إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
تحكي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها والحديث رواه البخاري ومسلم رحمهما الله، تحكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: يا عائشة ألم تري أن مجززاً المدلجي دخل على أسامة وزيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذا الأقدام بعضها من بعض.
هذا الحديث يذكره العلماء في أبواب الفقه ويحتجون به في الأخذ بالدلائل التي يحكم بها القائف، القائف: الشخص اللي عنده خبرة أو توسّم أو فراسة يحكم بها بشواهد في مسألة النسب؛ بالنظر في الوجوه وتقاسيمها، وفي الأقدام فيحكم أن هذا ابن هذا، أو هذا قريبٌ لهذا، فاستدلوا بهذا الحديث على إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر شهادة هذا الرجل وقبلها فكان هذا حجّة في هذا الباب.
لكننا نريد أن نتفهم هذا الحدث ونتفهم هذا الحديث فإن وراء هذه الكلمات معانٍ ومعان، عائشة رضي الله عنها تحكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فرحاً مسروراً تقول: مسروراً تبرق أسارير وجهه -يعني عايزة تقول إن هو مش مبسوط بس،، مبسوط جدّاً حتى أن وجهه صلى الله عليه وسلم يتهلل بشراً وفرحاً وسروراً ليه؟ فقال: يا عائشة ألم تري أن مجززاً المدلجي دخل على أسامة وزيد (أسامة بن زيد بن حارثة وأبوه) يعني أسامة وأبوه كانوا نايمين وعليهما قطيفة -حاجة زي الملاية كده- قد غطيا وجوههما وبدت أقدامهما -يعني مش باين مين دول اللي نايمين، مش باين غير رجلين بس، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، -مفيش حاجة عادي يعني- ايه الموجب لهذا الفرح وهذا الاستبشار وهذا السرور من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن هو بمجرد ما رأى ذلك أو علمه دخل على عائشة لينقل لها هذا الخبر الذي سُرّ به فرحاً مسروراً لتسرّ بسروره، ايه ده، في ايه يعني،،،، طيب خلفيات الموضوع:
زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان زيد غلاماً صغيراً أختطف من أبويه وهو صغير وبيع في مكة، فاشتراه قريبٌ لخديجة رضي الله عنها فأهداه لها، فأهدته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان مولىً له يخدمه صلى الله عليه وسلم وأعطقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله حرّاً ومازال أبوه وعمّه من حين ما أختطف منهما يبحثان عنه آناء الليل وأطراف النهار حتى علم أبوه أنّ ولده عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وذلك قبل البعثة فلم يكن صلى الله عليه وسلم قد نُبئ بعد، فأتاه فطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردّه إليه فقال صلى الله عليه وسلم: بل أُخيّره إن شاء أن يمضي معك مضى، وإن شاء أن يبقى معي فما أنا بالذي أختار على من يختارني -يعني مش هقدر أسيبه إذا هو حبّ إن هو يفضل معايا، مقدرش أأمره إن هو يخرج- وربما هو ليس براغب، فجاءه أبوه فكلمه فأبى أن يذهب معه، وقال: لقد رأيت من هذا الرجل -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم -رأيت منه إحساناً فما أنا بالذي أختار عليه أحداً فتعجّب أبوه، قال: يا زيد أترغب في العبودية على الحرية، -يعني بدل ما تلحق بأبوك وعمّك وقبيلتك اللي بتنصرك تبقى مولىً عند هذا الرجل، يعاملك الناس معاملة العبد، لإنه حتى لو أعتق الناس بينظروا له برده إن ده مولى فلان يبقى في النهاية تابعاً- لا يكون بمنزلة الأشراف ولا الأحرار يوماً ما،
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ذلك أخذ بيده فخرج إلى مجتمع قريش فأشهدهم أنه قد جعل زيداً ابناً له صلى الله عليه وسلم فكان زيد بن محمد حتى أبطل الله سبحانه وتعالى هذا التبني، وقال مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا فهو صلى الله عليه وسلم مكافأةً له على أن اختاره على أبيه لم يجد مكافأة يكافئه بها إلا أن يجعل نفسه في مقام أبيه اسماً ونسباً.
ثم تزوج زيدٌ بأم أيمن رضي الله عنها وكانت حبشيّةً سمراء اللون، فرزقه الله منها بأسامة، وكان زيدٌ أبيض شديد البياض، فخرج أسامة أسود شديد السواد، فكان الناس من منافقي أهل المدينة يطعنون في هذا النسب، أن هذا الولد الأسود ليس لهذا الأب الأبيض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسوءه هذا ويحزنه، ويضيق به صدراً ولا يفصح به لساناً، لا يتكلم ولا يظهر حزنه وضيقه لهذا الطعن في هذا النسب الطيّب، ولا ينكر على هؤلاء ولا يحادثهم فيما يشيعون،
ثمّ يأتي مجززاً المدلجي ويأتي هذا الحديث الذي قصصنا فيدخل على أسامة وعلى أبيه وقد غطيا رؤسهما -مش باينين بئه، مش معروف دول مين، عشان ما يتقالش إن فلان بيجامل فلان، هو ميعرفش مين دول، هو مفيش غير رجلين طالعة كده الغطا، والرجلين دول، اتنين رجلين سودا خالص، ورجلين بيضا خالص، فقال: الرجلين ديه تبع الرجلين ديه- (إن هذه الأقدام بعضها من بعض) فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيه فعاد إلى عائشة رضي الله عنها فرحاً مسرواً بما قال هذا المدلجي، قال: يا عائشة ألم تري أن مجززاً المدلجي دخل على أسامة وزيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، ما قلش حاجة أكتر من كده، يبئه عائشة رضي الله عنها مدركة ماذا يريد أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، طيب الجملة ديه اللي قالها المجزز المدلجي؛ ايه أثرها؟ هذه الجملة تقطع قالة السوء، لأن هؤلاء، كان العرب مؤمنهم ومشركهم برّهم وفاجرهم يثقون بحكم القائف الخبير، ويعدّون ذلك شاهداً وحجةً ودليلاً، فهو قولٌ من رجلٍ من أهل الخبرة غير متّهم، يقطع هذه الألسنة التي تطعن في هذا النسب، طيب وبعدين، ايه اللي احنا عايزين نقوله طيّبن الجمل ديه، أو الطعن ده ايه كان وقعه وأثره في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني هل كان الموضوع يستحقّ هذا المستوى من المعاناة ومن هذه المشاعر التي انطوى عليها هذا القلب الشفيف الرحيم الرؤوف، أي قدر من الحبّ ومن البرّ ومن الرحمة ومن الرأفة كان في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه أصحابه حتى أنه صلى الله عليه وسلم ليحزنه أشد الحزن هذه الجمل التي ربما لا يُلتفت إليها، ناس نفوسها سيئة بتطعن، الموضوع ما يستدعيش إن انت تلتفت إليه فضلاً عن إن هو يضع في قلبك هذا القدر من الضيق ومن الحزن الذي تكتمه لشدّة وقعه عليك، فلا تريد أن تفصح به ولا أن تشتكي، هو مكنش بيتكلم، هو بيسمع ده ومكنش بيتكلم، حتى جاء هذا الرجل بعد سنوات طويلة، -أسامة خلاص كان كبر، ده في أخريات أيام النبي صلى الله عليه وسلم – سنين طويلة وهو يضمر هذا الإحساس وهذا الضيق، حتى فرّج الله عز وجل عنه بهذا،
يبئه إذاً احنا بس إلى أن نشير إليه أو نلتفت إليه مقدار ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من رقّةٍ ومن رحمةٍ ومن محبّةٍ لأصحابه ولذلك كان حقيقاً صلى الله عليه وسلم أن تتعلّق به قلوب الناس، أن يبدّله هؤلاء الناس حبّاً بحبّ، أن يكونوا حريصين على صحبته وعلى رفقته أشدّ الحرص، وأن يكونوا مستعدّين أن يقدّموا أرواحهم فداءه طواعيةً ورضى، هل كان ده لمجرّد الرسالة، والرسالة تستحق، يعني الرسول؛ أي رسول بمجرّد كونه رسولاً هذه الرسالة وهذا الاجتباء وهذه الاصطفاء من الله سبحانه وتعالى يكفي أن يضع في قلوب الناس المحبّة والإجلال والتقدير والتوقير، لوصف الرسالة، لكن هل كان الأمر هكذا وفقط، قال الله تبارك وتعالى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ طيب مين اللي انفضّوا، هو الخطاب عن مين؟، اللي انفضّوا دول اللي هما المفروض الصحابة رضي الله عنهم، طيب هينفضّوا من حول مين؟، من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشاهم، طيب هينفضّوا من حوله بإعتبار إن هو مش رسول ولا مع الإقرار والاعتراف واليقين بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّاً وصدقاً، لأ مع الرسالة، يبئه إذاً لو وجدت الرسالة ولم توجد الرحمة، وحلّ محلّ الرحمة الفظاظة والغلظة، لانفضّ الناس من حول رسولٍ يؤمنون بأنه رسول، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
يبئه إذاً رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمثّل نموذج الإنسان الكامل، الذي لا يملك من يخالطه، ومن يعايشه إلا أن ينفتح قلبه له، وإلا أن يحبّه، ولذلك إذا لم نتمثّل نحن هذه المعاني، إذا لم يتمثّل فينا الإسلام بهذه الروح، وبهذه المشاعر وبهذه الأحاسيس وبهذه الرأفة وبهذه الرحمة، لا يكون ثمَّ إسلام، لأنه كما قلنا سبحانه وتعالى جعل رسالة بدون رحمة قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ ديه صيغة حصر، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ولذلك احنا أشدّ ما نفتقد سواءً في أنفسنا أو فيمن نعايش ونلابس من الناس في هذه الأزمان، هذه المشاعر وهذه الأحاسيس، هذه الإنسانية الكاملة الراقية، التي بالطبيعة تورث حبّاً، وتورث إلتفافاً، وتورث اتّباعاً، وتورث انقياداً، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا اجتمعت فيه هذه الخلال وهذه الخصال، كان قدره في قلوب الصحابة حتى في الأمر والنهي، أنه لم يعد بحاجة إلى أن يأمر لكي يطاع، ولذلك احنا ذكرنا قبل ذلك من فترة طويلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس يوماً، وهو يصلي خلع نعليه، طبّقهم وحطهم عن شماله، وكمّل صلاة عادي، وبعد الصلاة التفت، لفّ كده، فلقى كل الصحابة المؤتمين بيه، كلهم نعالهم عن شمالهم، يعني هماا لاقوه وهو بيصلي خلع النعلين حطّهم عن شماله، فكل واحد بيصلي كده بشكل تلقائي خلع النعلين، وحطّهم كده، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه تعجّب، فبص كده؛ شباشب، شباشب، شباشب كده، قال: ما لكم ألقيتم نعالكم -أنتو ليه عملتم كده- قالوا: رأيناك ألقيت فألقينا، عادي يعني أنت عملت كده عملنا زيّك، لدرجة النبي صلى الله عليه وسلم نفسه -أنا ما قلتلكمش حاجة أجماعة- قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثاً- أنا شلتهم عشان سيدنا جبريل جه له في الصلاة قال له: إن في نجاسة في أسفل النعلين، فشالهم حطّهم على الشمال، عشان مينفعش يصلي وعلى البدن أو الثوب أو في المكان اللي بيصلي فيه نجاسة، بس، يعني في حاجة في علّة حصلت،، هما مش مستنيين يعرفوا ايه العلّة،، هو عمل كده خلاص يعني، وبعدين بمنتهى البساطة: رأيناك ألقيت فألقينا، عادي يعني، مش أنت عملت كده يبئه حلو، حلو كده، قال: فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه -وهو داخل بئه- فإن رأى فيهما خبثاً فليمسحه بالأرض، ثم ليصلي فيه.
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكّة فاتحاً فأحسن إلى الناس أيما إحسان، وعامل قريشاً على أرقّ ما تكون الرأفة والرحمة، وعفا عنهم في كل ما قد بدر منهم وسلف، سواءً ما أحدثوه حال كونه بين ظهرانيهم في مكة، أو ما أحدثوه من شرّ وفساد بعد هجرته وخروجه عنهم إلى المدينة،
فلما رأى الأنصار ذلك قال: أما الرجل فأخذته رغبةٍ في قريته، ورأفة بعشيرته. هما بيقولوا ايه؟ (أما الرجل) يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخذته رغبة في قريته) يعني هو حنّ لمكة، وبالتالي هيرجع يعد في مكة، مش هيرجع معانا المدينة تاني، (وأخذته رأفة بعشيرته) فأحسن إليهم أيما إحسان، طب ليه هنا قالوا (أما الرجل) ما قالوش النبي أو الرسول، هنا قالوا (أما الرجل) ليه الرجل؟ عايزين يقولوا: إن في طبيعة الإنسان التي لا تستنكر منه إن هو بيميل إلى أهله وإلى أقاربه -أصل ده مش سبب ديني، لأ قريته يعني وطنه اللي نشأ فيه، وعشيرته: يعني أهله وأقاربه، هما عايزين يقولوا دهشيء، كأنهم لمحبتهم لرسول الله هما شايفين كأن في شيء من الميل، فهمّا عاوزين يقولوا إن ده ميل طبيعي، ده ميل نفسي طبيعي، في أي إنسان، ده لا يستنكر، بس لو لو رغبة في قريته، ديه معناها إنه مش هيرجع معانا تاني، نفقد صحبته، نفقد حدبه، نفقد عشرته ورعايته، نفقد رأفته ورحمته، فنعود للمدينة بدونه؟ ومما يرشّح ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما خرج من مكّة نظر إليها بعدما ولّاها ظهره فقال: والله إني لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحبّ بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت، ولذلك كان الصحابة حينما انتقلوا من مكّة إلى المدينة، يحنون إلى عودهم إلى ديارهم،
السيدة عائشة بتحكي إن سيدنا أبو بكر وعامر بن فهيرة، وبلال بن رباح، وكلاهما كانا عبد وأعتقه أبوبكر، مولاه عامر، ومولاه بلا، لما أتوا المدينة أصابتهم الحمى، تغيّر الجوّ، فجت لهم حمى؛ سخونيّه، فدخلت عليهم تطمئن عليهم، فجعل أبوبكر يقول رضي الله عنه: كل امرئٍ مصبّحٌ في أهله (يعني صاحي الصبح، في أهله، عادي طبيعي)والموت أقرب من شراك نعله، هو ميعرفش متى تأتيه المنيّة، ربما يصبح في أهله ولا يمسي فيهم، وجعل بلال يقول: ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة بواد (وادي: اللي هو مكّة أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) وحولي إزخرٍ وجليل (الحشيش والنجيلة بتاعت مكّة) وهل أردنّ يوماً ماء مجنّةٍ (بئر) وهل يبدونّ لي شامة وطفيل، (أنا هرجع مكّة وأشوف معالم الجبال بتاعتها.
فهو هنا سيدنا بلال بيتذكر مكّة، ويتأسف على خروجه منها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع ذلك وحكته له عائشة رضي الله عنها، قال: اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا لمكة وأشدّ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغه ما قالوا، سيدنا جبريل عليه السلام أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن الأنصار يقولون (أما الرجل فأخذته رغبةٌ في قريته، ورأفةٌ في عشيرته) يبئه إذاً النبي صلى الله عليه وسلم من عظيم إحسانه، ومن عظيم برّه، الصحابة ترجموا ده ترجمة غير صحيحة، هو مستوى عالي جدّاً من الرأفة والرحمة والبرّ والإحسان والعفو والصفح، فوق مستوى ربما تصوّرهم،، هو ده مش ممكن يكون شيء
طبيعي، ده أكيد، ده أكيد علامة على إن هو عائدٌ إلى مكّة، مقيمٌ في أهله، مهي مش ممكن، مش ممكن يكون كل ده، مش ممكن يبئه عادي كده ويسيبهم ويمشي، فالنبي صلى الله عليه وسلم جمعهم،
قال: قلتم أما الرجل فأخذته رغبةٌ في قريته، ورأفة بعشيرته، قالوا: قد كان ذلك -حصل- فقال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم،، قال: كلا، -مش هيحصل-، قال: إني عبد الله ورسوله، طب عبد الله ورسوله ديه هي هنا ليه؟ هما قالوا: الرجل، أخذته الرغبة في القرية صح كده، والرأفة بالعشيرة، لأ، الرجل ده مش موجود خالص، الرجل ده، كينونة الرجل ده مش موجودة، كما قلنا سابقاً في الخطب بتاعت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن هو صلى الله عليه وسلم محض رسول هو مش حاجة تانية، هو كله، كله صلى الله عليه وسلم هو رسول، قال: كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله -أنا خرجت من مكة للمدينة ابتغاء رضوان الله فلا أعود في شيءٍ فعلته لله، لا أرجع في أمرٍ قدمته طاعةً لله، ورغبةً في رضاه، مينفعش- هاجرت إلى الله وإليكم، إلى الله وإليكم، إلى الله طاعةً ورضاً، وإليكم إثاراً وتفضيلاً على الناس، أي اخترتكم على من سواكم، ولا أعود في ذلك، المحيا محياكم، والممات مماتكم، لا أعيش إلا بينكم ولا أموت أيضاً إلا بينكم، فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون ما قلنا الذي قلنا إلا بالضنّ بالله ورسوله، احنا ما قلناش كده إلا بسبب الخوف والقلق، إن ممكن يميل إلى مكّة ويتركهم، يحنّ إلى أهله وإلى عشيرته وإلى مكّة التي هي أحبّ البلاد إلى الله حيث بيت الله، ده برده دينيّاً منطقي وطبيعي، ليس فيه ما يستنكر، قال: بل المحيا محياكم، الممات مماتكم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله، لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما أفاء من الأموال في يوم حنين قسم مالاَ كثيراً في المؤلفة قلوبهم من أهل مكّة من الطلقاء ممن أسلموا يوم أمس -بعد فتح مكّة- وقسمه في بعض أشراف العرب، وبعض رؤسائهم، قسم فيهم مالاً كثيراً استوعب كل المال الذي منّ الله عز وجل به عليه، ولم يعطي الأنصار منه قليلاً أو كثيراً، ولا مليم، فكأنهم وجدوا في أنفسهم، إنما نصر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصرتهم وبأسيافهم، من حين ما هاجر إليهم، وفي يوم حنين حينما فرّ الناس إنما فاء إليه الأنصار لما ناداهم، فكان عظم الفتح على أيديهم، ثم لم ينالوا منه ديناراً ولا درهماً ولا نقيراً ولا قطميراً فوجدوا في أنفسهم.
أثر المال أو ربما ما عدّوه ضعفاً في تقديرهم وحطّاً من مكانتهم، فجاء سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن هؤلاء الرهط أو هؤلاء القوم من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم -زعلانين يعني- طيب سعد بن عبادة ده المفروض ده زعيم الأنصار،، الأنصار لهم زعيمين سعد بن معاذ زعيم الأوس، وسعد بن عبادة زعيم الخزرج، وسعد بن معاذ رضي الله عنه قد مات أيام بني قريظة فلم يشهد فتح مكّة، فبقي سعد بن عبادة هو زعيم الأنصار كلهم، فأميرهم جاء يتحدث بلسانهم ليه؟ لابد أن يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يقولون عشان الكلام ما ينتشرش وما يستقرّش وما يتعاظمش، يعني لو في مشكلة تتحل بسرعة ويتمّ احتواءها فرأى من واجبه أن يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره، فقال: فيم؟ يعني ايه، هما زعلانين ليه ايه اللي حصل؟ قال: أعطيت هؤلاء، أو قسمت هذه الغنائم في هؤلاء المؤلفة قلوبهم، وهؤلاء رؤساء قبائل العرب ولم تعطي الأنصار منها لا قليل ولا كثير، فقال صلى الله عليه وسلم: فما أنت من ذلك يا سعد -يعني أنت رأيك ايه؟- قال: يا رسول الله ما أنا إلا رجلٌ من قومي. يعني أنا زيهم، أنا زيهم، فلم يصارحه رضي الله عنه بأنه يرى ذلك تأدباً معه صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت أشار بهذه العبارة الراقية الرقيقة إلى إنه يجد بعضاً مما يجدون،
فقال: اجمع لي الأنصار في هذه الحظيرة، -مش الزريبة، الظيرة ديه اللي هي قبّة من أدم النبي صلى الله عليه وسلم كان بيصنعها ويستقبل فيها الوفود، زي القصر الرئاسي، حاجة كده يعني المقرّ الدبلوماسي- المهم ؛ اجمع لي ولا تدخل إلا أنصاريّاً، فجعل سعد يجمعهم فجاء أناس من المهاجرين فأذن لهم، وجاء آخرون فردّهم، حتى إذا جمعهم آذن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أخبره- أنهم قد اجتمعوا، فأتاهم.
قال: يا معشر الأنصار؛ مقالة بلغتني عنكم، وموجدةٌ وجدتموها عليّ في صدوركم، ايه اللي أنا سمعته ده؟، هما ساكتين مش هيقولوا حاجة، فقال صلى الله عليه وسلم ألم تكونوا ضلّالاً فهداكم الله بي، ومتفرقين فألفكم الله بي وعالة -أي فقراء- فأغناكم الله بي، فماذا كان جوابهم،،، قالوا: الله ورسوله أمنّ، لأ احنا فضل ربنا وفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أعلى من ده بكتير كمان، ثم قال صلى الله عليه وسلم ألا تُجيبوني يا معشر الأنصار -يعني مش هتردّوا عليّا- قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله، بل لله ورسوله المنّ والفضل، فقال صلى الله عليه وسلم: لو شئتم لقلتم، يعني أنتم عندكم حجات تردوا بيها، فلصدقتم ولصدّقتم، لو أنتم قلتوا تصدقون، وأصدقكم وأقرّ على ما تقولون؛ جئتنا مكذّباً فصدقناك، وطريداً ،،،، جئتنا مكذّباً فصدقناك وطريداً فآويناك ومخذولاً فنصرناك، وعائلاً فآسيناك؛ أي أعطيناك من أموالنا،
ثم قال: أتجدون عليّ في لعاعة من الدنيا -شيء حقير من المال- أعطيت به أُناساً أتألفهم، أي لكي يثبتوا على الإسلام ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام،، أنا كنت واثق فيكم وفيما أعطاكم الله سبحانه وتعالى من دينٍ وإيمان وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، ثم قال: ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، يعني لو هي متقسمه ما تتحسبش كده بئه، هما أخدوا شويّة جمال وشويّة فلوس آه صح، وماذا كان قسمكم، وماذا كان حظّكم، وماذا كان نصيبكم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: والله، أو قال: والذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، لولا أنّ الله منّ عليّ بالهجرة فأنا أرجو ثوابها لجعلت نفسي في عداد الأنصار ونسبت نفسي إليكم فقلت إني أنصاري، لكنني لولا الهجرة لكنت كذلك، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار، الشعار: الحاجة اللي أنت بتلبسها على جسمك، والدثار الحاجة اللي بتلبسها فوق منّها، يعني الفنلّة ديه تبئه شعار، والشيء ده يبئه ده اسمه دثار (يشير الشيخ إلى ما يلبسه هو)
يبئه إذاً الشعار ده الأقرب له الملابس له، عاوز يقول إن أنتو أقرب إلى القلب، أنتم الخاصّة وهؤلاء أنأى وأبعد، الناس حتى قريش أهله وأقاربه، لأ لأ، أنتم أقرب إليّ منهم، ثم قال: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، ثم قال: إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، يعني ذقونهم اتبلّت غرقت من الدموع، وقالوا رضينا بالله ورسوله قسماً وحظّاً.
آخر حاجة النبي صلى الله عليه وسلم ختم بها الكلام ايه؟ قال: إنكم ستلقون بعدي أثرة، هو عاوز يقول ايه؟ إن أنتو ظنيتوا أو توهمتم إن ديه أثره، يعني أنا آثرت غركم عليكم، أو ملت لغركم عنكم أو فضّلت غيركم عليكم، وده محصلش لكن الأثرة الحقيقية سوف تأتي بعد، ده فعلاً هيجي وقد كان، ولذلك أسيد بن حضير رضي الله عنه يحكي، أنّ رجلاً من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلاناً، يعني أنت مش هتوليني إمارة زي ما وليت فلان وفلان، فالنبي صلى الله عليه وسلم ردّ عليه قال له ايه؟ قال: إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، طب ايه علاقى اللي الراجل بيقوله باللي النبي صلى الله عليه وسلم بيقوله، فده أول حاجة اعتذار ضمني من النبي صلى الله عليه وسلم على إنه يستجيب، هو مش هيعمل كده، يعني هو ما قبلش العرض ده، وعموماً النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّا لا نولي هذا الأمر أحداً سأله أو أحداً حرص عليه، ليه؟ لإن الحرص على الإمارة أو على الولاية في شيء ربما من التعلّق بها ولذلك ممكن الإنسان يفتتن بها، شيء من الطلب ممكن يحمله على شيء من الظلم أو التعدي أو استغلال النفوذ، لكن مش كل حد بيسأل كده، يعني واضح من جواب النبي صلى الله عليه وسلم إن هو مش بيستنكر إن الراجل ده أهل للإمارة فهو بيعتذر اعتذار ضمني، لكن بيقول له ايه؟ (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، يعني: إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو بيقسم المناصب والولايات تماماً كما يقسم الأموال مفيش أي حظ أو نصيب شخصي، هو بيفعل ما يراه أصلح للأمة لأن ديه أمانة، ما بيحبيش حدّ على حد، لكن المحاباة تأتي بعد، ولذلك صلى الله عليه وسلم أشار بهذه العبارة إلى ايه؟ إلى إنه ينفي ما في نفسه أو ربما يأتي في نفسه من الإحساس إن هو في تفضيل عليه أو محاباة ضده، وإخبار بإن ده يحدث أو يأتي بعد،
احنا بئه عايزين نقول ايه؟ عايزين نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم زي ما قلنا في هذه الخطبة بهذه الصفات وبهذا القلب وبهذه الرحمة وبهذه الروح، وبهذه الخلال كان حقيقاً أن يحب وأن تتعلق به القلوب، وإن المواقف ديه سواء كان في فتح مكّة أو في حنين إن قضية الأنصار الأساسية كلها بتدور حولين ايه، حوالين إن هما للتعلق الشديد والحب البالغ منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وده شيء طبيعي، لأن هذا الشخص لابد الناس تحبّه، كان كل ما يشغلهم استرار هذه الرابطة، استمرار هذه العلاقة، إن هو ما يبعدش عنهم، إن هو إذا أعطى غيرهم ميكونش ده علامة أو دلالة على انتقاص لهم، أو قلّة تقدير،
فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم إن لأ طيب، احنا بئه ايه المطلوب مننا حجتين: الحاجة الأولانية: إن احنا بنكتشف إن احنا محتاجين نعرف النبي صلى الله عليه وسلم، نعرفه أكتر، نحاول نقرّب منه أكتر، احنا معرفتنا به سطحية جداً وينبغي إن هي تكون عميقة جدّاً لأن هو القدوة والأسوة، وفي ضمن ده إن احنا هنجد صورة من الحياة ربما تحدث لنا كتير من المواساة في الحياة الصعبة اللي احنا بنعيشه، زي ما قلنا إن الواحد هينتقل وجدانيا، وجدانياً لهذه الحياة، يقدر ينقل نفسه نفسياً لهذا المجتمع، يعيش بقلبه قريب شويّة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكيد مشاعرنا هتبقى أفضل، وبالتالي احنا هنعرف الدين أكتر، ما احنا مش هنعرف الإسلام إلا من خلال ما نعرف نموذج تطبيق الإسلام، ايه نموذج الإنسان المسلم الكامل، أو ايه النموذج اللي احنا ينبغي نقتدي به، شكله ازاي، تعاملاته ازاي، طبيعته الإنسانية وتركيبته النفسية وسلوكه في التعامل مع الناس، نخرج من إطار إن الدين عبارة عن مجموعة من القوانين، أو مجموعة من الإلزامات أو مجموعة من الطقوس احنا بنؤديها، مجموعة عبادات احنا بنأديها وخلاص، وشيّة حجات كده في دائرة الحلال والحرام وافعل ولا تفعل، لأ الموضوع أعمق من كده وأبعد من كده بكتير، ديه حياة، حياة إنسانية كاملة، سلوك وأخلاق وتعامل اجتماعي، مشاعر وأحاسيس، إحساس بالناس يقابله إحساس من الناس، احنا بعييييييييييييد خالص عن ده بعييييد جدّاً، ولذلك احنا عايشين المعيشة الضنك، نحاول نطلع منها، لو المجتمع مش عايز يطلع لكن أقدر أنا أو صفوة مختارة ربنا سبحانه وتعالى يمنّ عليّا بها، صحبة طيبة أنتقيها ولو محدودة، نقدر نطلع نفسيّاً من ده، طب نطلع نفسيّاً عشان ندخل الكهف، لأ عشان نحاول نقدّم النموذج الكويس، زي ما قلنا ما نقدرش نقول إن المجتمع ما بيحبّش الدين، و بيكره، بس احنا عندنا مشاكل، وعندنا ضغوط اجتماعية كبيرة، وضغوط اقتصادية كبيرة، الحياة صعبة، الحياة فيها قدر كبير من القلق، قدر كبير من التوتر، قدر كبير من المعاناة، بيزداد يوم عن يوم، وفي نفس الوقت احنا مفتقدين النموذج، الكلام النظري عمره ما هيأثّر، يعني الواحد هيعد يتكلم كتير عن الإسلام كلام نظري، كلام نظري، كلام نظري كلنا عارفين الكلام ده، عمره ما هيبقى مؤثّر إلا إذا كان له واقع تطبيقي ولو محدود، نماذج توضّح إن الدين ممكن نعيش به فعلاً، وإن هو واقعي، حقيقةً واقعي، وإن هو هيقدم نموذج أفضل للحياة فعلاً، مش نظري، لو كان نظري كان ربنا سبحانه وتعالى نزّل على الناس مصاحف أو قرآن كل واحد ياخد مصحفه، زي ما احنا في المدرسة كل واحد بياخد كتب أول السنة، ويقعد يذاكر فيها حضر ما حضرش، ياخد درس ما يخدش،،، ليه النموذج العملي؟ ليه كان لابد الدين يتمثل في صورة شخص عشان الناس بتتأسى بشخص، بتشوف نموذج بتعايش إنسان، هتتنقل لهم منه مشاعر وأحاسيس، فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو القرآن، تقول عائشة رضي الله عنها لازم كده، ديه الحاجة التانية
يبئه الحاجة الأولانية: إن احنا نتعرف على الدين أكتر، نحس بقيمته أكتر
الحاجة التانية: نحاول إن احنا كل جزء نعرفه أو كل جزء نتعلمه أو كل خلق نبوي فاضل احنا بنطّلع عليه، نحاول نقرّب منه، على فكرة هو مش سهل هو عالي فعلاً بس هو قابل للارتقاء إليه، الكمال البشري وليس الكمال الملائكي، ممكن نقرّب له، وزي ما قلت قبل كده كتير، مفيش داعي إن احنا نستمر في الضنّ على أنفسنا بالخير وهو في متناول ايدينا، أنا قلت الكلام ده كتير، على فكرة أجماعة فعلاً النعمة ديه قريبة مننا هي مش بعيدة، ليس بيننا وبينها إلا أننا نمدّ إليها أيدينا، ونكون راغبين فعلاً فيها.
طيب هل هي ما تستحقّش ولا احنا مش مهتمين بأمرنا أو بنفسنا أو بسعادتنا إلى هذه الدرجة، ممكن نخرج ممكن ننتشل أنفسنا من الوضع ده، ممكن، ولما الدنيا بتبقى صعبة في حديث عبدالله بن عمرو النبي صلى الله عليه وسلم قال: حتى إذا رأيت شحّاً مطاعاً وهوىً متّبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، شحّ مطاع، الشح: الحرص الشديد، الإنسان بيطيعه، فماشي بيلوّش، ضارب ايده في جيب أي بني آدم مش مشكلة،، وهوى متّبعاً، يعني هو ما بيتّبعش حقّ بيتّبع أهواء النفس، ودنيا مؤثرة يؤثر الدنيا على الآخرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه كل واحد دماغه عجباه، يعمل ايه؟ قال: فعليك بخاصّة نفسك؛ دائرتك المقرّبة المختارة، ودع عنك أمر العوام اللي هو المجتمع الخارجي مش هتقدر تأثر فيه، ربما مش هتقدر تأثر فيه، طيب اعمل دايرة صغيرة حاول تعيش فيها، فإن من ورائكم أيام الصبر.
ولذلك احنا قلنا النبي صلى الله عليه وسلم مثّل المجتمع بسفينة، قلنا الحديث ده قبل كده كذا مرّة، في ناس فوق وفي ناس تحت، فوقع بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها،، في ناس كويسة فوق وفي ناس تحت، ناس فوق وناس تحت، فالناس اللي تحت دول الماية، تنكات الميّة موجودة فوق، فهما ناس طيبين ومش عايزين يغلسوا على حد، بيقولك احنا طالعين نازلين، طالعين نازلين، فاحنا نعمل ايه، خرم صغنون كده تحت (صوت شفط) نشفط ميّة، بحيث ما نئذيش العالم الطيبة اللي فوق ديه، يعني الناس ديه نيتها خير على فكرة مش نيتها حاجة وحشة، هي نيتخها خير ومش عايزين يعكننوا على حد، وده نصيبهم احنا في النص بتاعنا، خرقنا في نصيبنا خرقاً فنشرب ولا نؤذي من فوقنا، صح، أنت حرّ مالم تضر، مفيش مشاكل، بس أنا الخرم ده هيضر ولا مش هيضر، يعني هي المركب لما تخش فيها الميّة هما هيشربه تمام، بس المية هتفضل حلوة كده تطلع،، طيب النص التحتاني يغرق والفوقاني ملوش دعوة! ولا المركب كلها هتغرق، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: فلو أنهم تركوهم وما أرادوا -هما حُرّين يا عم بئه احنا مالنا، هو النص بتاعهم وهما براحتهم- لهلكوا -كلهم هيغرقوا- وهلكوا جميعاً، ولو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً، هما لما ياخدوا على أيديهم احنا كلنا هنسلم، طيب احنا المركب بتاعتنا قررت إن هي تعيش تيتنك، احنا عجبنا الفيلم عايزين نمثّله، تمام جدّاً، المركب هتغرق، هعمل ايه أنا دلوقتي؟ طب أنا هعمل ايه مش عارف أعمل حاجة للمركب لا ايد ولا رجل والمركب كلها قررت تشرب مية من تحت، ما قدمناش إلا حلّ واحد بعض القوراب المطاطية الطيبة هترميها حضرتك برّه المركب، بحيث إن انت لازم تنجو، أصل هتهلك، بس نبقى حوالين المركب بحيث لو حد حبّ يبنط؛ نلقفه، الناس اللي في المركب مثلاً عقلهم رجع لهم نبئه جمبهم، أصل هنروح فين، فمجموعة من القوارب المطاطية حوالين المركب الغرقانة ديه يمكن تنجي أصحابه، وتبقى فيها زي ما قلنا وسيلة إنقاذ.
فإذاً لازم نبئه حوالين المركب عشان في النهاية نستنقذ ما يمكن استنقاذه من المركب ويمكن زي ما قلنا الناس لما تحسّ إن هي هتغرق بجدّ والموضوع مش بهزار، -المشكلة إن احنا مش حاسين بخطورة-، يمكن الناس تهرش كده، اللي عايز يسد خرم، اللي يجيب حتة أمير، شوية شكارتون، أي حاجة من الحجات اللي بتنفع ديه،
فخلاصة الموضوع إن احنا لازم ننقل نفسيّاً هناك، نحاول نقرّب من النموذج ده قدر الإمكان ولو في إطار دوائر صغيّرة، وشويّة مراكب مطاط كده حوالين المركب، حوالين المركب أصل طول ما أنت جوه المركب هيفضل أنت عايش في عكننة على طول، بص أصل هي لو طالبة معاهم غرقان خلاص، فأنا هعمل ايه، حوالين المركب احنا قاعدين كده، سندوتش فول على شوية عصير قصب، وهتتقضى الدنيا، أصل برده احتياجات الإنسان محدودة وزي ما كانوا بيقولوا زمان محدش بيموت من الجوع، يعني في النهاية، هي الدنيا هتمشي وشويّة وهيتقضّوا،
الإمام أحمد كان بيقول كلمة -احنا طوّلنا بئه نختم بيها- كان بيقول ايه، كان بيقول: إنما هو طعامٌ دون طعام، -يعني الناس كلها بتاكل- ولباسٌ دون لباس -الناس كلها،، محدش ماشي عريان- بس هي مستويات، ننزل شويّة الدنيا هتمشي،،
إنما هو طعامٌ دون طعام ولباسٌ دون لباس وإنها أيامٌ قلائل،، على فكرة هي بتعدي، ولذلك احنا لو حطّينا المفهوم ده ممكن نعيش التكافل الإجتماعي اللي احنا بنتكلم عنه أو العدالة الإجتماعية اللي احنا بنتكلم عنها كتير ومبتتحققش،
أصل التكافل ده عبارة عن ايه؟ عبارة عن واحد يحسّ باللي حواليه ويقتطع شيء ولو محدود من الزائد اللي عنده اللي ممكن يستغنى عنه، فيعطيه لمن يحتاج إليه حاجة ضرورية، ديه على فكرة فكرة بسيطة مش صعبة، بس هي محتاجة إحساس مننا بمعاناة الآخرين، يعني كتير من الحجات اللي احنا بنعملها أو بنتناولها ممكن نستغنى عنها ولو جزء، لو كل واحد استغنى عن جزء مما لا يفتقر إليه ولا يحتاج إليه مش ضروري بالنسبة له، لأ الأوضاع ممكن تبقى أحسن بكتير، طالما مفيش أوضاع مؤسسية أو حكومية هتستنقذ الناس، مهو الناس يا إما أوضاع مؤسسية تستنقذهم، يا إما الناس يكفل بعضهم بعضاً، أصل مفيش حاجة تانية، طب إذا لم تكن هناك أوضاع مؤسسية تستنقذ الناس، ومفيش إن الناس يكفل بعضهم بعضاً، يبئه المجتمع هيهلك، والشخص الجعان لما الجوع ، مهو كله هيبئه رايح بئه، مهو دلوقتي لما آجي أجوع هقطم في دراع فلان وفي رجل فلان، مش في فلوسه، هقطم في جسمه، ومصر أصلاً بلد المجاعات، على فكرة احنا عندنا قصّة سيدنا يوسف ديه مننسهاش، على فكرة هي كل حبّة كده، بيحصل حاجة من ديه كل فترة، وبتقترن غالباً بمشاكل دينيّة وأخلاقية في المجتمع، في كتاب اسمه (تاريخ المجاعات) للمقريظي مأرّخ للمجاعات اللي كانت بتحصل في مصر كل فترة فهي بتقترن عادةً بالمشاكل، فالجوّ اللي احنا فيه ده ترشيح لحجات مش لذيذة، عشان بئه نلم الموضوع لازم احنا نصلّح علاقتنا بربنا عشان تنزل علينا البركات اللي ربنا وعدنا بيها، ولازم نتكافل لأن التكافل ده جزء أساسي من رسالة الإسلام.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه،
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين،
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا،
متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم