنها بعض الخصائص والصفات كل بناتها على اختلاف الأزمنة والأمكنة والأجيال والثقافات، هناك أشياء مشتركة في البنية وفي التركيبة عائدة إلى أصل الخلق وإلى أصل العلاقة الأولى بين آدم عليه السلام وبين زوجه، ثم الخطاب المتعلّق بالرجال والأمر بالوصيّة بالنساء وكيف يتعامل الرجال مع النساء.
إذاً إذا أردت أن تدير أي موضوع، مثلاً: شخص رئيس قسم، مدير إدارة، مدير عام في مؤسسة، هو في النهاية يدير مجموعة من الناس، إذا لم يكن عنده معرفة جيّدة بطبائع هؤلاء الناس أو بصفات هؤلاء الناس هو غالباً حتى إذا كان يوجد لوائح قويّة ولوائا صارمة هو أيضاً سيفشل في إدارة هؤلاء الناس، فحينما يبيّن الله سبحانه وتعالى عبر نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ أصل الطبيعة وأصل الخلقة وأصل هذا الضلع وتركيبته، وكيفية إدارة التعامل معه، فماذا يعلّمنا هو في الأول؟ أنني قبل أن أقدم على أي شيء، قبل أن أتعامل مع أي شخص قبل أن أدخل في أي موضوع لابد أن يكون عندي قدر من الدراية بطبيعة ما أنا مقدم عليه، لكي يتوافر لي أسباب النجاح، بالاستعانة بالله تبارك وتعالى، فهذا هو القانون العام.
وسياتي معنا وصايا وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم لنا، كيف سنفكّر، كيف سنتعامل، كيف سندير؟؟ إدارة.. ما معنى إدارة – كما قلنا قبل -؟ أك تستمر في إدارة شيء حتى أن تفتح، مثل الخزانة، تستمر في الدوران حتى أن يأتي التي هي مبرمجة عليه فتفتح، إذاً هو شيء كانت مغلقة ستصل بالإدارة للنقطة التي عندها تفتح الأماكن أو المسارات أو المواضيع أو المشاكل المغلقة.
هذا معنى الإدارة، فأنت تظل تلفّ يمين وشمال وتجرّب مجموعة محاولات بناءً على خلفيّة موجودة عندك تقرّب من الصورة الصحيحة، هذا هو الأمر الأول.
الأمر الثاني: الممارسات، فنحن عندنا في القانون ما يسمى بالسوابق القضائية، فنحن لدينا لوائح ومبادئ قنونية، على أساسها القاضي يحكم، ويوجد ما يسمى بالتاريخ للقضاةحكموا فيها في قضايا مماثلة، فما فائدة هذه السوابق القضائية، أن هذه هي التي تعطي القاضي إرشاد حول كيفية إسقاط هذه القوانين والمبادئ واللوائح على الوقائع، لأن الواقائع يكون فيها حيثيات كثيرة، عناصر متداخلة، غهو بهذا الاستقاط يعطي لي نوع من أنواع الارشاد والتوجيه بالممارسة العملية، أو بوقائع أو بمواقف؛ أستطيع من خلالها أسترشد بها لكي أسير بشكل صحيح.
فالنبوة تقدّم لنا القانون، ثم بممارسات النبوة نفسها الشخصية، تقول لنا كيف يطبّق هذا في الواقع وفي الوقائع المختلفة بشكل تفصيلي، لأنني أعر فأن من المفترض يحدث كذا، لكن في موقف معيّن نتيجة لاشتباكات عناصر متعددة أنا لا أعرف كيف أتصرف؟ وكيف أحل هذه الأزمة؟
فالنبي صلى الله عليه وسلم يعطي لنا بالممارسة كيفية إدارة الحياة، لأجل هذا لم يكن يصلح أن الدين عبارة عن كتاب بدون رسول، لأن الرسول يمثّل نموذج القدوة؛ الممارسة الصحيحة والمثالية، الحلول المثالية للمشاكل المختلفة الحياتية الواقعية، إذا كنّا مدركين هذا، إذاً فيم نتحدث؟ أول شيء التأصيل ثم بعد ذلك نعرف بناء على ما فهمنا كيف نتعامل، وسنسترشد به صلى الله عليه وسلم في كيفية إدارة الموقف
تكلمنا في الجمعة قبل الماضية عن التأصيلات والرؤى الفاسدة وكيف تؤثّر، قلنا الآن أن المشكلة كلها كانت واقعة في البداية في أصل قصّة آدم عليه السلام في الجنة، هذه هي بداية المشاكل، لماذا بداية المشاكل؟ لأننا إذا فهمناها بشكل خاطئ أو فسّرناها بشكل خاطئ كل ما سيبنى عليها بعد ذلك لن يكون صحيحاً، كل المقدمات غير الصحيحة لابد أن تؤول إلى نتائج أبعد عن الصحة وأقرب إلى الفساد فذكرنا كيف أن اليهودية تعاملت مع قضية المعصية أو الخطيئة الأولى وقلنا أن اليهودية كانت أقل ضرراً وخطراً من معالجة النصرانية لنفس القضية، وقلنا أن الاثنين لديهم أصل واحد.
الأصل التوراتي هو الأصل المشترك بين اليهودية والنصرانية في تناول هذه القضية أو في فهمها، وقلنا أن عبء إخراج آدم من الجنّة إنما وقع على المرأة وأنها المسئولة، ولذلك ترتّب على هذا بأنها تعامل معاملة تتناسب مع حجم الجرم التي أوقعت فيه الرجل، إذاً هذا طبيعي ومنطقي، هذا بالنسبة لليهودية.
قلنا لكن في النصرانية حدث هناك مشكلتين آخرتين أكبر، المشكلة الأولى: أن الخطيئة نفسها جعلت سبب لعذاب الجنس البشري، اليهود ليس لديهم هذا الكلام،، نعم هي فعلت مشاكل ونحن سنتعامل معها وانتهى الموضوع، والحياة تسير بشكل عادي، ليس لها علاقة بمآل الناس في الآخرة، أما في النصرانية أنهم جعلوا هذه القضية ترتّب عليها أن الخطيئة عمّت كل بني آدم وحوّاء، وبالتالي أصبحوا جميعاً في أسر الشيطان، ومآلهم جميعاً إلى جهنم وهي المكان الذي يقتاد إليه الشيطان كل من أطاعه فأصبحت هذه الخطيئة شيء متوارث، إذا فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ هذه ليست موجودة أصلاً، أن الخطأ يغتفر بالتوبة، هذه لم تكن موجودة.
المشكلة الأخرى: إذا قلنا أن الرجل أو المرأة أو كلاهما وقعا في المخالفة أو المعصية أو الخطيئة، لماذا يتحمّل الأبناء تبعات وأخطاء الآباء هل هذا يتماشى مع العدل الإلهي؟ هذا يتنافى مع عدل ربنا سبحانه وتعالى، فالإنسان من المفترض أنه يولد على الفطرة سليماً مبرّأً، لا هم عندهم يولد بالخطيئة، فما علاج هذا؟ علاجه أن الرب بنفسه ينزل ويتجسّد لكي يعالج أثر الخطيئة.
فكان من الممكن أن الرب يغفر للعباد من عليائه، فليس الموضوع محتاج إلى كل هذا!
هذا هو الشق الأول وما فيه من اضطّراب، ندعه جانباً.
الشق الثاني: كيف تعالج هذه القضية؟ قلنا أن العلاج الذي طرحوه هو علاج التنزّه والترقي والاستعلاء على هذا الاتّصال أصالةً، أي أنه في النهاية، الأصل في الإنسان الصالح أو الفاضل أنه يتنزّه عن العلاقة مع المرأة حتى لو كانت على سبيل الزواج، لأنها نفسها أصبحت مصدر الغواية والدنس، ولذلك لابد أن تتجنّبها، هذه فكرتهم، وقلنا أن هذا الكلام إلام أدّى؟ إلى ما سّمّي بعد ذلك بالرهبانية، ما معنى الرهبانية هذه؟ هو عبارة عن صورة من الاعتزال للمجتمع ليس فقط اعتزال، ليست المشكلة في الاعتزال، المشكلة في تنظير هذا بأنه هو الصورة الدينية الصحيحة، وهذا الكلام قلناه في الخطبة قبل المالضية ولن نكرره مرة أخرى في كلام بولس وغيره.
إذاً نحن حينما أردنا أن نعالج المشكلة دينيّاً ماذا فعلنا؟ فهل هذا الكلام موجود في الأصول الدينية أم أنها اجتهادات؟
لماذا نتكلم في هذا الكلام لأننا قلنا قبل ذلك مراراً ونكرر، قول النبي صلى الله عليه وسلم ” لتتبعنّ ” يخاطب المؤمنين ” سنن ” أي طريق ” من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ” ما معنى شبراً بشبر وذراعاً بذراع؟ يعني المتابعة لصيقة، ” حتى إذا دخلوا جحر ضبٍّ دخلتموه ” شرحنا هذا الحديث زمان، قلنا ما معنى جحر الضب؟
الضب دويبة صغيرة، فلماذا النبي صلى الله عليه وسلم اختصّ الضب بالذكر؟ لماذا اختار هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يختار الشيء عبثاً، لماذا اختار هذا في التشبيه؟ لأنه له صفتان، الأولى: ضيّق منتن الريح، الثانية: مدخله واسع ومخرجه ضيّق، أي هو صنعه لكي يهرب منه، فالمدخل واسع قليلاً، بحيث أنه إذا جرى ودخل فيه ويوجد حيوان أكبر قليلاً يطارده يستطيع أن يدخل، لكنه يدخل فيحتجز بداخله، والضب من المخرج الضيّق يخرج ويظلّ من يطارده دماغه محشورة – مثل توم جيري – ولكن أنفه بالداخل تتعرض لهذه الريح المنتنة – مثل توم جيري – .
إذاً النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يريد أن يبيّن، أننا نصل في المتابعة لدرجة الوصول إلى أشياء غير منطقيّة، ما الذي يجعل شخص يحشر نفسه في هذا، الشيء الآخر بعد مرحلة معيّنة من الممكن أن يكون صعباً. ” قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن؟ “
أي من غيرهم، وقال في حديث آخر، نفس النصّ، فقالوا يا رسول الله فارس والروم، قال: فمن الناس إلا أولئك.
فهذا يعني أننا سنسير في طريق أناس، هؤلاء الناس موصوفين في حديثين بإطارين مختلفين، أي: اليهود والنصارى ماذا يمثّلوا؟ هم أهل الكتاب، أي نموذج الانحراف في فهم الدين وفي تطبيقه، أما الآخر: هذا يتعلّق بالسياسة والحكم، فارس والروم، هذا ما نسمّيه الإطار الدنيوي، إطار الإدارة والسياسة والاقتصاد، والثاني الإطار الديني، إطار الممارسة الدينية.
إذاً هذه الأمة ليست بمعزل عن هذه الأمم سواء من تعايشها أو الموجودة في أعماق التاريخ وأن سنن ربنا سبحانه وتعالى في الأمم والمجتمعات سنن واحدة، وأن الناس متشابهين أكثر منهم مختلفين، ولذلك السنن التاريخية العامة تتكرر على الأمم والشعوب، يعني مثلاً الفترة الماضية وإلى الآن نحن نعيش شيء الغربيين سمّوها عولمة، ما معنى العولمة؟ أن هناك شيء اسمه نموذج عالمي يعني أسلوب واحد للثقافة والفكر والإعلام، الفن أسلوب الأكل، نمط الاستهلاك، أن أمريكا لأنها الدولة المسيطرة نموذج الثقافة والحياة والممارسة، أسلوب الحياة الأمريكي؛ يكون هو النموذج المسيطر على العالم، فإذا كنت في الصين، في اليابان، في كينيا، في مصر في البرازيل في أي حتة فأنت تخضع عبر هذا الضغط الثقافي الكبير لنموذج واحد مسيطر، فهل نحن نستطيع أن نقاوم هذا؟، ولذلك البوذية أو الهندوسية أو الإسلام كل هذا عرضة للهجوم لمصلحة هذا النموذج، لماذا يفعلون هذا؟ لأنك حينما تشكّلني على وفق ثقافتك يسهل عليك أن تديرني، أو تقودني إلى حيث تريد وإلى حيث تشاء، وهذا أخطر بكثير من العمل العسكري يكون فيه ممانعة نفسية، لكن التأثير الثقافي أخطر بكثير، فهذا جزء من ما نعيشه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم على أمر من الممكن أن يكون أخطر؛ وراثة أساليب للحياة، فما يعنينا هنا هو الأسلوب المتعلق بكيفية معالجة الدين للمشاكل، كيف يواجه قضية الفتنة بالنساء، وما موقفنا من هذا الكلام؟ فربنا ربنا سبحانه وتعالى يقول كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ثم قال سبحانه وتعالى معقّباً أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ربنا سبحانه وتعالى يقول أن الناس من حين ما ربنا سبحانه وتعالى أرسل سيدنا نوح، هناك جملة مشتركة تقال بين أناس لم يلتقوا ببعض، أي أنهم لم يتلقّوا الجملة عبر الوصايا والوراثة، هذا توافق بدون توصية مسبقة، بناء على ماذا؟ على تشابه في البنية والتركيبة وفي السلوك وفي النفسية وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ – وبعد ذلك – تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ إذاً هم لم يتناقلوا هذه الجمل سماعاً، لا هي تركيبة واحدة، أدت إلى أن المواقف تكون واحدة، والسلوكيّات تكون واحدة، وحتى الجمل التي تقال تكون واحدة.
إذاً الإنسان في الحقيقة مع اختلاف الأزمنة، الذي يتغيّر الأشكال والهياكل زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ للناس، الناس، هذا شيء مشترك، تختلف مظاهرها مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ – ما كل هذا؟ – ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ إذاً هناك مجموعة اسمها مجموعة الشهوات، هذه في النهاية تؤثر على الناس كل الناس، ولكن فيم تختلف؟ في أشكالها، فتحول الحصان إلى السيارة، التي اختلفت هي الصورة، لكن الحاجة الكامنة في النفس واحدة، وكل هذا يجمعه أمر واحد هو الركون إلى الدنيا ونسيان الآخرة، فما الذي يدعونا الله إليه؟ أن نرتب الأولويات، ترتيب صحيح، نضع الآخرة في مكانها، ونضع الدنيا في مكانها، نعمل لكل واحدة باعتبار ما تستحقّ، اعمل للدنيا على قدر مقامك فيها واعمل للآخرة أيضاً على قدر مقامك فيها بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى فهذه أمور مشتركة لا فرق، كيف هم عالجوا، قلنا هم عالجوا عبر ماذا؟ عبر أنهم قرروا الرهبنة، قال الله تبارك وتعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فماذا فعلت النبوة فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ للأسف، دائرة الإيمان والثبات عليه تكون دائماً هي دائرة القلّة وليست دائرة الكثرة، وهذا هو الشيء المخيف، من المفترض أن يجعلنا دائماً في دائرة القلق أو الفزع وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ الصورة الغالبة وللأسف.
فما العلاج الذي وضع لهذه المشكلة؟ مثلما قلنا قضية الاعتزال، ثم يقول تبارك وتعالى ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً مما استمدت هذه؟ من التهذيب الأخلاقي الذي جاء به، ومن طبيعة شخصيته هو وطبيعة تعاملاته وتأثرهم الشخصي بسيرته وحياته، وبعد ذلك وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآيات يذكر تاريخ الرسالة، ويركّز على النقطة الأخيرة أو الحلقة الأخيرة قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، المسيح وما آتاه الله تبارك وتعالى وطبيعة الرقّة الموجودة في نفوس أتباعه، ثم ما أحدثوه في دينهم وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا هم أنشأوها من عند أنفسهم مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ إنما كتبنا عليهم أن يبتغوا بما شرعه الله سبحانه وتعالى وبما يسّره لهم من الملّة السمحة الميسّرة.
فلماذا ابتدعوا هذا؟ أصل منشأ هذا لم يكن بسبب الرغبة في الازدياد من التعبد، كان هناك اضطهاد من الرومان لأتباع المسيح عليه السلام، وبعدما دخل قسطنطين دخل في النصرانية هو حوّلها لديناة وثنية، فهو لم يدخل النصرانية بل حوّلها إلى ديانة رومانيةظن فأصبح الناس السائرين على جادة الصواب أيضاً في دائرة الاضطهاد، فهي لم تصلح في كلا الحالين.
فهو كان يضطهد الجميع، وبعدما فعل المجمع وقرر مبدأ معيّن، بدأ يطارد من لا يؤمن بهذا المبدأ، فهم اضطّروا أن ينسحبوا إلى خارج المدن لكي يعتصموا بدينهم، وهذا هو الذي ذكر لنا ربنا مثال شبيه له في سورة الكهف وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ فالكهف هذا صورة من صور الاعتزال داخل الجبل لماذا؟ لأجل حياطة الإيمان، إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا لا يوجد بديل ثالث، إما أن يقتلوهم وإما أنهم مع الضغط فيضعفوا ويرجعوا إلى ما كانوا عليه، فما الحلّ؟ اعتزال المجتمع، بأي قصد؟ بقصد الفرار بالدين، فهذا هو الأساس، وبعد ذلك تتوالى أجيال تحوّل هذا إلى أن هذا شيء كان مقصود لذاته. خطأ في الفهم.
ابن عبّاس رضي الله عنه يحكي قصّة قوم نوح عليه السلام وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا من كانوا هؤلاء؟ هم أناس طيّبين صالحين، أناس مؤمنين، نحن أحببنا أن نحتفظ بذكراهم عبر ماذا؟ عبر تماثيل، هذه التماثيل ماذا تفعل؟ تذكّرنا بهؤلاء السلف الصالحين، ومع توالي الأجيال وزيادة التعظيم وغلبة الجهل ونسيان السابقة التاريخية، التي أدت لاتّخاذ التماثيل تحوّلوا إلى آلهة، فعندما جاء سيدنا نوح وأراد أن يردّهم إلى الأصل، هل وافقوا أم لا، لا لم يوافقوا، هل اقتنعوا بما قال أم لا؟ لا لم يقتنعوا.
إذاً ممكن أن يكون الشيء في أصله كان فكرته طيّبة، لكن مع توالي الأيام فسُدت وأفسدت، نفس الفكرة، هم حوّلوا الرهبانية إلى أمر مقصود في ذاته، وهذه رغبة في اعتزال المجتمع الفاسد، ورغبة في زيادة التقرّب إلى الله، واعتزال النساء لأن القرب منهم دنس، والاتصال بهم نقص وذهاب لقوّة الروح، هذا أمر ينتسب إلى الدين أمر صورة من صور التحريف؟ صورة من صور التحريف داخل إطار الدين، إذاً الدين نفسه بدأ ينحرف سواء بنيّة حسنة أو نيّة غير حسنة، في النهاية النموذج بدأ يصاب بالتشوية، فماذا سيفعل المجتمع مع هذا الجو؟ هل يستطيع أن يتقبّل هذا النموذج الديني الذي أصابه التحريف، أم لن يستطيع؟ لا يمكن للمجتمع أن يعيش على وفق الصورة التي أنزلها الله تبارك وتعالى التي تراعي نقص وضعف وبشرية الإنسان، إذا قدّمت صورة ملائكية تطالب الناس بها لن يستطيعوا، وإذا لم يستطيعوا الوصول للصورة الملائكية، دائماً يرجعوا أدراجهم للصورة الشيطانية، دائماً الصورة التي فيها غلو يقابلها صورة فيها تفريط، هذا هو الطبيعي دائماً، لا تستطيع أن قف في الوسط، ولذلك من عظمة نعمة ربنا علينا هذه الجملة العظيمة وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ما معنى ” وسطا “؟ صورة الاعتدال بين طرفي الافراط والتفريط فإذا حدث ميل لهذا الجانب لابد يقابله ميل بنفس القدرة أو بنفس القوة في الاتجاه الآخر، مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، هي هكذا دائماً.
ولذلك عظمة الدين أنه يأتي بصورة التوسّط والاعتدال الحقيقي الذي يحقق الاتزان النفسي والوجداني والعقلي والسلوكي للإنسان.
فما الذي ترتّب على هذا؟ ترتب على هذا أن المجتمع بدأ يغلب عليه الانحراف، انحراف شديد جدّاً باتجاه الشهوات، هل الرهبانية حافظت على نفسها، لا ربنا سبحانه وتعالى يقول فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا على ماذا تعود هذه الجملة؟ وهذه عظمة القرآن فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا هذه هي الملّة، وفَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا الشيء الذي اخترعوه، وهذه عظمة بينا ربنا سبحانه وتعالى في القرآن، اتساع دلالات النص واللفظ القرآني.
فهم عندما اخترعوا الرهبانية لم يرعوا الملّة التي أمرهم الله بها ولم يحفظوا حقّها لأنهم أدخلوا فيها ما ليس منها وابتدعوا الرهبانية لكي يزدادوا في التقرّب، فهل هم فعلوا هذا فعلاً لا ولذلك تكون العقوبة والوزر مضاعف، شخص ألزم نفسه بأمر لكي يتقرب به إلى الله ثم فسد وأفسده، فتكون المشكلة أكبر وأكبر، مثل النذر.
النذر ليس شيء مستحب في الدين أن الشخص ينذر شيء هذا أمر ليس مستحب، لماذا هو غير مستحب؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إنما يستخرج به من البخيل ” فأنا أريد أن ربنا سبحانه وتعالى يفعل معي خيراً فكأني أنا عبر النذر – عياذاً بالله – بشجّع ربنا، فافعل كذا وأنا سأفعل كذا.
ربنا سبحانه وتعالى واسع الكرم لا يحتاج أن أستحثّه، يعني يا رب إذا فعلت لي كذا أنا سأفعل كذا، لا من المفترض أنه إذا أحسن إليّ ربنا فمن المفترض أن أتصدّق شكراً لنعمة الله لكن لا أربط هذه بهذه لماذا؟ لأن بداخلها معنى غير حسن، كأنني قلق أن ربنا سبحانه وتعالى لن يعطي لي الخير إلا بعوض.
فالشخص إذا نذر، يلزمه النذر وأصبح واجب عليه ما أنذره، هل كان واجب عليه قبل، لا، لكنه عندما أنذره أصبح واجب عليه،، فإذا أنذر شيئاً ولم يوفي تكون أسوأ وأسوأ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا
فماذا فعلوا؟ أول شيء هم بدأوا بهذه الصورة – نريد أن نتعبّد ونعتزل المجتمع – والمجتمع هذا مجتمع فاسد،، وهذا عكس الذي جاء به الدين، ربنا دائماً يصف المؤمنين بالوصف الجماعي، نحن عندما نصلي نقول وأنا أصلي بمفردي، بمفردي سأقول إياك أعبد وإياك أستعين، اهدني الصراط المستقيم، هذا هو الطبيعي، عندما أصلي في جماعة مفهوم، ولكن عندما أصلي بمفردي لا،، حتى وأنا أصلي بمفردي أقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وأقول اهْدِنَا أدعو لنفسي ولكل المؤمنين، وأنا في التشهد أقول ” السلام علينا – وعلى من – وعلى عباد الله الصالحين ” من البشر والملائكة كلهم، كل هؤلاء داخلين في دائرة اهتمامي ودائرة حبي واهتمامي، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وقلنا تواصوا هذه عظيمة جدّاً في الإسلام، لا يوجد في الإسلام طبقية، لا يوجد أناس فوق وأناس تحت، لا يوجد رجال دين، كل الناس تتواصى، لا يوجد طبقات في المجتمع الإيماني، كلنا شيء طبقة واحد، كلنا نتواصى، كلنا نحتاج الوصية، بماذا نتواصى؟ الحق – التزامه ومعرفته – والصبر – الثبات عليه إلى أن يتوفى الله سبحانه وتعالى العبد – .
فبعد هذا بدأوا يضعوا الصوامع بجوار بعض، لماذا؟ للأنس، فهل نحن نريد أن نتعبّد أم نريد الأنس؟
قلنا أن طبيعة الإنسان هكذا الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده يملّ ويتضايق ويقلق – فهو جالس في الصحراء بمفرده – .
فبدأت الصوامع بجوار بعض، ثم عملوا لها سور، وسمّي الدير، وبعدما عملنا هذا الوضع، بدأ يتم تنظيم الرهبنة، يعمل له نظام، فالراهب يكون مسئول عن مجموعة من الرهبان، لدرجة أنها وصلت في نهاية القرن الرابع أن الراهب يكون مسئول عن خمسة آلاف شخص والراهب الكبير مسئول عن عشرة آلاف شخص فأصبح قيادي وله أتباع،.
الرهبنة عمل فردي للتقرب إلى الله، ما الذي حولها لهذا؟ إذاً مع الوقت الانحراف يزيد، يقولوا: كان يجتمع في عيد الفصح في أوائل القرن الرابع خمسين ألف من الرهبان.
ما الذي أخرجهم للناس في العيد، وخرجوا – شلّة – خمسين ألف شخص؟! عددهم في القرن الرابع مثل عدد سكّان مصر كلها.
إذاً هي تحوّلت الآن من عمل عبادي إلى عمل تنظيمي وسياسي، وبدأوا يسيرون في الشوارع ويخطفون الأطفال الصغيرة، لماذا يخطفون الأطفال؟ لكي يربّوا الأطفال الصغيرة على الرهبانية، أليست الرهبنة هذه هي الدين الصحيح،.
يخطفون الولد من أمه هكذا، تكون الأم جالسة ومعها طفلها فيخطفوه ويجرون به؟! وهم كُثر وأقوياء فلا تستطيع الحكومة أن تفعل معهم شيئاً.
فالمسألة بدأت تتفاقم وتتعاظم، أصبح لهذا التنظيم الرهبني، أصبح له قيادة دينية وأصبح له وجود سياسي، في أواخر الدولة الرومانية، وعندما سقطت الدولة الرومانية، أصبح هناك دولة تسمى ” دولة البابا ” .
إذاً ممكن للدين مع الانحراف عن فهم الدين الصحيح يتحول بعد ذلك لعمل دنيوي أو لكيان سياسي، وأصبح البابا له دوران؛ له سلطة روحية، وله – شيء سمّونه – سلطة زمنية.
ما معنى سلطة زمنيّة؟ يعني قيادة دنيوية، البابا أصبح يمثّل الأب الروحي لكل النصارى في كل مكان، والحاكم لنصف إيطاليا.
إذاً هذا الانحراف يؤدي في النهاية أنه يصل إلى السلطات، وما تأثير هذا الكلام على المجتمع؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
الآن إلى أين وصلنا، أنه أولا: كنا نفعل شيء نفّر بها بالدين وهذا كان شيء محمود لهؤلاء الناس وربنا أثنى عليه في صورة الكهف على هذا النموذج، وبعد ذلك تحوّل مع الوقت لصورة من صور الرهبنة والاعتزال ليست موجودة في الدين، وهذه أثّرت بالسلب على المجتمع، نتيجة للاعتزال ونتيجة لوجود النموذج الذي لا يمكن محاكاته، وبعد ذلك مع الوقت، أي صورة فيها انحراف لابد أن خط الانحراف بتاعها يزداد مع الوقت، مثلما قلنا، فهي تحوّلت مع الوقت فأصبحت نموذج من نماذج السلطة أو السيطرة والصراع بين الملوك وبين الباباوات، واستغلوا مثلما قلنا انهيار الدولة الرومانية.
لأن البابا هذا كان معه فلوس – فلوس الأوقاف – لأن الناس كانت توقف أوقاف على الكنيسة، هذه الأوقاف في يد من؟ في يد البابا وهو الذي يديرها، فعندما سقطت الدولة الرومانية، أصبحت أوربا عبارة عن اقطاعيات يحكمها من؟ يحكمها النبلاء، النبلاء هؤلاء: هم أناس معهم قطع أراضي وكل منهم يمتلك مجموعة عبيد، والبابا أكثر شخص يمتلك قطعة أراضي نتيجة للأوقاف الذي جمعها فأصبح هو أكبر نبيل من نبلاء إيطاليا، وظلّ هذا الأمر مستمرّ لفترة طويلة.
فالآن أصبح لهم وجود سياسي، فالمؤرخينالأوروبيين، يقولون أنه كان يحكم حكماً علمانيّاً، لأنه يحكم الناس، فبماذا يحكمهم؟ فأصبح الأب الروحي هذا جانب، وهو عندما يحكم كحاكم، فهو يحكم مثل أي أمير لكي يستطيع أن يدير الأمور، وهذا هو الذي سيفسّر ما قلناه قبل ذلك من تقنين الدعارة، فالمجتمع به مشاكل، وهو يريد أن يديره، فسيخرج مراسيم دينية تجعل هذه الأشياء الفاسدة هذه أشياء مقبولة، وبعد ذلك ظلّت الأمور هكذا فترة طويلة، إلى أن أتوا الفرنسيون؛ جاء نابليون غزا إيطاليا فأسقط دولة البابا، وبعد ذلك رجعت مرة أخرى في 1814 فعندما أسقط نابليون دولة البابا؛ بدأ من آثار الثورة الفرنسيّة تحدث أمور، الثورة الفرنسية بماذا جاءت؟ جاءت بموقف ضد الملك وضد الكنيسة – اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس – أي أننا لا نريد هؤلاء ولا هؤلاء، الفكر الذي وضعته الثورة الفرنسية بدأ يعمل ضد الدين – الذي هو دين الكنيسة – بعد خروج الفرنسيين من إيطاليا رجع مرة أخرى سلطان البابا وبدأ يحكم بالأسلوب القديم – يسمونه رجعيّ – حكم حوالي 40 سنة كان جيروجري 16، وبعدما ذهب جاء بابا آخر يعمل إصلاحات ليبرالية، البابا نفسه يعمل إصلاحات لبرالية، وبعد ذلك قامت ثورة في إيطاليا، وتم توحيد إيطاليا، وتحوّلت دولة البابا إلى الفاتيكان فقط، وهي الإمارة الصغيرة التي داخل روما – هي مدينة – فيها القصر الرسولي، وهذه دولة مستقلّة، دولة للكنيسة هي عبارة عن مدينة. فما الذي نستفيده من هذا.
أولاً: لماذا نقول كل هذا الكلام؟ لأننا نقول بأننا مهددون بأن نتّبع سنن هؤلاء السابقين، فلابد أن نفهم كيف سارت الأمور معهم، وكيف تحافظ على الدين نقيّاً لا يصيبه التحريف، لابد أن ندرك، ما الانحرافات التي وقعت عند الآخرين، طالما أننا نهددون بأن نسلك سبيلهم، وبالتالي نفهم، أوروبا حينما أخذت موقف سلبي من الدين، لماذا أخذته؟ بناءً على تاريخ حدث، وأسباب منطقيّة لهذه المواقف، تجبّر ونفوذ سياسي قوي، تحريف في الدين، سيطرة على أملاك، صكوك غفران، محاربة للاكتشافات العلمية، صراع مع الملوك، لابد أن يؤدي هذا في النهاية إلى هذه الصورة.
هل نحن المسلمون سنأخذ نفس موقف أوروبا من الدين؟ فلماذا؟ هل نحن عندنا نفس مشاكلهم أو نفس سلبياتهم في الدين لكي نقول أن الدين سبب في الفساد والتخلف ومنافي ومناهض للعلم، فهم هذا منطقي بالنسبة لهم، أما لنا نحن؟؟ هل هي منطقيّة فعلاً أم لا؟
لابد أن نكون مدركين الذي حدث لماذا حدث، لكي نعلم كيف نتعامل معه.
النقطة الأخيرة: دولة البابا عندما سقطت، هل هي سقطت في اللحظة التي سقطت فيها أم أنها سقطت قبلها؟ وهذه آخر نقطة نتكلم عنها وهذه غاية في الأهمّية.
بماذا تعيش اليوم – اليوم -؟ بأفكار كانت نشأت أمس وتفاعلت أمس، أدت إلى أنها تحوّلت إلى واقع اليوم، وبالتالي ماذا ستعيش غداً؟ لن تعيش واقع اليوم، ستعيش الأفكار التي تتحرك اليوم، نحن مجتمعاتنا إذا أردت أن تعرف هي غداً ستذهب إلى الأفضل أم إلى الأسوأ، كيف ستعرف؟ يمكنك أن تعرف، الاتّجاه الفكري والأخلاقي والتوجّهات التي تسود المجتمع سائرة في أي اتّجاه، وبالتالي جيل الشباب الصغير اليوم عندما يكون هو الجيل الحاكم غداً، والمسيطر على المجتمع ماذا سيكون شكل المجتمع؟ وبالتالي أنت إذا أردت غداً أفضل لابد أن تفعل شيء اليوم، غداً هذا لا يأتي بمفرده، نحن نريد أن ننام ونستيقظ نجد غداً أفضل، بناءً على ماذا؟ لابد من أشياء تحدث اليوم لكي يكون غداً أفضل، فالذي يريد أن يعيش غداً أفضل، أو يريد أن جيل أبناؤه يعيش حياة أفضل، فلابد أن يبني اليوم شيء لكي يكون غداً أفضل.
فإذا كنّا نعيش اليوم أمور سلبية، فنحن أمس لم نكن صالحين،، أمس لم نكن صالحين، ولأجل هذا نحن اليوم هكذا.
لا يوجد شيء ينشأ من فراغ، إذا أردت أن يكون الغد صالحاً اليوم أبدأ فأكون صالحاً، لا يوجد شيء يأتي بشكل عشوائي هكذا.
فالكنيسة حينما سقط سلطانها، نتيجة لطريق طويل من الفساد كان سائراً، وأشياء تتراكم، مارتن لوثر في 1517 عندما أخرج البروتسطنطية لماذا أخرجها، بغضّ النظر أن لها خلفيّات يهودية، لكن هو في النهاية عمل على أن هناك سلبيات في الكنيسة في الفكر وفي الممارسة والسلوك، فخرج مذهب جديد، يقول أننا لابد أن نرجع لليهودية والعهد القديم، وأن الكنيسة حرّفت وأفسدت، فهو علام عمل؟ عمل على أمور موجودة، إذا لم يكن عندنا نقائص وسلبيات موجودة، لا يمكن أن يغزونا أحد أو أن أحداً يستطيع أن يقضي علينا وسنفردها إن شاء الله بالذكر، كيف أن الحضارات تقوم وتقع، تومبي كان يقول: أن الحضارات لا تقتل قتلاً وإنما تنتحر انتحاراً، ما معنى هذا؟ وهذه إن شاء الله سنتكلم عليها مرة باستقلال.
يريد أن يقول – انتحار – أي أنها هي التي قتلت نفسها، ليس أحد من الخارج قتلني، فأمتنا إذا وصلت إلى هذا المستوى من الانهيار فلن يكون بفعل خارجي، فهي عوامل بداخلنا لابد أن نتخلّص منها وأن نتحرر من أسرها إذا كنّا فعلاً نريد أن نعيش غداً بشكل أفضل، ولابد أن نتذكّر دائماً قول ربنا سبحانه وتعالى وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ الانهيارات ولحظات الانكسار ليست هي نهاية الحياة، هذه سنّة ربنا في الأمم عموماً ترتفع وتنزل، تحيا وتموت، وقابلة لإعادة البعث مرة أخرى اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ولذلك مهم جدّاً أنك لا تفقد الثقة فيما أعطاه لك الله، ليس هو الذي فيه المشكلة، الدين ليس فيه مشكلة، الذي نحن فيه الآن ليس له علاقة بالإسلام، له علاقة بتخلّينا عن الإسلام، بتنازلنا عن الإسلام أو بازدرائنا واحتكارنا للإسلام أو بجهلنا له، نحن لا نعرفه فعلاً، نحن لا نعرفه، نحن لو مدركين نعمة الإسلام وقيمة نعمة ربنا بالإسلام لم يكن هذا حالنا.
نحن لابد أن نستعيد هذا مرة أخرى، إذا أردنا أن نعيش غداً حياة أفضل من اليوم
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم كن لنا ولاتكن علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا
اللهم تقبّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وامحوا خطيئتنا، وثبّت قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم