إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد …
كنا في الأسبوع الماضي مع شعرة بيضاء، كنا نتحدث عن النذر التي يرسلها الله تبارك وتعالى إلى عباده وعن تأهّب الإنسان للقاء ربه تبارك وتعالى وعن هذه الحقيقة التي نغفل جميعاً عنها، مع يقيننا الجازم وثقتنا التامة أننا مردودون إلى ربنا تبارك وتعالى يوماً من الدهر، وأنه سبحانه وتعالى يسائل عباده عن النقير وعن القطمير وأن لن تزول قدم عبد؛ أي عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه، كل هذه الكلمات ليست بالجديدة على مسامعنا، نحن جميعاً على علمٍ وعلى يقينٍ بذلك، لكن الممارسة والحياة والسلوك ربما تتباين تباين كبير جدّاً مع ما نعتقد أو مع ما نؤمن به، وهذه هي الفجوة التي نحاول – لن أقوم نسدّها – لكن نحاول نضيّقها، فتأتي هذه الشعرة البيضاء لتذكّر الإنسان بما مضى من عمره لكي يحدث خيراً فيما يتبقّى له من وقتٍ ومن عمر.
واليوم نتحدث عن شعرة أخرى، هي أيضاً شعرةٌ بيضاء، ولكنها شعرةٌ نشأت في استقامة وفي طاعة، كم لها من قدرٍ وكم لها من وزن.
الشعرة دلالة على قدرٍ قد مضى من عمر الإنسان، كنّا في الخطبة الماضية عن عمرٍ يمضي أكثره في غفلة، يمضي أكثره في إعراض عما ينبغي أن ينشغل به الإنسان وأما هذه الشعرة فلها شأن آخر، هي شعرةٌ لشخص أدرك حقيقة ومغزى هذه الحياة فهو يسعى جهده في أن يرضي ربه تبارك وتعالى وفي أن يمضي عمره فيما ينفعه في آخرته لكي يكون ممن قال الله تبارك وتعالى فيهم فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ علام بنى هذا؟ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ بس، فهو يعلن فرحه وسروره بفضل الله عليه وبما في هذه الصحيفة من أعمالٍ ترضي ربه تبارك وتعالى، علام بناها؟ شيء واحد فقط أنه كان في باله وذهنه وفي وقته وفي حياته أنه سوف يلقى ربه تبارك وتعالى إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ولذلك نحن ختمنا الخطبة الماضية، وقلناها قبل هذا أكثر من مرّة أن ربنا سبحانه وتعالى آخر ما خاطبنا وآخر ما أوصانا وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ آخر آية ذكرت في كتاب الله تبارك وتعالى، يستختم هذا المنهاج العظيم وهذه الوصايا الكبرى وهذا الروح وهذا النور الإلهي، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا هذا هو الذي به الحياة مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يعطي لهذه الشعرة البيضاء ما تستحقّه من قدرٍ فيقول صلى الله عليه وسلم: ” لا تنتفوا الشيب ما من مسلم يشيب شيبةً في الإسلام إلا كانت له نوراً يوم القيامة وكتبت له بها حسنة، وحطّت عنه بها خطيئة ” لاتنزع هذا، لماذا؟ لأن هذا له ترجمة؛ ” يشيب شيبة في الإسلام ” تاريخ من الاستسلام والطاعة لله تبارك وتعالى له قدره وله قيمته وله وزنه عند رب العالمين تبارك وتعالى ” إلا كانت له نوراً يوم القيامة وكتبت له بها حسنة وحطّت عنه بها خطيئة ” ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ” إن من إجلال الله تعالى ” من علامات تعظيم الإنسان لله ” إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط ” .
يقول صلى الله عليه وسلم ” إن من إجلال الله ” من تعظيم الإنسان لله إكرام هؤلاء المذكورين، فكان أولهم إكرام ذي الشيبة المسلم، لأن هذا من تعظيم الإيمان، من تعظيم الإسلام، وبالتالي من تعظيم الرب تبارك وتعالى، قال الله سبحانه وتعالى تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ما معنى ذي الجلال؟ وما معنى ذي الإكرام؟
هاتين الكلمتين، كلمة تصعد إلى السماء وكلمة تنزل من السماء تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ المستحق سبحانه لكل تعظيم وتقديس وإكبار، إذاً هذا شيء سيصعد من تحت إلى فوق، تعامل العبد المؤمن يتعامل به مع الله، تعامل الإجلال، وفي مقابل الإجلال الذي يصعد من الأرض إلى السماء؛ يكون الإكرام؛ الإحسان والمنّ من الله سبحانه وتعالى لهذا العبد الذي يعامل ربّه بالإجلال، هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ قال تعالى هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.
ما معنى هو أهل التقوى وأهل المغفرة؛ نفس المعنى، هو سبحانه وتعالى أهل لأن يتّقى، أن يعظّم سبحانه وتعالى، أن تتقى مساخطه وهو أهلٌ سبحانه وتعالى بأن يجازي أهل التقوى بالمغفرة وبالرحمة.
فهو صلى الله عليه وسلم يقول ” إن من إجلال الله إكرام ” ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ” إن من إجلال الله ” من تعظيم الله أن يعامل هؤلاء بالإكرام، فلماذا؟ إكراماً للإسلام وللإيمان، التاريخ في طاعة الله.إذاً هذه الشعرة التي تعكس تاريخاً لها عند الله سبحانه وتعالى التقدير.
ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً في حديث ابن عباس؛ يقول: ” البركة مع أكابركم ” ونحن تكلّمنا قبل هذا عن قوله صلى الله عليه وسلم ” إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ” فنحن نتكلّم الآن عن تاريخ في الإسلام أو تاريخ في الإيمان وتقدير المولى سبحانه وتعالى لهذا التاريخ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن محلّ البركة هم هؤلاء الأكابر، ولكن ما معنى الأكابر، هي ليست قضيّة سنّ فقط، لا؛ لابد أن يكون هذا السن، سنٌّ في خير، وحينئذٍ يكون هو محلّ البركة.
هؤلاء الأكابر الذين هم محلّ البركة، إذاً نحن كلّما ندنو منهم كلما نستقي منهم، كلما نقترب منهم، كلما ننال من البركة، وبذلك تتزن وتعتدل الموازين.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم، وذوي أسنانهم، فإذا جاءهم العلم من صغارهم وسفهائهم هلكوا.
وقال عمر رضي الله عنه قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم؛ إذا جاء الفقه من جهة الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من جهة الكبير تابعه الصغير فاهتديا.
إذاً أي أمة من الأمم فيها كبار، وهؤلاء الكبار هم الكبار بحق، وهناك صغار، فمن المفترض لكي تعتدل الدنيا وتتزن، ماذا يحدث؟ أن يكون الكبار الذين هم الكبار هم مصدر التوجيه، وأن يكون الصغار بالنسبة للكبار في مقام التعلّم والانتفاع والاستقاء، فهكذا يكون هو الشكل الطبيعي.
حتى إذا رحل هؤلاء الكبار تحوّل هؤلاء الصغار الذين صاروا كباراً بهذه البركة وبهذه الاستفادة وبهذا العلم؛ صاروا كبار، فهكذا يكون الموضوع يمشي بشكل طبيعي.
فسيدنا عمر يقول أنه يعرف متى تصلح أحوال الناس ومتى تفسد، فقال متى؟ إذا جاء الفقه – التوجيه – من قبل الصغير، هل الكبير سيسمع كلامه؟ لا، لماذا؟ لأنه يراه صغيراً، وبما أنه يراه صغيراً سيستنكف أن يتابعه، ولذلك سيدنا عمر قال ” استعصى عليه ” أي أنه حتى لو يرى أن لديه قدر من النظر، سيكون هناك قدر من الممانعة، فيستعصي أي يتحرك أو يتجاوب بصعوبة.
أما إذا جاء من الصورة العكسية، إذا جاء من الكبير، سيكون الطبيعي أن يتابعه الصغير، فاهتديا، ولذلك سيدنا ابن مسعود ماذا يقول؟ قال: لا يزال الناس بخير إذا كان العلم فيمن؟ في العلماء والكبراء وذوي الأسنان.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قصّة عبدالله بن سهل رضي الله عنه، عبدالله بن سهل ومحيصة بن مسعود؛ رضي الله عنهما، رجلين من الأنصار خرجا إلى خيبر – هم كانوا في ضائقة ماليّة – فذهبوا إلى خيبر ليشتروا شيئاً ويبيعوها، فيكسبوا أي مكسب.
فلما ذهبا إلى خيبر تفرّقا، فكل شخص ذهب إلى مكان لكي يجدوا أي مكسب، ثم أخبر محيصة أن عبدالله بن سهل قتل، – اثنان من الأصدقاء سائرين معاً وكل منهم ذهب إلى مكان، فقالوا له أن صديقه قتل، فذهب فرأى الرجل مقتول وملقى في بئر فقال لليهود: أنتم قتلتموه، قالوا: لا والله ما قتلناه – لا يوجد غيرهم، خيبر كلها ليس فيها إلا اليهود – فعاد إلى قومهما ثم أتيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من الذي أتى عبدالله توفي فجاء أخوه عبدالرحمن ومحيصة بن مسعود وحويصة – أخوه – فأراد محيصة أن يتكلم – هو الوحيد الذي كان هناك – هذا الرجل هو الذي شهد الواقعة والحادثة، فهو أتى بأخيه معه وأتى بابن عمه – عبدالرحمن – أخو عبد الله الذي قتل.
لكي يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر، فأراد محيصة أن يتكلّم، فالنبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال له؟ قال: ” كبّر، كبّر ” ما معنى كبّر؟ ليس الصلاة، لا، أي اجعل الكبير يتكلم، أي أن أخوه هو الذي يتكلم
أخوه هذا لم يشهد الموضوع ولا يعرف، فيقول الراوي فتكلّم حويصة ثم تكلّم محيصة – لأنه لابد أن يتكلم – ففي النهاية هو الذي سيحكي الموضوع لأنه الوحيد الذي شهد الواقعة، فبما أنه هو الذي يعلم الموضوع، فلماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟ إذاً هو يريد أن يلفت صلى الله عليه وسلم طالما يوجد أخ أكبر موجود إذاً هو الذي يبدأ الكلام، فهم الآن أتوا في موضوع خطير، شخص قتل ولا يعلمون من الذي قتله – وموضوع كبير – هل في هذا الوضع الجلل، الوضع يستدعي أن أنبّه على هذا الأمر الذي يبدو صغيراً، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يبيّن أن هناك آداب معيّنة لابد أن تلتزم، يوجد أسلوب لابد أن نتعامل على أساسه حتى لو كان الشخص الذي سيتكلم هو مجرّد سيمهّد فقط – أنه حدث كذا وأخي سيحكي فيبدأ في الحكاية – .
إذاً النبي صلى الله عليه وسلم علام يريد أن ينبّه؟ أن هناك أشياء معيّنة نحن من المفترض أن نعمل على أساسها ونبني عليها، ولذلك ذكرنا قبل هذا – أظن في خطبة كاملة – الكلام عن قوله صلى الله عليه وسلم ” إن من أشراط الساعة ” عندما يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أشراط الساعة هذه علامة على انقلاب الموازين واختلال المعايير، ” إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ” قلنا ما معنى يلتمس؟ أي يسعى ويجتهد في طلبه، إذاً الناس يبحثون عن العلم، فلماذا يبحث الناس عن العلم؟ لأن هذا العلم هو الذي سيبصّر الناس بالحقائق، أنت إزاء أي موقف أو أي مشكلة أو أي حدث كيف ستتصرف؟ كيف يدير الإنسان أموره؟ كيف يتعامل بشكل صحيح مع أي شيء يواجهه في الحياة؟ لابد من العلم، قال تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا هو في النهاية الخلافة التي أرادها ربنا سبحانه وتعالى لهذا المخلوق، إنما بناها على العلم، فكيف سيسير؟ هذه الخلافة أنه سيقوم بدور ربنا سبحانه وتعالى وجّهه إليه وحدده له، هو لا يعلم.
العلم نحن محتاجون إليه، ونبحث عنه أين نلتمسه؟ عند الأصاغر، لماذا يكون هذا من أشراط الساعة؟ لأن هذا سيترتّب عليه أخطار، ما هي هذه الأخطار؟
ربنا سبحانه وتعالى من أسمائه أنه الكبير سبحانه وتعالى فكل ام ينسب إليه سبحانه وتعالى هو كبير، فالدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى دينٌ كبير، والرسول الذي أرسله الله سبحانه وتعالى رجلٌ كبير، والقرآن الذي أوحى الله تبارك وتعالى إليه به قرآنٌ كبير، فلأجل استيعاب هذا الكبير لابد أن يستوعبه شخصٌ كبير، فإذا كان هذا الشخص صغير.
كيف يكون صغيرا؟ إما فكراً أو نفساً، أي أن الشخص لكي يستوعب الدين لابد أن تكون عقليته من السعة بحيث أنها تستوعب هذا الأمر الكبير الجلل هذا أمر.
الأمر الثاني أن نفسية الإنسان تتسع لاستيعاب هذا الدين، قال الله تبارك وتعالى أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ما معنى أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ أي أنه يتّسع لاستقبال الإسلام ولاستقبال الإيمان ولاستقبال هذا النور الإلهي فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ لأن الإسلام واسع لكي يستطيع أن يستقبله وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ إذاً نحن نتكلم عن شيء واسع وشيء كبير، ولابد لكي نحسن التعامل معه أن نكون على هذا القدر أو أن يكون هؤلاء الذين يتلقّونه والذين نلتمس منهم العلم على هذا القدر، فإذا لم يكن فالتمس العلم عند الأصاغر ضاقت علينا الأرض بما رحبت، نفسيّة وإدراك وسلوك وتفكير وعمل وممارسة وحل للمشاكل، وكل شيء، وقلنا أن التماس العلم عند الأصاغر، كلمة الأصاغر هذه لا تطلق إلا إذا وجد الأكابر، لأنه إذا لم يوجد غيرهم فلن تكون مقارنة، طالما عند الأصاغر إذاً في المقابل الأكابر موجودون، فالأكابر موجودون فلماذا يُعرض عنهم، إذاً نحن معاييرنا اختلت ولا نستطيع أن نميّز بين الكبير والصغير أو أن الصغير يلمع أكثر من الكبير.
ما المعايير؟ إذا كنت لا أعرف في حقائق المعادن يصبح كل ما يلمع ذهباً، ستكون هكذا، أنا ليس عندي معيار، فيكون اذي يستطيع أن يتكلم أفضل، أو الذي أوتي جدلاً هذا هو معيار أنه من الأكابر أو أنه لديه العلم أو الفهم أو الدراية، وحينئذٍ تفسد أمور الناس، ولذلك نحن ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم ” إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء ” أبداً لا يكون، ” وإنما يقبض العلم بقبض العلماء ” فهم كانوا موجودون، فلماذا لم يتعلم الناس منهم؟ لأنهم انشغلوا عنهم بالأصاغر حتى إذا لم يبقي عالماً اتّخذ الناس رؤساء جهّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ فضّلوا وأضلّوا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
إذاً ما نريد أن نقول أن هناك معايير وموازين يجب أن تتوافر هذه المعايير موجودة بشكل واضح في الدين، النبي صلى الله عليه وسلم بيّنها بشكل جليّ واضح، وبيّن لنا ما ينبغي علينا أن نسلكه، وما ينبغي علينا أن نحذره.
يقول عليّ رضي الله عنه: إذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخرّ من السماء أحب إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” يأتي قومٌ حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرّمية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ” يخبر صلى الله عليه وسلم عن أناس يأتون أو نشءٍ ينشأ ما صفاتهم؟ يقول يأتي في آخر الزمان قومٌ ” حدثاء الأسنان ” ثم قال ” سفهاء الأحلام ” حداثة السن هذه ماذا تعكس؟
ما أخطر شيء في هذا الحديث؟ الذي نحن غالباً غالباً لا نلتفت إليها بل ربما تماماً، هنا النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم
كل من يتكلمون يتكلمون عن العقائد يقولون هؤلاء هم الخوارج والخوارج عقائدهم كذا، وكانوا يكفّرون بالكبيرة، وخرجوا على علي بن أبي طالب…إلخ، كل هذا جميل ولكن ليس هذا هو الموضوع.
النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحدث هنا في ذكر الخوارج، لم يذكر معتقدات ولا أفكار، ذكر صفات، النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن أفكار، يتكلم عن خصائص وصفات وأسلوب في التعامل مع الأمور، هو هنا ماذا قال؟
أول شيء ذكر السن الصغير، هذا السن الصغير مذموم بنفسه؟ وما المقصود به؟ يعني ما الفرق بين حدثاء الأسنان وكبار السن؟ أن الفرق الأساس وجود الخبرة ووجود التجربة، أن الإنسان عبر حياته يستفيد خبرات عبر التجارب التي يخوضها، ولكن متى يستفيد عندما يتعلّم من التجارب، يستفيد من الفشل لكي يدنو إلى النجاح، فإن لم يكن هكذا، سيبقى صغيراً، إذاً النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم على مظنّة، أن الكبير مظنّة الخبرة والفهم والإدراك والدراية وأنه لا يتعامل مع الأمور بنزق أو بطيش هذا أول أمر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن السن، هذا السن من المفترض أن يعكس أشياء.إذاً هذه الأوصاف معتبرة أم غير معتبرة؟
الأمر الآخر ” سفهاء الأحلام ” لأنه من الممكن أن يكون شخص سنّه صغير لكن مثلما قلنا أن الصغير يتعلّم من الكبير، فهو يحاول أن يرتقي أو يكتسب من الخبرات، وإلا فلماذا ذكر لنا ربنا القصص في القرآن؟ لأن هذه القصص هي ما نبني عليها وعي وفهم التاريخ والاستفادة من تجارب الآخرين نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ لماذا أحسن القصص؟ فما الفرق بين قصص كتاب الله وبين أي شيء آخر نقرأه؟ ما الفرق بين قصّة سيدنا إبراهيم وبين أبو زيد الهلالي، أو شفيقة ومتولي؟ لابد أن يكون هناك فرق فهي ليست مجرّد قصّة، هذه قصص تذكر لأن بها العبرة والعظة التي من المفترض أن الإنسان يبني عليها رؤيته، ويستفيد من تجارب الآخرين، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ويال عظمة ما قال، قال: السعيد، السعيد من وعظ بغيره. أن تجارب الآخرين تكون عظة بالنسبة له فلا يقع في أخطائهم.
ولذلك ابن عباس كان يقول: كان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شبّاناً، بمن كان يسترشد؟ كان يسترشد بآراء القرّاء، من هم القراء؟ هم أهل القرآن، لماذا؟ لأن أهل القرآن هذه تساوي أهل المعرفة والفهم، ليس مثل زماننا، فعندنا من الممكن أن ينفصل حفظ القرآن عن الدراية والإدراك، من الممكن أن أكون حافظ أكثر من وجه أيضاً ليس فقط حافظاً للقرآن، لكن في النهاية أنا لا أعي ما أقرأ، لأنني لم أقم بالحق الذي عليّ في التدبّر أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
فابن عباس يقول أن القراء كانوا أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه كهولاً كانوا أو شبّاناً، فما المعيار لديه، القرآن وفهمه واستيعابه، ولذلك علا نصّ النبي صلى الله عليه وسلم هنا قال ” يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ” هو هنا فقط – الحنجرة – أي أنه لا يرسخ في القلوب ولا تعيه ولا تعقله، ولذلك قرن ما بين حداثة السن بسفاهة الأحلام أي أنهم أناس طائشين ليس لديهم أي قدر من الحكمة، لكن في نفس الوقت يقولون من خير قول البرية، يعني الكلام الذي يقولوه من أحسن ما أنت سامع.
إذاً الكلام بحد ذاته والتنظير بحد ذاته ليس معيار للصلاح والفساد، لأن الإنسان ربنا يقول وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا هذا كلام وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وفي المقابل وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
إذاً هنا النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن سنّ حديث، عقل سفيه، كلام حسن يقال، ثم قال ” يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ” وقال في حديث أبي سعيد، يخرج من ضئضئ هذا لذو الخويصرة التميمي ” قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، صيامكم إلى صيامهم، قراءتكم إلى قراءتهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فتنظر في نصله فلا تجد فيه شيء، ثم تنظر في رصافه فلا تجد فيه شيء، ثم تنظر في نضيّه فلا تجد فيه شيء، ثم تنظر في قذذه فلا تجد فيه شيء، قد سبق الفرث الدم ” ما معنى هذا الكلام؟ بماذا يشبههم النبي صلى الله عليه وسلم؟ بسهم
رجل صيّاد سيصطاد غزال أو ما أشبه، فهذا السهم لقربه وقوّته انطلق فدخل في هذا الحيوان المرمي وخرج من الناحية الأخرى، ولم يتعلّق بالسهم شيء، فمن المفترض أنه سيصيب شيء من اللحم أو من الدم أو من الشحم فيظهر أثره عليه، فالسهم مثلما دخل مثلما خرج، فهو يشبّه مروقهم من الإسلام يعني سرعة دخولهم ثم خروجهم منه بمروق السهم من الرميّة فتنظر في النصل: الحديد الذي في بدايته التي تضرب بها لايوجد بها شيء، تنظر في الرصاف: الجزء الواصلة بين النصل وبين السهم نفسه، لا يوجد فيه شيء، تنظر في النضي: وهو جسم السهم، لا تجد فيه شيء، تنظر في القذذ: وهي الريش الذي في نهايته، لا تجد شيء!
مامعنى هذا؟ أنهم ما أسرع ما دخلوا ثم خرجوا، ولم يتعلّقوا منه بشيء وفي نفس الوقت هم يخرقوا بنيان الإسلام كما يخرق السهم الرميّة.
إذاً هذه الصفات النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينبّه بها على شيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال أن هؤلاء الناس سيخرجون في آخر الزمان، مع أنهم خرجوا في زمان الصحابة، فلماذا قال النبي أنهم سيخرجوا في آخر الزمان، مع أن خروجهم مبكّر جدّاً؟
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم ينشأ نشءٌ يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما ظهر قرنٌ قطع، حتى يخرج في عراضهم الدجال، أي يستمرّ وجودهم إلى أن يظهر المسيح الدجّال متوالية؛ من هذا الزمان متوالية؛ تنشأ
وكلمة ينشأ نشأ؛ مثلما قلنا: الصغر، ولكن ليس الصغر فقط، هؤلاء إنما طعنوا على الصحابة وكفّروا عليّاً وعثمان وطلحة والزبير الذي شهد لهم ربنا سبحانه وتعالى بأنهم من أهل الجنّة، وجعل هؤلاء في محلّ الرضا وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ إذا كان هؤلاء الناس بهذا المستوى وربنا نفسه شهد لهم وأنت لم تعتد بهم أو اعتبرتهم، فمن أين ستتخذ مرجعيّات؟ من الذي سنتابعه؟ من الذي سنطيعه؟ وإذا كان هؤلاء الناس لم يعجبهم الصحابة بل لم يعجبهم شخص النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، أول شخص ظهر – ذو الخويصرة التميمي – ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وهو يقسم مالاً – يقسم غنائم – فأعطى قوماً من المؤلفة قلوبهم، أعطى لهم أموال كثيرة لكي يحببهم في الإسلام، فجاء له هذا الرجل فماذا قال له؟ قال: اتقِ الله يا محمد، ومن المفترض أن هذا رجل مسلم، ومن يحدّث؟ هو يكلّم النبي صلى الله عليه وسلم شخصيّا؟ وحتى أنه لم يقل يا رسول الله لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا لا يجوز أن تقول يا محمد، أصلا لايجوز.
وهو لا يقول يا محمد أعطني؛ لا، اتقِ الله!!!!! فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ألست بأولى الناس أن أتقي الله لقد خبت وخسرت إن لم أعدل، ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، فإذا كان هناك شخص – ومن المفترض أنه مسلم وفي زمان النبوة – يرى أنه من الممكن أن يعدّل أو يخطّأ سيدنا رسول الله نفسهولذلك هذا النموذج لن يقدّر أحد أو يُكبّر أحد ولن يعجبه أحد، فما خطورة ذلك؟
تشويه صورة الدين نفسه، وبعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال شيء آخر قال ” يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ” الموازين مختلّة، فمن الأقرب لأن نرحمه المسلم أم غير المسلم؟ المسلم، فما يفعلون هم؟ يجعلون حدّهم على أهل الإسلام.
الآن ما المطلوب؟ أي لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام؟ وكيف سنستفيد من هذا الكلام؟ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صفات، هذه الصفات لابد أن نستفيد منها شيئاً.
أننا من الفترض أن نضبط معاييرنا، وأن القضية هنا هي قضية نفسية، وقضيّة خلقية، أي الدين، لكي ينشأ دين صحيح، فنحن نعاني في مجتمعنا – المدرك لهذا الكلام وغير المدرك، المنتبه وغير المنتبه – اختلال في كل شيء، ومن أكبر عناصر الخلل عدم وجود مرجعيّات يثق فيها الناس، سواءً المجتمع العام أو الشباب الذي يسمي نفسه شباب متديّن أو ملتزم، ما هي المشكلة؟ وكيف يكون لها مخرج؟ كيف يكون لها حل؟ إذا لم يوجد شخص ثقة يرجع له الناس لن تحل المشاكل، ما معنى التديّن؟
التديّن في البداية في البداية هو صورة من صور التهذيب للنفس، لأننا نتكلم عن هؤلاء الناس، هؤلاء الناس دخلوا وخرجوا بسرعة فلماذا؟ لماذا؟ لأن حقائق الإيمان لم تستقرّ بداخلهم وجعلوا الدين كلمات تقال ” يقولون من خير قول البرية ” ولكنّ هذا ليس ديناً.
مما يتكون الدين؟ أول شيء إقامة الإنسان علاقة مع الله سبحانه وتعالى الإيمان والإخبات والخشوغ والإنابة لله، تهذيب الإنسان لنفسه، تهذيب الإنسان لأخلاقه وعلاج آفات النفس، الإنسان يبدأ بنفسه، فإذا وجد من نفسه شيء من الصلاح وشيء من الرقّة، وشيء من التجاوب مع الإيمان أراد أن ينقل الخير للآخرين، وأن يوجّههم لهذا الخير، وأن يأخذهم إلى حيث انتفع وإلى حيث استفاد، وإلى حيث سعد، هذا هو الطبيعي، فإذا لم يكن هذا؟
تختل الأمور، نحن للأسف كثير من الناس نظرت للدين – المواطن العادي نعرف برنامجه – كثير من الناس نظرت للدين على أنه مجموعة أحكام يحكم بها على الناس ويقيّمهم على أساسها، وفي نفس الوقت تضخّم النموذج السياسي للدين، وهذا لابد أن يعالج، وهذا جزء من المشكلة، هذا جزء من المشكلة
من أين سنبدأ؟ يعني تاريخ النبوة الطويل بدأ من اقرأ واستمرّ 23 سنة حتى وصل لنضج صورة الإسلام وتجاوب الناس معها، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا هل تستطيع أن تختذل هذا، هل تستطيع أن تمرر 60 في المائة وتبدأ من بعده مثلاً.
هل التوبة نزلت أولاً أم العلق؟ هل كانت تنزل التوبة لو لم تنزل العلق؟ الترام يبدأ من فكتوريا ويذهب لمحطة الرمل، فلن يصلح أن يبدأ من الإبراهيمية أو من كامبشيزار، لا يمكن.
الصحابة بدأوا من فكتوريا والتحق بهم أناس آخرون في المحطات، هذا مفهوم، لكي يصل إلى النهاية، لكن لن يصلح أن يبدأ من بعد المنتصف مثلاً، ويكون هذا ديناً؟! لن يصلح ولن يكون، أين البداية؟ أول كلمة أنزلت اقرأ، ونحن لا نريد أن نقرأ، وبالتالي كيف ستحلّ المشاكل؟ ولن نستطيع أن نتجاهل الدين، وهذه آخر نقطة.
الدين، أناس كثيرون يرون أن الدين يحدث مشاكل، أيّاً كان الدين، وأن كثير من المشاكل التي حدثت وكثير من أسباب الاقتتال في العالم، وكثير من أسباب سفك الدماء، وجاء في الحديث هنا، أليس به قتل هنا؟
هذا القتل إلام يرجع؟ لرؤية دينية خطأ، هذه صورة من صور الدين، فلنتجاهله ونلغيه نهائياً ونجعل الدنيا تسير هكذا!
هل هذا من الممكن أن يكون؟ هل يكون أن الإنسان يتجاهل الدين؟ هل يمكن الإنسان يعيش بدون دين؟
فأنت ستتجاهل الدين، فهل الآخرون سيفعلون هذا؟ الآن نحن عندنا مثلاً قضية فلسطين؛ قضية فلسطين مما تتكون؟ هذه قضية دينية!، هذه قضية دينية، اليهود أقاموا دولة دينية، دولة توراتية، هي مبنية على هذا، أن هذه في النهاية أرض المعاد، فهذه هكذا.
وفي كل حته بيجن في كامب ديفيد كان يتكلم هكذا، شامين في أوسلو كان يتكلم هذاك، نتنياهو يتكلم هكذا.
ما هي الحروب الصليبية؟ هي هكذا أيضاً، حرب دينية، إذاً العلاج لا تستطيع أن تلغيه ربنا يقول وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ لماذا؟ هل لأسباب دنيوية، ربنا يقول لا حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ إذاً الحل ليس إلغاؤه وإنما تصحيحه وتصويبه، بيان الصورة الصحيحة، ما النموذج الصحيح لعلاج الأمور؟ ما الذي قدّمه ربنا سبحانه وتعالى للعباد لكي يحيوا الحياة الطيّبة الصالحة، لكي تحلّ المشاكل وتعالج، ولكن لابد أن يكون هناك عمق في النظرة.
كيف سنتعامل مع المشاكل؟ ونأخذ كلمات النبوة على محمل الجدّ، نفكّر فيها كويّس ونتدبّرها ونتأملها كويس.
أنا أعرف أن كثير من الناس ربما يرى أن هذا الكلام ليس له لازمة أو ليس له معنى، لكن ربما هذه الحقائق ربما تتضح.
الآن يوجد مشكلة في اليمن، ما مشكلة اليمن؟ في النهاية هي مشكلة دينية سيكون لها امتداد سياسي كيف ستعالجها، والمفترض أن هؤلاء طوائف من المسلمين ينتسبوا إلى الإسلام عموماً، عندما يحدث اختلاف بين طوائف تنتسب للإسلام ماذا نفعل؟ ماذا قال ربنا؟ ماذا قال في القرآن؟ فماذا لو حلّينا حلول أخرى غير الموجودة في القرآن، هل ستحل؟ ستزداد الأمور تعقيداً، خاصةً الآن، الآن لا يسيطر أحد على شيء، لا يوجد من يمسك الخيوط ويحرك، فالأمور سائرة هكذا، وماذا بعد يا جماعة؟ لابد من مخرج!لابد أن نقف! على الأقل نقلل مستوى الخسائر الذي يزيد طول الوقت، لابد أن نفكّر على مستوى يليق بالإسلام، على مستوى يليق بأمة الإسلام، ولو ليس عندنا يقين بأن ربنا سبحانه وتعالى حينما قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قد أكمل الدين فعلاً، ووضع فيه كل ما نحتاج إليه، إذا لم يكن لدينا ثقة في إن ربنا سبحانه وتعالى أنزل لنا الحق المبين فعلاً، وأننا إذا استهدينا بهدى الله تبارك وتعالى ننجح ونفلح في الدنيا والآخرة، وأنه لا سعادة حقيقةً في الدنيا ولا نجاة في الآخرة إلا بالتزام نور الله، فنحن محتاجون إلى أن نراجع الإيمان، فإذا كنّا نؤمن بهذا نظريّاً ونعيش حياة أخرى واقعيّاً، فأيضاً هناك مشكلة.
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك