Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

قل هو نبأ عظيم

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا …

ثم أما بعد ،،،

فمع قول الله سبحانه وتعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وعن شيءٍ من العطاء والعمق والاتّساع الذي تعطيه هذه الكلمة، كلمة الحفظ، فهو سبحانه وتعالى يخبر أنه قد أنزل على عباده ذكره، وإنه سبحانه وتعالى الكفيل والضمين بأن يحفظ على عباده هذا الذكر.

فما معنى كونه ذكر؟ لماذا عبّر الله سبحانه وتعالى عن وحيه بأنه ذكرٌ؟ قال تعالى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ وقال فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ۝ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ وقال وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ

لقد ذكرنا قبل مراراً أن معرفة الله تعالى، والتوّجه إليه فطرةٌ مستقرّةٌ في نفوس العباد، وإنما يأتي الرسل، لكي يذكّروا العباد بهذه الفطرة التي انطوت عليها نفوسهم واستكنّت في أفئدتهم، هذا هو الدور الرئيس والأساس للرسالة وللمرسلين؛ هم لا يخبروننا بأمر جديد وإنما يذكّروننا بما قد نسينا من عهود ربنا تبارك وتعالى، فالذكر هو الذي يذكّر العباد بربهم سبحانه وتعالى ويجعلهم ذاكرين له مراقبين له مدركين لعظمته واضطّلاعه عليهم ورقابته سبحانه وتعالى هذه وظيفة الذكر.

فإذا حقق العباد الذكر استحقّوا أن يحصل لهم في هذه الدنيا الذكر، وفي الآخرة النعمة والفضل والرضوان والجنّة لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ما معنى فيه ذكركم؟ المكان والمكانة والشرف والرفعة، علو القدر، وعلو الشأن، إنما يتوقّف ذلك على الذكر، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ فالله سبحانه وتعالى أنزل ذكره لكي يذكر ولكي يشكر سبحانه وتعالى، ثم تكفّل سبحانه بأن يحفظ علينا هذا الذكر، وذكرنا أن ذكره تعالى هو ما يتحقق به للعباد أن يذكروه، ويقيموا أمره وهو يشمل كل الوحي الذي أوحاه الله تبارك وتعالى إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم، سواءً كان قرآناً أو كان تفسيراً لهذا القرآن عبر أقواله وأفعاله وتقريراته، وحركاته وسكناته صلى الله عليه وسلم، وقد أسلفنا الكلام في هذا، وذكرنا قوله تبارك وتعالى وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فالذكر أنزل عليه صلى الله عليه وسلم لكي يبيّن ما نزّل وهو القرآن، إذاً دائرة الذكر، بل المنصوص هاهنا أن الذكر هو ما يفسّر، وما يوضّح وما يبيّن معاني كلام الله سبحانه وتعالى، قال تعالى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى۝ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى إذاً الذكر إنما حفظه الله تبارك وتعالى فلماذا؟ لأن عدل ربنا سبحانه وتعالى يقتضي أن تكون الفرص التي تعطى للأجيال من حيث الاضطلاع أو المعرفة أو الإدراك فرص متساوية، وإلا لا يستوي الذين أدركوا الرسالة ممن لم يدرك، إذا وقع عليها شيء من التحريف، أو التبديل أو التغيير، فكيف يتمّ هذا، هذا هو السؤال، كيف يحفظ الله سبحانه وتعالى ذكره، هل هو بفعل سماوي محض ليس للعباد فيه دخلٌ أو فعل، أم بأن ربنا سبحانه وتعالى يهيّئ ويوظّف ويسخّر من عباده من يقوم بهذا الحفظ، هذا هو السؤال، فعظمة نعمة ربنا سبحانه وتعالى علينا بهذا الدين أنه سبحانه وتعالى جعله أمانة ائتمنّا عليها لنقوم بواجبها وحقّها فيشكرنا سبحانه وتعالى على ذلك ثواباً وأجراً في الدنيا والآخرة، ولذلك إنما تحقق هذا الحفظ بوساطة الحفظة الأمناء، وهذا هو من المفترض الذي نحن واقفون عنده.

نحن نريد أن نقول كيف تمّ هذا الحفظ؟ ما آليّاته، ما تاريخه؟ ما تطوّره، ما المنهج الذي سار به؟ فسنجد أن العلماء يتكلّموا عن منهجيّة، أو أسلوب أو طريقة تمّ بها حفظ هذا الوحي الذي هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالكلام ليس عن القرآن وإنما عن تفسير وتطبيق القرآن، وذكرنا قبل ذلك أكثر من مرّة، أن هشام بن عامر رحمه الله حينما سأل عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم فماذا قالت له؟ قالت: أتقرأ القرآن؟ – أنت حافظ قرآن – قال: نعم، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو القرآن، إذاً النموذج التطبيقي للأخلاق القرآنية متمثّل فيه صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يوجد هذا؟ أو اعتراه ما يعتريه، فكيف سنفهم القرآن؟ إنما هو التفسير والتأويل والتطبيق والضبط لهذه المعاني القرآنية العظيمة، ولكن قبل هذه النقطة، يوجد قبلها نقطة غاية في الأهمّية، لأن العلماء غالباً حينما يتكلمون عن دور هؤلاء الأئمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم في حفظ هذه الكنوز النبوية، يتكلمون عن قواعد وضعوها وعن جهد بذلوه، نحن نريد قبل هذا نتكلّم عن مصدريّة هذا الجهد، ما هو؟ أي أن هذه القواعد أو هذا الجهد الذي بذلوه هل هو مبني على اجتهاد محض وصرف ربنا وفّقهم له لأنهم كانوا حريصين على حفظ الدين لنا أم أن هذا مستند إلى أمر في الوحي نفسه أيضاً؟ لا

ربنا سبحانه وتعالى هو الذي أنشأ وصنع هذه القواعد، وهم تربّوا عليها وتعلّموها من خلال القرآن ومن خلال تعليمه صلى الله عليه وسلم، فلما احتاجوا إلى أن يقوموا بالحفظ استدعوا الأصول التي تربّوا عليها، هذا ليس شيء خارج القرآن، هذا ليس شيئاً أنشأوه بالعقل أو بالاجتهاد خارج إطار القرآن وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ فأين يوجد هذا في القرآن؟ هنا ستنشأ المشكلة، لأننا لكي نجيب عن هذا السؤال نحتاج إلى قدر من التعمّق في فهم وإدراك ومعرفة القرآن يتيح لنا بأن نجيب عن هذا السؤال وهذه هي النقطة الصعبة، لأننا في الحقيقة، لم نولي القرآن من العناية أو الاهتمام، أو التلمذة الحقيقية التي تجعلنا نفهم أو نستخرج أو نستنبط هذه القواعد، ولذلك إذا عاد الشخص إلى القرآن، حينئذٍ فعلاً يستشعر أن الأسلوب الذي اتّبعه في قراءة القرآن لم يسعفه حينما احتاجه فنحن لنا نمط معيّن آليّة في إدارة العلاقة مع القرآن، للأسف هي تقف بنا عند حدود معيّنة لا نستطيع أن نتجاوزها، ولذلك نحن عنونّا الخطبة بقول الله سبحانه وتعالى قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ثم أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ فالقرآن شكّل بناء.

نحن لدينا شيء اسمه منهج، ما معنى منهج؟ أسلوب لإدارة أي شيء، نحن لدينا في العلم يوجد شيء اسمه منهج علمي، فما الفرق بين شخص لديه علم وشخص لديه معلومات، فكلنا لدينا قدر من المعلومات التي نسمّيها ثقافة، لدينا معلومات، لكن ما الفرق بين هذا وشخص لديه علم، علم هذا أي لديه منهجيّة، ينتمي إلى مدرسة وأصول علميّة، ليس معلومات، ولذلك النسق العلمي الذي يسير عليه يستطيع أن يفعّله ويستخرج منه قواعد وأسس يستطيع أن يسير بها في الحياة، أما الذي لديه معلومات، نعم عنده معلومة في جزئية معيّنة، أما خارجها لا يعرف، لا يستطيع أن يقيس أو يفعّل أو ينقل واقف.

وكل شيء له منهج، فالرياضيات لها منهج، الفزياء لها منهج، الكمياء لها منهج، التاريخ له منهج، علم النفس له منهج، الاقتصاد له منهج، الاجتماع له منهج، فبشكل عام هكذا، يوجد منهج للعلوم الشرعية التي نسمّيه القانون الإسلامي، يوجد منهج للتاريخ، يوجد منهج للعلوم الإنسانية، يوجد منهج للعلوم التجريبية، هل القرآن بعيد عن هذه الأشياء أم قريب؟ هل أصولها موجودة في القرآن أم غير موجودة؟ هل إذا رجعنا إليه يسعفنا أم لا؟ كيف سنجيب؟ لكي نجيب لابد أن يكون لدينا قدر من المعرفة بهذه الأشياء أصلاً، وما وصل إليه عقل الإنسان فيها، وقدر من المعرفة العميقة بالقرآن، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى دائماً بماذا يأمر؟ بالتدبّر ليس القراءة، وقلنا التدبّر أن الإنسان يبذل جهده فيصل إلى دبر الشيء، ما معنى دبر الشيء؟ آخره، أي آخر ما يمنّ الله سبحانه وتعالى عليه به من معاني، فهل القرآن ينضب، معانيه تنتهي؟ فهذا كلام الله لا ينتهي، ما فيه من علم لن ينتهي، لكنني كلما أبذل جهد كلما يمنّ عليّ ربنا أكثر، ولذلك نحن أحياناً كثيرة نقرأ ربما ندرك شيء، ثم نقرأ مرة أخرى نفس الآيات ندرك منها معاني أو نحس منها بأحاسيس لم نستشعرها قبل، وأحياناً تتباين بتباين الحالة النفسية – أنا في حالة معيّنة – في جو معيّن، عندي أزمة معيّنة، عندما أقرأ فالآيات التي أحتاجها الآن هي تبرز لي، على فكرة أنا لا آتي بها، هي التي تخرج لي، وفي موقف آخر، أو في حالة نفسيّة أخرى، أقرأ فتخرج لي آيات غير الآيات الأولى، هي التي تخرج لي أنا لا أذهب إليها أصلاً، أنا أبحث عنها، فربنا سبحانه وتعالى يبرزه لي لأنني محتاج إليه، وأحياناً الإنسان يقرأ ويغفل، ولذلك سيدنا أبوبكر رضي الله عنه حينما صعد على المنبر، وقرأ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ سيدنا عمر وقع على الأرض، وقال أنه كأنه لم يسمعها إلا حينها، هي كانت معه وكان يحفظها، ولكنه في هذا الموقف لهول الموقف ذهبت ولم تحضر، فلما حضرت في الموقف كأنها الآن أنزلت، كأنها لم تنزل إلا الآن وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا القول الفصل فيما نحن فيه، ما هو، سيدنا عمر يقول، لا هو ذهب ليقابل ربه مثل سيدنا موسى وراجع، وحالة اضطّراب، ولذلك لا تدرك مكانة سيدنا أبوبكر رضي الله عنه إلا في هذه المواقف، فأنت حينما تراه، ترى أن أناس مثل سيدنا عمر أو خالد بن الوليد رضي الله عنه وعليّ بن أبي طالب، من الممكن أن تشعر أنهم أكثر بلاءً في خدمة الإسلام أو كانوا أكثر كفاءة في إقامته، أما سيدنا أبوبكر فتشعر – نعم هو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم – لكن رجل طيّب، هو في النهاية رجل طيّب، لكنّ هذه المواقف، هي التي تقول أين الفرق، يوجد سبق فعلاً لكن أين هو؟ في هذه المواقف، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قدّر أن يبقى بعد حبيبه صلى الله عليه وسلم سنتان وخمسة أشهر، لأن هناك أشياء لن يستطيع أن ينتهي منها وينفذها غيره، فإن لم يكن أبوبكر موجود، لم يكن سيدنا عمر أن يفعل شيئاً، فهو سلّمها له بعد أن مرّ بالمرحلة الحرجة وسلّمها له لكي يكمل، ولكي يؤسس، إن لم يكن اجتاز هذه المرحلة لم يقدروا على اجتيازها، لأن كثير من هذه المواقف كان يقف فيها بمفرده، بمفرده، الناس كلها تسير في اتّجاه وهو يسير في اتّجاه آخر، لأن عنده أصول معيّنة يسير عليها، هم يكلّموه في قضيّة أسامة بن زيد رضي الله عنه، وأنه لا يصح أن يخرجوا لقتال الروم الآن، والجزيرة كلها ارتدّت، السياسة تقول هذا، ولذلك الصحابة كانوا متّفقين على هذا، كلهم على هذا ويقولون له لا يصح، فهو بمفرده، هل كانت شيئاً عشوائياً ليست مبنيّة على شيء؟ هو يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم أكّد في وصيّته على هذا البعث – أنا معرفش – وبما أنه أكّد عليه لابد من امتثال الأمر، وحفظ الوصيّة؛ قال: أنفذوا بعث أسامة، قالها مراراً، أنا لا أعلم ما تقولون، هو لابد أن يخرج لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يخرج، وقال إذا لم يخرج غيري أنا فسأخرج بمفردي، فعندما فعل هم أدركوا بعد ذلك أن الذي فعله هذا هو ما الذي ترتّب عليه؟؟؟

قلنا أنهم عندما خرجوا من المدينة إلى الشام، أول شيء لم يجدوا قتال ولا شيء، فالروم ذهبوا، ونزلوا في مكان وأظهروا قوّتهم، كل القبائل التي على هذا الطريق رضخت وآبت، لماذا؟ قالوا: هذه الناس مستحيل أن تخرج هذا الجيش في هذا الوقت إلا وعندهم قدر كبير جدّاً من المنعة، وعندهم جيوش في المدينة لا يعرفوا إلى أين يذهبون بهم، فأكيد ليس من المنطق أن نواجههم، هل هذا كان موجود؟ لم يكن موجود، فهل كان يمشي بشكل عشوائي، – أو طرطور وما نسميه دروشه – لا هو بنى على منطق أقوى وأعمق وأسد، وأكثر إيماناً ويقيناً، ولذلك ظهرت بركته، بعدما ساروا على دربه وطريقه.

فإذاً كيف ندرك هذه الأصول، وقبل أن نصل لهذا لابد أن ندرك عظمة هذه النعمة، سأقرأ الآن مقطعين الأول لأستاذ رياضيات في الجامعة في أمريكا أسلم فهو يحكي أول مرة قابل القرآن، لابد تأتي من بعيد لأن أحياناً الأمر عندما يكون في أيدينا مع التقادم لا نشعر بقيمتها، فهو يتكلم عن قراءة القرآن، فيقول أن طالب عنده أهدى له مصحف مترجم، فوضعه لديه على الرف عادي، وهو رجل مثقّف يحب القراءة وكان قد شعر بالملل، فأمسك هذا الكتاب ليقرأ فيه بدافع الفضول الطبيعي وتسلية لتمضية الوقت، كأنه سيقرأ ميكي، تنتان… أي شيء، سيقرأ.

هو سيسير بهذا الأسلوب، فهل القرآن سمح له بهذا؟ هل القرآن سمح له أن يسير بهذه المنهجية أم لا؟ هو في هذا الوقت كان ملحداً، يعني كانت أصوله نصرانية، ثم ألحد منذ سنوات، فهو يقول: ” لا تستطيع أن تقرأ القرآن إلا إذا كنت جادّاً في قراءته ” لا تقدر، لا تقدر على قراءته بدون هذه الروح، هو لن يسمح لك بهذا، يقول: ” إما أن تستسلم له، وإما أن تدافعه ” أمامك اختيار من اثنين؛ إما قوّته وسلطانه وحجّته أنت ستجد نفسك لا تستطيع أن تقاوم فستستسلم له مباشرةً، أو ستحاول أن تتعارك، تدافعه، – لا الكلام ده مش صح، لا الكلام ده مش مظبوط، لا أنا عندي وجهة نظر تانية – ستظهر حالة من الصراع.

يقول ” وجدت أن القرآن يهاجمك بعناد وبشكل مباشر وشخصي ” هو يستهدفك أنت، أي شخص يقرأ فالقرآن يستهدف شخصه، فلن يستطيع أن يقل أنه يكلّم شخص آخر، لن يستطيع أن يخرج من دائرة هذا التأثير القرآني، يقول ” ويناقشك وينتقضك ويضع العار عليك ” لأن سلوكي وتصرفاتي اللا أخلاقية ربنا سبحانه وتعالى يبرز في خلال هذه الآيات مقدار التشوّهات التي عليها سواء فكريّاً أو نفسيّاً، فإذا كنت لا أفكّر أو سائر في الحياة بدون منطق محدد أو أتّبع الهوى، أو أتّبع الآباء والأجداد، ما موقف القرآن من هذه المسالك، سيشعرني بأنني ليس إنساناً

يقول ” من البداية يبدأ معك المعركة ” هو بدأ يقرأ، يقول ” وقد كنت معه في الجانب الآخر، لقد كنت في الجانب الضعيف ” سلطان القرآن بدأ يغلب وهو ينزل، يقول ” فالمؤلّف يعرفني أكثر من نفسي ” كاتب هذا الكلام يعرف عني وعن نفسيتي وعن طبيعتي وعن تركيبي وعن أفكاري والوساوس التي تعتريني أكثر بكثير من معلوماتي أنا عن شخصي، يقول ” قد يستيع الرسّام جعل عيني شخص ما في بورتريه تبدو وكأنها تنظر إليك أينما ذهبت ” مثل الموناليزا، كما يزعمون، يقول ” لكن من ذا الذي يستطيع كتابة نص ثابت ” مكتوب من زمان ” يتابع أفكارك، ويرد على تساؤلاتك اليومية أيّاً كانت ” من المفترض أن هذا نزل من زمان، أو هو بهذا الاعتبار مكتوب من زمان، فهذا الذي كتب من زمان أينضب؟ يقول ” القرآن الكريم دائماً سيبق ما أفكّر فيه، يزيل حواجز وضعتها أمامه منذ سنين طويلة، ويجيبني عن أسئلتي، كنت كل ليلة أضع أسئلة واعتراضات ” يجلس يفكّر، بعدما يقرأ يضع أسئلة جديدة أو إشكالات جديدة، ” وفي اليوم التالي أجد فيه الإجابة عليها، ظهر لي أن المؤلّف كان يقرأ أفكاري ويضع الإجابة عنها في الأسطر التالية التي سأقرأها، لقد وجدت نفسي خلال صفحات القرآن الكريم، وكنت مرتعباً لما أراه ” يعني يقول أنه كان تائهاً ووجد نفسه، شعر بالوجل الشديد، ” وجدتني مدفوعاً لزاية لا أستطيع فيها إلا خياراً واحداً ” – يعني حطّه في الكورنر – ثم سئل كيف يألف قراءة القرآن أو سماعه بالعربية وهي لغة غريبة تماماً بالنسبة له، هو ليس عربياً ويقرأ قرآن بالعربي وهو لا يفهم، ويسمع قرآن بالعربي وهو لا يفهم، فهم يقولوا أنك لا تفهم ما يقرأ هذا، أو ما تسمعه، فما جدوى ما تفعله، فهو يقول إجابته، يقول ” ولماذا يرتاح الرضيع لصوت أمه رغم أنه لا يفهم هذا الصوت، إن القرآن يعطيني الراحة والقوة في الأوقات الصعبة “

ترجمة غريبة!، لماذا شبّهه بالرضيع الذي يسمع صوت أمه، هو يريد أن يقول أن الكلام ليس مميّز بالنسبة له، فهو لا يعرف هذه الكلمات التي تقولها هذه ما معناها، ولكن هذا الصوت له تأثير داخل هذه الأعماق، هذا ما نريد أن نقول، أن هذا أمر موجود بداخلي، هذه صورة شخص أول مرة يقابل القرآن، فكيف قابله؟

أولاً: قابله باللامبالاة، ثم قابله بالعدائية، والنتيجة؟ فلماذا لا نصل نحن إلى هذا؟ هل نحن لا نتعامل معه بالجدّية التي يقتضيها.

الجزئية الأخيرة سنزيد الكلام عليها قليلاً، وهي أن شخصاً لا يفهم العربية لكنّ القرآن له سلطان على قلبه؛ سيّد قطب في الظلال يحكي قصّة وقعت له، فيقول بين يدي القصة، يقول: ” إن الأداء القرآني يمتاز ويتميّز من الأداء البشري أن له سلطاناً عجيباً على القلوب ليس للأداء البشري، حتى ليبلغ أحياناً أن يؤثّر بتلاوته المجرّدة على الذين لا يعرفون من العربية حرفاً، وهناك حوادث عجيبة لا يمكن تفسيرها بغير هذه الذي نقول، وإن لم تكن هذه القاعدة ” أي أن هناك أناس لا تتأثر ” ولكن وقوعها يحتاج إلى تفسير وتعليل ” يقول ” ولن أذكر نماذج مما وقع لغيري ولكني أذكر حادثاً وقع لي وكان عليه معي شهودٌ ستة، وذلك من حوالي خمسة عشر عاماً ” هذا الكلام، هذه الحادثة حدثت سنة 48، يقول ” كنت مع ستة نفر من المنتسبين للإسلام على ظهر سفينة مصرية تتوجه إلى نيويورك من بين عشرين ومائة راكب وراكبة أجانب ليس فيهم مسلم ” هم 120 منهم ستة أو سبعة مسلمين، يقول ” وخطر لنا أن نقيم صلاة الجمعة، في المحيط على ظهر السفينة، والله يعلم ما كان بنا أن نقيم الصلاة ذاتها أكثر مما كان بنا حماسة دينيّة إزاء مبشّر كان يزاول عمله على ظهر السفينة وحاول أن يزاول تبشيره معنا ” يعني هم كانوا طبيعي مسلمين عاديين..، لكن بداخل نفس المسلم شيء من العاطفة والانتماء للإسلام، لكن هو من الممكن أن يكون شعور دفين، بعيد جدّاً في الأعماق متراكم عليه أشياء كثيرة، لكن أحياناً تظهر أشياء تظهره، فهم عادي، فمن الممكن أن تجد منهم من يصلي ومن لا يصلي، لكن حينما ظهر هذا المنصّر على المركب – قفلت معاهم، طب احنا غلاسة هنصلي الجمعة – ولذلك نحن قلنا قبل ذلك، أن ربما ربنا سبحانه وتعالى حينما يريد أن يعيد القيمة والعظمة والمكانة لنوره ولدينه يظهر أناساً ينتقصونه وينتقضونه، لماذا؟ لكي يظهر وجهه العظيم، تظهر قيمته، يعني ربما تجد شخص لديه قدر من العلم وله أبحاث، لكنه مغمور، أو أن الناس لا تلتفت إليه، فيبدأ شخص يهاجمه، أن هذا أصلاً دجّال أو لا يفهم، بسبب أي خصومة، فلما يظهر هذا الكلام، وتبدأ الناس تبحث فيخرج من علمه ومن أبحاثه ومن دراساته ما ربما قد طمرته الأيام، وغمره هذا الركام، ولذلك قال تعالى وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فقالوا فماذا نفعل؟ سنصلي الجمعة.

يقول ” وقد يسّر لنا قائد السفينة وكان إنجليزيّاً أن نقيم صلاتنا وسمح لبحّارة السفينة وطهاتها – الطبّاخين – والخدم وكلهم نوبيّون مسلمون أن يصلي منهم معنا من لا يكون في الخدمة وقت الصلاة، وقد فرحوا بهذا فرحاً شديداً، إذ كانت المرة الأولى التي تقام فيها صلاة الجمعة على ظهر السفينة، وقمت بخطبة الجمعة وإمامة الصلاة، والركاب الأجانب معظمهم متحلّقون يرقبون صلاتنا ” باعتبار أن هذا أمر غريب، فهذا منظر غير مفهوم، فالناس، وهذا طبيعي مثل أن ترى حادثة على البحر فتجد إسكندرية كلها واقفة تتفرج، فالناس تحب أن تشاهد المنظر غريب الشكل.

يقول ” وبعد الصلاة جاءنا كثير منهم يهنّئوننا على نجاح القدّاس، فقد كان هذا أقصى ما يفهمونه من صلاتنا ” انتبه: نجاح القدّاس، كأنها حفلة كنّا نقيمها فنجحنا في الحفلة، ليس عملاً إيماني أو بناء وجداني أو روحي؛ لا، نحن نظّمنا حفلة دينية، فالحفلة نجحت، وقطعاً هؤلاء الناس لا يعنيها الموضوع، يقول ” ولكن سيّدة من هذا الحشد، عرفنا فيما بعد أنها يوغزلافية مسيحيّة هاربة من جحيم تيت وشيوعيّته، كانت شديدة التأثّر والانفعال تفيض عيناها بالدمع ولا تتمالك مشاعرها، جاءت تشدّ على أيدينا بحرارة، وتقول في إنجليزية ضعيفة، إنها لا تملك نفسها من التأثر العميق بصلاتنا هذه وما فيها من خشوعٍ ونظامٍ وروح ” فما الفرق بين هذه المرأة وبين بقيّة الناس الذين قالوا إن هذا القدّاس قدّاس ممتاز، أن هذه تتعامل مع الموضوع على أنه دين فعلاً، بغض النظر عن انتماءها هي الديني وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ۝ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فهي لأنها متديّنة بالفعل، فهي تنظر إلى هذا على أنه عمل ديني، فهي تجاوبت معه روحيّاً، فهي تأثّرت به فعلاً، أما الآخرين فهو شكل المجاملة العادية.

يقول ” وليس ذلك موضع الشاهد من القصة، ولكن ذلك كان في قولها، أي لغة هذه التي كان يتحدّث بها قسيسكم؟ ” يقول ” المسكينة لا تتصور أن يقيم الصلاة إلا قسيس أو رجل دين، كما هو الحال عندها في مسيحيّة الكنيسة ” لم يقل في مسيحيّة المسيح ” في مسيحيّة الكنيسة، وقد صححنا لها هذا الفهم، وأجبناها فقالت ” وهذا من عظيم نعمة ربنا علينا ” وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ” أنت من الممكن أن تصلي في أي موقع، ليس لازماً كنيسة، أو بيعة من البيع، لا. والصلاة من الممكن أن يصلّيها أي أحد، طالما يعرف أن يصلي، من صحّت صلاته لنفسه صحّت صلاته لغيره، قال صلى الله عليه وسلم ” فإذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكثركم قرآناً ” أي شخص ممكن يصلي، ليس لازماً أن يكون شخص معه شارة أو أخذ إكليروس معيّن، أو متخرج من مدرسة لاهوتية، لكن الشخص أحياناً لا يشعر بالنعم لأنه لا يهتمّ بها، قالت ” إن اللغة التي يتحدّث بها ذات إيقاع موسيقي عجيب ” هذه اللغة العربية عموماً ” وإن كنت لم أفهم منها حرفاً، ثم كانت المفاجأة الحقيقية لنا وهي تقول، ولكن هذا ليس الموضوع الذي أريد أن أسأل عنه، إن الموضوع الذي لفت حسّي هو أن الإمام كانت ترد في أثناء كلامه بهذه اللغة الموسيقية فقرات من نوع آخر غير بقيّة كلامه، نوع اكثر موسيقيّة وأعمق إيقاعاً، هذه الفقرات الخاصة كانت تحدث فيّ – هكذا تقول – رعشة وقشعريرة، إنها شيءٌ آخر، كما لو كان الإمام مملوءاً من الروح القدس ” يقول ” حسب تعبيرها المستمدّ من المسيحية ” وإن كان ليس بعيداً.

نحن قلنا في الخطبتين الفائتتين، ” إن روح القدس مع حسّان ما نافح عن الله ورسوله ” قال تعالى قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ هذا طبيعي أن يكون هذا موجوداً، فهي لم تخطئ التعبير.

 ” وتفكّرنا قليلاً ثم أدركنا أنها تعني الآيات القرآنية التي وردت في أثناء الخطبة وفي أثناء الصلاة، وكانت مع ذلك مفاجأة تدعو إلى الدهشة، من سيدة لا تفهم مما نقول شيئاً، فإنها ذات دلالة على أن في هذا القرآن سرّاً آخر، تلتقطه بعض القلوب لمجرّد تلاوته، وقد يكون إيمان هذه السيّدة بدينها وفرارها من الجحيم الشيوعي في بلادها قد أرهف حسّها بكلام الله على هذا النحو العجيب، ولكن ما بالنا نعجب، وعشرات الألوف ممن يستمعون إلى القرآن من عوام المسلمين لا يطرق عقولهم منه شيء – لا يفهمون شيئاً – ولكن يطرق قلوبهم إيقاعه وسرّه هذا، وهم لا يفترقون كثيراً من ناحية فهم لغة القرآن عن هذه السيّدة اليوغزلافية “

وإذاً، ماذا نريد أن نقول؟ أن أصل كل شيء، ومرد كل شيء، وسبب العظمة والرفعة التي نالها المؤمنون، حينما كانوا مؤمنين حقّاً، إنما كانت من هذا القرآن، ولم تعدو قط هذا القرآن، لكننا لا نشعر بقيمته، لأننا لم نتعامل معه مثلما أمر ربنا، ولأننا مثلما قلنا ورثنا الكتاب، فما الفرق بين هذا الأمريكي وبيننا، أنه لم يكن من هؤلاء الذين ورثوا الكتاب فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى الحياة الدنيا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ۝ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

وإذاً بقي علينا، ما هي الخطوة القادمة إن شاء الله؟ نريد أن نتلمّس من القرآن ما الأشياء التي بنت هذه المنهجيّة، التي صنعت هؤلاء الناس، التي مكّنتهم أن يضعوا هذه القواعد، وهذه الأسس التي حفظوا بها القرآن، وحفظوا بها السنّة، هذه القواعد موجودة في القرآن، موجودة في تعليم وتربية رسول الله صلى الله عليه وسلم، تربّى عليها الصحابة، تلقّنوها وتلقّفوها من القرآن فهي كانت بداخلهم، استدعوها لما احتاجوها، لم ينشئوها عندما مسّت الحاجة إليها، لا

استدعوها لما احتاجوها، إذاً القرآن يبني الإنسان، نحن قلنا أن الشيء الأساسي في نعمة الإسلام التي امتنّ ربنا علينا بها أنه يصنع الإنسان.

دائماً الناس تفكّر في كيفية صنع نظام، كيف تضع قانون حاكم يضبط الناس، لكن الأهم من هذا والتحدي الأعظم حقيقةً؛ هو في صناعة الإنسان، لأنك لو صنعت قانون ولم تصنع إنسان الإنسان سيحرّف القانون، الإنسان سيتحايل على القانون، الإنسان سيجد مسارات يلتفّ بها حول القانون، ولا يمكن أن تمنعه، لا يمكن.

لكن إذا صنعت إنساناً، وهذا الإنسان امتلأ قلبه بالإيمان هذا الإنسان طواعيةً سيمتثل الأمر الإلهي، لأن امتثاله أساساً ينبع من الداخل وليس من الخارج، ليس من صورة الرقابة والكاميرا، من سلطة الإيمان على القلب، ولكن بعد هذه التربية الإيمانية، لابد كأي مجتمع يكون فيه عدد قليل، وهذا اهو الفرق بين المجتمع المؤمن وغيره، به عدد قليل نفوسهم ملتوية، لا يمتثل للإيمان هذا هو الذي يحتاج لتشريع الإيمان لكي يضبطه، لذلك ذكرنا قبل ذلك قول سيدنا عثمان رضي الله عنه ” إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن ” فالأصل أن الإنسان المؤمن يزعه – أي يردعه – عن مخالفة أمر الله القرآن، أما الناس – الملوحة – ولابد أن يكونوا موجودين، لابد أن يهذّبهم هذا السلطان، لكن أي سلطان؟ السلطان الذي يحكم بنور الله، لأن هذا هو الذي يقيم العدل، وإلا لو استندت لأهواء البشر لا يمكن أن تستقيم، لأن طبيعة الإنسان فيها الإنحراف، والميل، فيها المحاباة لمن يحب، والممالأة لمن يهوى، والمنابذة لمن يعادي، هذه طبيعة الإنسان، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى أمرنا بهذا العدل، وهذا غير موجود غير بالقرآن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ حتى لو كان هذا العدل على رقبتي أنا وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا قال تعالى في المقابل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أناس نحن نكرههم، بيننا وبينهم عداوة عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى هذا لا يوجد إلا في القرآن، لابد في التزام العدل اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ هذا الميزان هو المعيار، الموازين التي نحتكم إليها، أي مجتمع لابد له من موازين يحتكم إليها، ولابد له من قسطاس يقيمه وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ۝ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ هذا ليس موجوداً إلا في القرآن، لا أستطيع إذا كنت مؤمن حقّاً أن احابي على حساب العدل، ولا أظلم على حساب الحق.

فكيف يتمّ هذا؟ هل عبر كلمات نقرأها؟ لا لا، عبر تربية إيمانية، هذه المعاني تتعمّق في القلوب، فهذا هو الجهد الذي بذله النبي صلى الله عليه وسلم، هو لم يأتي لكي يتلوا على الناس قرآن وفقط، لا، هذه هي الفكرة، أنه بذل جهده كله في سبيل غرس هذه المعاني في القلوب، ولذلك هي أثمرت، فإذا كانت مجرّد تلقين؟ لا يأتي بنتيجة، ولذلك السيدة عائشة سُئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان يصلي القيام وهو جالس، قالت: ” نعم، بعدما حطمه الناس ” ، النبي صلى الله عليه وسلم هذا سنّ ليس كبيراً، وقبل أن يتوفى بسنوات، لا يستطيع أن يقف على قدميه وهو يصلي، يصلي واقفاً قليلاً ثم يجلس، وهي تترجم، أن هذا العمر اضربه في أضعافه من الجهد ومن المشقّة، قالت ” بعدما حطمه الناس ” ما معنى حطموه؟ أي كسّروه – دغدغوه – بماذا؟ بأعباء، بأثقال، بهموم وضعوها على كاهله صلى الله عليه وسلم، فتحمّلها طائعاً راضياً، فإذا كان هو مجرّد ملقي مثلنا هكذا، يقول كلمة ثم يمشي، لا يحدث شيئاً لا تؤثّر في الناس، لا تؤثّر، لا يمكن، حطمه الناس هذه، هذه هي التي بنت التي مازلنا إلى الآن نعيش في ظلاله وفي نعمته، هذا هو، وإلا بدون هذا، فلم يكن سيحدث شيء، ولذلك آخر شيء نقوله، كنّا ذكرنا قبل ذلك إن برمانشو عندما كان يقول أن محمد صلى الله عليه وسلم لو كان بيننا الآن لاستطاع أن يحل كل مشاكل العالم ريثما يتناول فنجاناً من القهوة، قلنا أن هذا تخريف، نحن للأسف، نعرض هذا الكلام باعتبار أن هذا شيء جميل ونحن فرحون، لا هذا الكلام خطأ من كل وجه.

أولاً: هذا لم يحدث، وإذا كان هو كرجل مفكّر كبير يظن أن مشاكل العالم ستحل عبر أنني سأأتي بورقة واكتب بها كلمتين، فهو إذاً لا يفهم شيئاً مطلقاً، لا لا

النبي صلى الله عليه وسلم إنما أحدث ما أحدث عبر هذه المعاناة الطويلة والصبر الطويل، ليس كلاماً، لم يأت فوضع حلول، وخطّة خمسية وذهب أي منتجع جلس فيه، هذا الكلام لم يحدث.

الأمر الثاني: لا يصلح أن نجعل كلام شخص كافر بمحمد صلى الله عليه وسلم يزعم أنه كاذب، ونقول ان هذا كلام حسن نستدل به، هذا لا يصلح

هو الآن يقول أن هذا رجل حسن، باعتبار ماذا، باعتباره ذكي أو عبقري أو مصلح، هل هو عرض نفسه هكذا؟ هو يقول أنا رسول الله، قال له كذبت، فبرمنشو في الآخر ماذا يقول؟ يقول: كذبت لست برسول وإنما تتقول على الله لكنك ذكي، فهل هذا كلام حسن نستدل به؟ لا وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ هي قضية العظمة كلها هنا أنه مايَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى لا يأتي بشيء من عنده، هو رسول ربنا سبحانه وتعالى، وأول شيء في تعظيمنا له، أن نصدّقه، وهو مكذّب له.

فما بعد فنجان القهوة برمنشو نفسه ماذا فعل؟ فهو دخل ولم…، لا يوجد جدّية، لا يوجد جدّية في علاج أي مشكلة فعلاً، هو لابد من الرسل أو أتباع الرسل، هم المصلحون الحقيقيون، لماذا؟ لأن ارتباطهم بربنا يدفعهم في هذا الاتّجاه، ويعنيهم مشاكل الناس، يتأثروا بها قال صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” هذا مرتبط بالإيمان، أنا لن أكون إنسان مؤمن إلا إذا أحببت للناس كلها، كل الناس من الخير ومن الرحمة ومن رضوان الله ومن سعادة الدنيا والآخرة ما أحبه لنفسي، فإذا لم أكن هكذا؟ لم يقبلني صلى الله عليه وسلم في عداد المؤمنين، وقال في تتمة ذلك ” لا يؤمن أحدكم حتى اكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ” فهذه مرتبطة بهذه، لأنه عندما يحبّه فعلاً، سيحبّ الناس مثلما كان يحبّهم، سيرثى للغلابة مثلما كان هو يرثى لهم، سيحبّ المساكين مثلما كان يحبّهم، فهذا أثر الحب الطبيعي، فـ ” حتى اكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ” هذه هي التي سترتب ” حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه “

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.

اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.